التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
٣١
-المدثر

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } يعنى لا يقوم تمام اهل الدّنيا بواحد منهم { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } الفتنة بالكسر الاختبار والضّلال والاثم والكفر والفضيحة والعذاب والاضلال والجنون والمحنة واختلاف النّاس فى الآراء، والكلّ مناسب ههنا لانّ خزنة النّار وان كانوا فى الآخرة لكن بمضمون وانّ جهنّم لمحيطة بالكافرين يكون من كلّ انموذجٍ فى الدّنيا ويكون موكّلاً بانموذجه على الكافر فى الدّنيا كما انّه فى الآخرة بنفسه يكون موكّلاً عليه، وقيل: سبب افتتانهم بهذا العدد استهزاؤهم واستبعادهم ان يتولّى هذا العدد القليل تعذيب اكثر الثّقلين { لِيَسْتَيْقِنَ } قيل تعليل لمحذوف اى قلنا ذلك ليستيقن { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } من اليهود والنّصارى بنبوّة محمّدٍ (ص) لمّا رأوا الخبر موافقاً لما فى كتبهم { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } اى اسلموا بمحمّد (ص) { إِيمَاناً } لمّا اخبرهم اهل الكتاب بموافقته لما فى كتبهم { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } هذا ما فسّروه بحسب الظّاهر به ولكن نقول ايتاء الكتاب كناية عن قبول النّبوّة ايّة نبوّة كانت ولا اختصاص باليهود والنّصارى بل كلّ من قبل نبوّة محمّد (ص) بالبيعة على يده وقبول احكام نبوّته والانقياد تحت حكمه وقبول دعوته الظّاهرة كان ممّن اوتى الكتاب والايمان، وان كان يستعمل فى الاسلام وقبول الدّعوة الظّاهرة بالبيعة العامّة مجازاً او على سبيل الاشتراك، لكنّ المراد به ههنا الايمان الحقيقىّ الحاصل بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة والدّخول تحت احكام الولاية، والى هذين اشار تعالى بقوله: { { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق:37] فانّ الاوّل اشارة الى المؤمن المحقّق والثّانى الى المسلم المقلّد، وقد ذكرنا انّ كلّما يكون فى الآخرة يكون انموذجه فى الدّنيا فانّ الدّنيا بوجهٍ مادّة الآخرة وبوجهٍ صورة الجحيم او انموذجها، فالمعنى عليها تسعة عشر صنفاً او شخصاً من الملائكة ليكونوا سائقين للكفّار الى النّار وللمؤمنين الى الجنّة، ومن قبل النّبوّة لمّا لم يكن يدرك بالذّوق والوجدان امور الآخرة لم يكن يستيقن بمحض تلك البيعة لامور الآخرة، ولمّا كان هؤلاء الملائكة فى الدّنيا سائقين لهم الى الآخرة كانوا بذلك السّوق يدركون بالوجدان امور الآخرة فيستيقنونها، ولمّا كان المؤمنون موقنين فسوقهم يصير سبباً لازدياد ايقانهم، ويجوز ان يكون تعليلاً لقوله: وما جعلنا اصحاب النّار الا ملائكة، او لقوله وما جعلنا عدّتهم الاّ فتنةً، ويجوز ان يكون تعليلاً للكلّ على سبيل التّنازع { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ممّن قبل الدّعوة الظّاهرة اى من فى قلبه نفاق { وَٱلْكَافِرُونَ } اى الّذين لم يقبلوا الاسلام { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } العدد او بهذا القول او بجعل عدّتهم فتنة او بجعل اصحاب النّار ملائكة { مَثَلاً } تميز عن هذا او حال عنه اى حالكونه مستغرباً غرابة المثل او حالكونه جارياً على الالسن جريان المثل، واللاّم للعاقبة مثل قوله تعالى ليكون لهم عدوّاً وحزناً، او للغاية على ما بيّنا يعنى ما جعلنا اصحاب النّار الاّ ملائكة ليكونوا فى الدّنيا سائقين لاهل النّار الى النّار وموصلين لاهل الجنّة الى الجنّة { كَذَلِكَ } الاضلال باظهار ما ليس فى وسعهم ادراكه { يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ } من الملائكة والجنّ وجميع الموجودات فانّ الكلّ من جنوده { إِلاَّ هُوَ } فليس قلّة عدد اصحاب النّار لقلّة جنوده بل لعدم الحاجة الى ازيد من ذلك { وَمَا هِيَ } اى المعهودة المطلقة الّتى هى ولاية علىّ بن ابى طالب (ع)، وقيل: ما السّقر او عدّة الخزنة او السّورة، وقد ورد عن الكاظم (ع) تفسيرها بالولاية { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } والتّذكرة الحقيقيّة هى الولاية وان كانت سقر وعدّة الخزنة والسّورة ايضاً تذكرة.