التفاسير

< >
عرض

فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
-الأعراف

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } فعل الوسوسة وهى الصّوت الخفىّ فى الاصل ثمّ غلب على ما يلقى الشّيطان فى النّفوس من الخواطر الخفيّة السّيّئة او المؤدّية الى السّوء، وان كان المراد ظاهر ما ورد فى الاخبار من انّه اختفى بين لحيتى الحيّة وأظهر النّصح لهما بلسانٍ ظاهرىٍّ وسمعاه بالسّمع الظّاهر، فالمقصود انّه اظهر النّصح لهما بصوتٍ خفىٍّ اظهاراً لهما انّه محض التّرحّم والشّفقة لهما مبالغةً فى الغرور، فانّ الرّحمة والشّفقة تقتضيان اخفاء الصّوت لا الاجهار به، والاتيان باللاّم للاشارة الى انّه نصح نافع لهما { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } اللاّم للعاقبة او للغاية على انّه كان عالماً بانّ قرب الشّجر مورث لان يبدى لهما { مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } وقد ورد انّ المراد كان بالسوأة هو العورة وكانت قبل ذلك مختفيةً غير ظاهرة على انفسهما ولا على غيرهما ولكن اذا اريد بالشّجرة شجرة النّفس فانّها مجمع تمام الرّذائل والخصائل، وبه يجمع بين ما ورد فى تفسيرها مع اختلافها وتضادّها كما سبق، وبآدم الرّوح المنفوخة فى جسده الّتى هى طليعة العقل، وبحوّاء جهتها السّفلىّ الّتى خلقت من جانبها الايسر، كان المراد بوسوسة الشّيطان الخطرات الّتى تقرّب الانسان الى المشتهيات النّفسانيّة وبسؤاتهما الرّذائل المكمونة والاهواء الفاسدة والآراء الكاسدة الّتى تظهر بعد الاختلاط بالنّفس ومشتهياتها، والمراد من ورق الجنّة ما اقتضاه العقل من الحياء والتّقوى فانّهما من اوراق الجنّة، وبهما وبسائر صفات العقل يستر المساوى ولا يتجاهر الانسان بها الاّ ان يهلك العقل ويخرج من الجنّة وحكومة العقل، ونداء الرّبّ عبارة عن نداء العقل فى وجود الانسان بالتّوبيخ على ما يصدر عنه ممّا فيه نقصه { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا } عطف على وسوس وتفصيل لها { عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } كأنّهما استشعرا ان ليس فى جبلّتهما ما فى الملك ولا ما يقتضى الخلود واستشعرا ما فى الملكيّة والخلود من الكمال بالنّسبة الى المخلوق المركّب من طباع العناصر، فاشتاقا الى الوصفين فقال لهما: انّ الاكل من الشّجرة مورث للوصفين وانّ الله كرّه لكما الوصفين ولذلك نهاكما عن الاكل.