التفاسير

< >
عرض

لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
٤٨
-التوبة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } قبل تلك الغزوة فى غزوة احدٍ وغيرها من الغزوات من تجبين اصحابك وتدبير الفرار وتسليمك الى اعدائك { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } امور الغزو بان دبّروا خلاف ما امرت ودبّرت { حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ } فى كلّ ما دبّروا وهو تأييدك ونصرتك على وفق ما أمرت ودبّرت { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } اعلم، انّ الحقّ المضاف هو المشيّة الّتى هى الحقّ المخلوق به وكلّ حقٍّ حقّ بالاتّصال به وكلّ باطلٍ باطل بالانصراف عنه، وانّ امر الله هو عالم المجرّدات الّذى ليس فيه الا امر الله لضعف الاثنينيّة بحيث لايتصوّر هناك امرٌ وآمرٌ ومأمورٌ وايتمارٌ، وكلّ من كان من افراد البشر متّصلاً بهذا العالم متّحداً به فهو ايضاً امر الله وكلّ ما صدر منه من هذه الحيثيّة فهو ايضاً امر الله، ولمّا كان خليفة الله نبيّاً كان ام وليّاً ذا وجهين، وجهٍ الى الله وبه يأخذ من الله، ووجهٍ الى الخلق وبه يوصل ما يأخذ من الله الى الخلق؛ ويعبّر عن وجهه الى الله بالحقّ والوحدة والولاية، وعن وجهه الى الخلق بالامر والكثرة والخلق والنّبوّة والرّسالة، والولاية بمعنى تدبير الخلق من جهة الباطن والخلافة بمعنى تدبيرهم من جهة الظّاهر فالولاية بالمعنى الاوّل روح الولاية بالمعنى الثّانى، وكذا روح النّبوّة والرّسالة والخلافة فالفرق بين الحقّ والامر كالفرق بين المطلق والمقيّد والرّوح والجسد والولاية والنّبوّة، فالحقّ هو الولاية فى العالم الكبير ومظهرها الاتمّ علىّ (ع) والامر النّبوّة ومظهرها الاتمّ محمّد (ص) والنّبوّة عالم يغلب عليها الولاية والاتّصال بالوحدة لم يظهر غلبتها فى العالم الكبير، فمجيء الحقّ يعنى غلبة الولاية على النّبوّة سبب لغلبة النّبوّة على الكثرات ولذا قدّم مجيء الحقّ، كما انّ اعانة علىّ (ع) ومجيئه فى الغزوات كان سبباً لغلبة محمّد (ص)، فالمعنى حتّى جاء الولاية وغلب الوحدة وظهر النّبوّة وغلبت { وَهُمْ } اى المقلّبون { كَارِهُونَ } توهين لهم وتسلية للرّسول (ص) والمؤمنين على تخلّفهم.