التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ
١٢
فَكُّ رَقَبَةٍ
١٣
-البلد

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ }.
شرح فى القوى الاربع للانسان
اعلم، انّ الانسان له قوىً اربع وكلّ من الاربع لها اعتدال وتوسّط بين الافراط والتّفريط فى الآثار، والتّوسّط والاعتدال منها ممدوح ومطلوب، والافراط والتّفريط مذموم وقبيح، والقوى الاربع هى العلاّمة والعمّالة والشّهويّة والغضبيّة، فالعلاّمة كسلطان البلد يأمر وينهى ويدبّر، والعمّالة كالوزير الّذى يمضى فى امر الملك، والشّهوية كالنّاظر الوكيل لخرج الجنود، والغضبيّة كامير الجنود، واعتدال العلاّمة بتمييزها بين الحقّ والباطل والمحقّ والمبطل والخير والشّرّ كما هى، ويسمّى ذلك التّميز بالحكمة العلميّة، ولمّا كان الحكمة العلميّة هى التّميز بين الذّوات والاقوال والافعال والاحوال والاخلاق والعلوم والوجدانات والخطرات والخيالات والمشاهدات والتفاتات القلب من حيث ارتباطها ورجوعها الى الآخرة، وكان فى ازديادها ازدياد كمال النّفس وفى نقصانها نقصانه لم يكن لها طرفا افراط وتفريط، بل كانت الجربزة الّتى عدوّها افراط القوّة العلاّمة النّفسانيّة تفريطاً وقصوراً للنّفس عن البلوغ الى درجة الحكمة، لانّ الجربزة هى التّصرّف بحسب العلم الوهمىّ فى الامور الدّنيويّة زائداً على ما ينبغى وليس ذلك الاّ من نقصان ادراك الامور الاخرويّة، فالجربزة والبلادة اللّتان عدّوهما طرفى افراط العلاّمة وتفريطها معدودان من قسم البلادة ولذلك فسّروا الاحمق والسّفيه بمن لا يعرف الحقّ سواء كان بحسب الدّنيا سفيهاً او لم يكن، مثل معاوية فانّه كان بحيث سمّاه اهل زمانه باعقل زمانه، ولاجل عدم طرف الافراط المذموم للحكمة قالوا: الرّذائل بحسب الامّهات سبع، والخصائل بحسب الامّهات اربع، واعتدال العمّالة بان تكون تحت حكم العاقلة العلاّمة وان تقدر على الاتيان بما يأمرها العاقلة ويسمّى بالعدل الّذى هو وضع كلّ شيءٍ فى محلّه ولا يمكن ذلك الاّ باستخدام الشّهويّة والغضبيّة، وطرفا افراطه وتفريطه يسمّيان بالظّلم والانظلام، واعتدال القوّة الشّهويّة ان تكون مطيعةً للعمّالة المنقادة للعاقلة العلاّمة ويسمّى اعتدالها بالعفّة، وطرفا افراطها وتفريطها يسمّيان بالشّره والخمود، واعتدال الغضبيّة يسمّى بالشّجاعة وطرفا افراطها وتفريطها يسمّيان بالتّهوّر والجبن، وقد يقال: انّ القوى الاربع فى الانسان هى البهيميّة والسّبعيّة والشّيطنة الّتى هى العلاّمة النّفسانيّة الوهميّة، والعاقلة الّتى هى العلاّمة العقلانيّة ويجعل العمّالة خادمة للقوى الاربع ويجعل العدل المتوسّط بين الظّلم والانظلام من شعب الشّجاعة، ويجعل الحكمة الّتى هى التّوسّط بين البلادة والجربزة من مقتضيات العلاّمة النّفسانيّة، ويجعل مقتضى العلاّمة العقلانيّة تعديل القوى الثّلاث وتعديل العمّالة بحيث لا يخرج شيءٌ منها من حكم العاقلة ويسمّى بالعدالة وتلك العدالة ليس لها طرفا افراطٍ وتفريطٍ بل لها التّفريط فقط وتفريطها هو قصور العاقلة عن تسخير القوى الثّلاث وهو ظلم من القوى وانظلام للعاقلة وكأنّه اراد العلاّمة النّفسانيّة من العمّالة من جعل العمّالة منشأً لبعض الخصال للتّلازم الواقع بينهما فقوله تعالى: فكّ رقبةٍ ان كان المراد به فكّ رقبة نفسه عن التّقيّد بقيود النّفس كان المراد به اصل الخصال وروحها الّذى يعبّر عنه بالفناء عن نسبة الافعال والصّفات الى نفسه بل عن نسبة الذّات الى نفسه ولذلك قدّمه على الجميع، وان كان المراد به فكّ رقاب النّاس عن رقّيّة انفسهم وعن النّار كان اشارة الى اشرف اقسام العدل، وان كان المراد به فكّ رقاب العبيد الصّوريّة عن الرّقبة كان اشارة الى اعلى اقسام السّخاوة الّتى هى اشرف انواع العفّة.