التفاسير

< >
عرض

وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ
١٥٥
وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } من قومه { سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } روى عن الرّضا (ع) انّه سئل: كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى (ع) بن عمران لا يعلم انّ الله لا يجوز عليه الرّؤية حتّى يسئله هذا السّؤال؟ - فقال: انّ كليم الله علم انّ الله منزّه عن ان يرى بالابصار ولكنّه لمّا كلّمه الله وقرّبه نجيّاً رجع الى قومه فأخبرهم انّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعته وكان القوم سبعمائة الفٍ فاختار منهم سبعين الفاً ثمّ اختار منهم سبعة الآف ثمّ اختار منهم سبعمائةٍ ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه، فخرج الى طور سيناء فاقامهم فى صفح الجبل وصعد موسى (ع) الى الطّور وسأل الله ان يكلّمه ويسمعهم كلامه وكلّمه الله وسمعوا كلامه من فوق واسفل ويمين وشمال ووراء وامام، لانّ الله احدثه فى الشّجرة ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن بانّ هذا الّذى سمعناه كلام الله حتّى نرى الله جهرةً، فلمّا قالوا هذا القوم العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة فاخذتهم الصّاعقة بظلمهم فماتوا، فقال موسى (ع): يا ربّ ما اقول لبنى اسرائيل اذا رجعت اليهم وقالوا انّك ذهبت بهم فقتلهم لانّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله ايّاك؟! فأحياهم وبعثهم معه، فقالوا: انّك لو سألت الله ان يريك تنظر اليه لاجابك فتخبر كيف هو ونعرفه حقّ معرفته فقال موسى (ع): يا قوم انّ الله لا يرى بالابصار ولا كيفيّة له وانّما يعرف بآياته ويعلم باعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى تسأله فقال موسى (ع) يا ربّ انّك قد سمعت مقالة بنى اسرائيل وانت اعلم بصلاحهم فاوحى الله اليه: يا موسى (ع) سلنى ما سألوك فلم اؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى (ع): ربّ ارنى انظر اليك قال لن ترانى ولكن انظر الى الجبل فان استقرّ مكانه وهو يهوى فسوف ترانى فلمّا تجلى ربّه للجبل بآية من آياته جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً فلّما أفاق قال سبحانك تبت اليك وانّا اوّل المؤمنين { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ } اهلاكنا { أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } يعنى من قبل وعدى بنى اسرائيل باسماع كلامك واتيانى بهم الى ميقاتك حتّى لا يتّهمونى بالكذب واهلاك من جئت بهم الى ميقاتك { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } من الجرأة على طلب الرّؤية { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } ان العجل وخواره الاّ فتنتك على ان يكون مقطوعاً من سابقه على ما روى انّ الله اخبره بضلال قومه بالعجل، فقال: يا ربّ ان كان السّامرىّ صنعه فمن أخاره؟ - فقال: انا، فقال: ان هى الاّ فتنتك، او على ان يكون السّبعون المختارون من عبدة العجل اختارهم ليمقات التّوبة فاخذتهم الرّجفة لهيبة الله، او المعنى ان اسماعهم لكلامك حتّى طمعوا فى سؤال الرّؤية الاّ فتنتك او ان الرّجفة منك الاّ فتنتك، وتأنيث الضّمير على الوجوه السّابقه لمراعاة الخبر { تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا } المتصرّف فى امورنا { فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } لمّا كان الحسن الحقيقىّ هو الولاية فكلّ ما كان مرتبطاً بالولاية من علم وخلق وفعل فهو حسن بحسنها، والسّير على طريق الولاية ايضاً حسن بحسنها، وتسهيل السّير بقوّة الولاية ورفع موانع السّير وقلّة الامتحانات فى الطّريق والّذكر المأخوذ من الامام والاتّصال بملكوت الامام كلّها حسن بحسنها، والتّاء فى الحسنة للنّقل فتفسيرها بالولاية وبالطّاعة وبتوفيقها وبتسيهل السّير ورفع موانع السّير وتقليل الامتحانات ودوام الّذكر وتمثّل صورة الشّيخ كلّها صحيح { وَفِي ٱلآخِرَةِ } ايضاً حسنة والحسنة فى الآخرة هو شهود الحقّ تعالى فى مظاهره بمراتبها: ونعم ما قال المولوىّ قدّس سرّه بالفارسىّ فى تفسير الحسنة فى الدّنيا والآخرة:

راه را برسا جو بستان كن لطيف مقصد ما باش هم تو اى شريف

{ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } من هاد يهود اذا رجع { قَالَ } جواباً له: انّ لى سخطاً ورضى وعذاباً ورحمة ولكلّ اهل، فلى ان اعذّب من كان اهلاً للعذاب، وارحم من كان اهلاً للرّحمة { عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } ولمّا لم يكن المعصية سبباً للعذاب على الاطلاق لم يقل من عصانى { وَرَحْمَتِي } الرّحمانيّة { وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } لانّها صفة الوجود والوجود قد احاط بكلّ موجودٍ فى الدّنيا والآخرة { فَسَأَكْتُبُهَا } اى الرّحمة الرّحيميّة بطريق الاستخدام { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } المحرّمات الّتى اصلها اتّباع ائمّة الجور الّذى اصله اتّباع اهواء النّفس { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ } حقوق المال الحلال وفضول التّمتّعات المحلّلة والالتذاذات المباحة المأمور بها بان يتمتّع ويلتذّ ويقلّل منها تدريجاً وقوّة القوى العّلامة والعمّالة بصرفها فى قضاء حقوق الاخوان وعبادة الرّحمن { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } وهذه صفات مترتّبة فانّ التّقوى بهذا المعنى مقدّمة على الزّكاة، والزّكاة الّتى هى تضعيف قوى النّفس مقدّمة على ادراك كون الآية التّدوينيّة او التّكوينيّة آية، والايمان بها بعد درك كونها آية وللاشارة الى انّ الايمان هو المقصد الاسنى كرّر الموصول.