التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢١
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ } ذلك { لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعنى يكتب كلّما عملوا لينظر اليها ويجزى كلّها بازاء احسنها وليس المراد انّه لا يجزى الاّ احسنها، ويجوز ان يراد هنا انّهم يجزون بأحسن ممّا عملوا. اعلم، انّ الانسان كما يكون فى الاستكمال بحسب بدنه من اوّل صباه يكون فى الاستكمال بحسب نفسه وكلّ فعلٍ يصدر منه خيراً كان او شرّاً يحصل منه فعليّة له، ولمّا كان واقعاً بين عالمى الملائكة والشّياطين، فان لم يتمكّن فى احد العالمين لا يمكن الحكم عليه بكونه من اهل الرّحمة او اهل العذاب من غير تقييدٍ بشرط البقاء على الاسلام او الكفر، وكان بحسب العاقبة محكوماً عليه بكونه مرجىً لأمر الله وان لم يكن داخلاً فى صنفهم، وان دخل فى احدهما وتمكّن فيه صار جميع الفعليّات الحاصلة له مسخّرة لحاكم ذلك العالم اى العقل او الشّيطان وصارت محكومةً بحكم احسنها واسوئها، فانّ احسن الاعمال ما كان الفعليّة الحاصلة منه مسخّرة لعقل وأسوأها ما كان الفعليّة الحاصلة منه مسخّرة للشّيطان، وغير هذين حسن وسيّئ باعتبار قربهما الى العقل والشّيطان فاذا صار الفعليّات كلّها مسخّرة للعقل بسبب تمكّن صاحبها فى اتّباع الاخيار والانقياد لهم كان جزاء كلّ الاعمال سيّئها وحسنها واحسنها بجزاء احسنها، واذا صارت مسخّرة للشّيطان كان الجزاء بالعكس، وايضاً اذا صار الانسان متمكّناً فى اتّباع الابرار صار محبوباً لله بمنطوق فاتّبعونى يحببكم الله واذا صار محبوباً لله صار كلّ اعماله محبوبةً سيئّها وحسنها كأحسنها فيجزى الكلّ بمثل أحسنها، واذا صار مبغوضاً صار كلّ اعماله مبغوضة مثل اقبحها فيجزى بأسوء الّذى كان يعمل من اوّل عمره، وقد حقّقنا فى موضع آخر انّ اسماء الاشياء اسماء لفعليّاتها الاخيرة واحكامها ايضاً جارية على فعليّاتها الاخيرة فمن كان فعليّته الاخيرة فعليّة الولاية كان جزاء جميع فعليّاته جزاء فعليّته الاخيرة وجارياً عليها.