التفاسير

< >
عرض

نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً
٢٨
إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٢٩
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
٣٠
-الإنسان

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } اى خلقهم او مفاصلهم بالاعصاب والاوتار او الياف المعدة والمثانة حتّى صارتا باختيار صاحبهما { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ } باذهابهم وجعل اولادهم اخلافهم، أتى باذا لتحقّق وقوعه { تَبْدِيلاً إِنَّ هَـٰذِهِ } اى ولاية علىٍّ (ع)، او قرآن ولايته، او هذه السّورة الّتى فيها ذكر الولاية { تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَآءُونَ } لمّا اوهم قوله تعالى فمن شاء استقلالهم بالمشيّة رفع ذلك فقال وما تشاؤن { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ }.
اعلم، انّه لا يكون شيءٌ من المكوّنات ومن افعال العباد واخلاقهم واراداتهم ومشيّاتهم الاّ بمبادٍ سبعةٍ، بمشيّة من الله، وارادةٍ منه، وقدرٍ منه سبحانه وقضاءٍ واذنٍ واجلٍ وكتابٍ وانّ المشيّة هى اضافته الاشراقيّة الّتى هى فعله وكلمته، وانّ كلّ شيءٍ من المبدعات والمنشئات والمخترعات والمكوّنات قوام وجوده مشيّة الله، وانّ مشيّة الله غير محبّته ورضاه، وانّ الرّضا والسّخط بمنزلة صورة للمشيّة، والمشيّة كالمادّة وانّ مشيّة العباد هى مشيّة الله بضميمة خصوصيّة الاضافة الى العباد فمعنى ما تشاؤن الاّ ان يشاء الله الاّ فى حال ان يشاء الله، او بسبب ان يشاء الله، او لان يشاء الله، وامّا جعل ان يشاء الله مفعولاً لتشاؤن فبعيد بحسب الظّاهر وان كان له معنى صحيح بحسب دقيق النّظر، لانّ كلّ ما يشاؤه العباد فهو متقوّم بمشيّة الله بل هو عين مشيّة الله الّتى صارت بحسب الاضافة محدودة بحدود الممكنات، وقد مضى بيانٌ وافٍ لكون مشيّة الله وارادته عين مشيّة العباد واراداتهم من غير لزوم جبرٍ وتسخيرٍ عند قوله تعالى: ولكنّ الله يفعل ما يريد، من سورة البقرة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } فبعلمه بدقائق الصّنع ومصالح المصنوع جعل مشيّته عين مشيّة العباد { حَكِيماً } بحيث لطف فى هذا الصّنع لطفاً لا يدركه احدٌ بل يتوهّمون ضدّه ويقولون: انّ الله فوّض امور العباد وافعالهم اليهم.