التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٥
-الأنفال

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } بالحياة الانسانيّة وهو الايمان الخاصّ الحاصل بالولاية الّتى هى سبب دخول الايمان فى القلب الّذى هو سبب حياة القلب، فالمعنى اذا داعكم الرّسول (ص) لولاية علىّ (ع) ودعاؤه دعاء الله فاستجيبوه، وقد فسّر فى الاخبار بولاية علىّ (ع) والسّرّ فى ذلك انّ حياة الانسان بانفتاح باب قلبه الى دار الحيوان ووصول اثر الحياة من تلك الدّار اليه وهو الايمان الدّاخل فى القلب، وانتفاح باب القلب ووصول اثر الحياة اليه لا يتصوّر الاّ بالولاية الّتى هى الاتّصال بولىّ الامر الذى هو الحىّ بالحياة الاخرويّة وباعطاء اثر الحياة بنفخته فى القلب بتلقين الّذكر الّذى هو سبب انفتاح بابه { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } اى يصير حائلاً بين المرء ونفسه فان اراد سعادة المرء يمنع من وصول اثر عصيانها اليه لئلاّ يقوده الى النّار، وان اراد شقاوته يمنع من وصول اثر طاعتها اليه لئلاّ يقوده الى الجنّة، او يصير حائلاً بين المرء وقلبه الّذى به خيراته وحيوته الحقيقيّة فيمنع ان شاء من وصول اثر الحياة الانسانيّة اليه، او يصير حائلاً بينه وبين النّفس لئلاّ يعلم انّ الحق باطل والباطل حقّ، او يصير حائلاً بين المرء حين اشتهى شيئاً من مشتهياته وبين قلبه الّذى فطر على الحقّ حتّى لا يخرج المشتهيات المرء عن الحقّ الى الباطل او يصير حائلاً بين المرء ونفسه اى مشتهياتها، فلا يدع المرء ان يتّبع متشهيات النّفس او يوقع الحالات بين المرء وقلبه يعنى بيده تسخير الاحوال او يتردّد بين المرء وقلبه فيعلم خفيّات احوالهما او يتردّد بين المرء وقلبه فيوصل الحياة الابديّة الى المستجيب ويمنعها من غير المستجيب، والمقصود على كلّ المعانى التّحذير عن ترك الاستجابة والتّرغيب فى الاستجابة، وفى الاخبار تصريح بالبعض وتلويح الى البعض الآخر { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } لا تصيبنّ صفة لفتنة فانّ المقصود التّحذير عن فتنةٍ مخصوصة مقيّدة لا فتنةٍ ما، ولا الفتنة المطلقة فانّ الاولى لا يتعلّق بها غرض والثّانية يناسبها التّعريف بالّلام، ولا تصيبنّ منفىّ مؤكّد بالنّون يجبر شذوذ تأكيده بالنّون بمطلوبيّة المبالغة فيه او منهىّ مقدّر بالقول، وفيه وجوهُ اخر بعيدة عن اللّفظ غير متعلّق بها غرض معنوىّ. اعلم، انّ الظّلم عبارة عن منع الحقّ عن المستحقّ وايصاله الى غير المستحقّ وهذا المعنى لا اختصاص له بشيءٍ وشخصٍ دون شخصٍ وحقٍّ دون حقّ، فمنع الاطفال والنّسوان والاراذل عن مشتهياتهم ظلم بوجهٍ وان كان عدلاً بوجهٍ ولذا ورد ثلاثةٌ ان لم تظلموهنّ ظلموك: النّساء والصّبيان والسّفلة، ومنع النّفس وقواها عن مشتهياتها ظلم بوجهٍ وبالنّسبة اليها وان كان بالنّسبة الى اللّطيفة الانسانيّة عدلاً "ظلم بين كز عدلها كوميبرد" ومنع النّفس من حكومة العقل والانقياد تحت امره ظلم، ومنعها من الانقياد تحت حكومة نبىّ الوقت بالبيعة العامّة ظلم، وحقيقة الظّلم واصله وملاكه هو منع اللّطيفة الانسانيّة من قبول الولاية وبواسطته يتحقّق حقيقة الظّلم فى كلّ ظلم، ولولاه لم يكن الظّلم ظلماً، وان كان بصورة الظّلم كقتل محمّد (ص) ونهبه واجلائه كثيراً من مخالفيه وكقتل علىّ (ع) النّاكثين والمارقين والقاسطين ولكونه بصورة الظّلم حملوه على الظّلم وقالوا وفعلوا ما فعلوا حتّى قتلوه، ولولا الولاية لم يكن عدل وان كان الخالى عن الولاية بصورة العدل كفعل معاوية وعدله فى الامّة، والمقصود من الّذين ظلموهم الّذين كانوا من امّة محمّد (ص) وبايعوا بالبيعة العامّة بقرينة قوله منكم خطاباً للامّة وظلموا بمنع الاسلام عن حقّه الّذى هو الهداية الى الايمان وترك مودّة ذوى القربى الّتى هى غاية التّبليغ، والبيعة كأنّ غيره من الخطايا لا تعدّ ظلماً منهم وايضاً التّقييد بقوله منكم واعتبار حيثيّة القيد يشعر به، فالظّلم الّذى هو بعد الدّخول تحت حكومة النّبىّ (ص) من حيث هو بعد الدّخول المذكور ليس الاّ منع اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة عن الدّخول تحت حكم ولىّ الامر بالبيعة الخاصّة الّتى بها يدخل الايمان فى القلب وبها يتحقّق حقيقة العدل فى كلّ عدلٍ وبها ينفتح باب القلب الى الملكوت، وبها يمكن السّير على الطّريق المستقيم الى الله، والمراد بالفتنة المقيّدة هو الانحراف عن ولىّ الوقت فانّ من كان واقفاً على البيعة العامّة كان ظالماً على اللّطيفة الانسانيّة والفتنة المصيبة لهم هو الوقوف والانحراف عن البيعة الخاصّة مع ولىّ الوقت الّذى هو علىّ (ع) وهى الفتنة المجاوزة عنهم الى المبتاعين بالبيعة الخاصّة مع محمّد (ص) بعد رحلته والمبتاعين بالبيعة الخاصّة مع علىّ (ع) بعد رحلته والى المبتاعين بالبيعة الخاصّة مع الحسن (ع) بعد رحلته وهكذا الى انقراض العالم. وتفسير الفتنة بما يصل اثره الى غيره الفاعل كالغيبة والبدعة وغيرهما يناسب ظاهر التّنزيل واللّفظ لكن ليست هى المقصوده؛ وقد ورد فى الاخبار الاشعار بما ذكرنا غاية الامر انّها داخلة تحت الآية من باب سعة وجوه القرآن { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } فاتّقوا مطلق الفتنة خصوصاً الفتنة المذكورة الّتى هى اصل كلّ الفتن.