التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
تذكر السورة كفران الإِنسان لنعم ربه وحبه الشديد للخير عن علم منه به وهو حجة عليه وسيحاسب على ذلك.
والسورة مدنية بشهادة ما في صدرها من الإِقسام بمثل قوله: { والعاديات ضبحاً } الخ الظاهر في خيل الغزاة المجاهدين على ما سيجيء، وإنما شرّع الجهاد بعد الهجرة ويؤيد ذلك ما ورد من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن السورة نزلت في علي عليه السلام وسريته في غزوة ذات السلاسل، ويؤيده أيضاً بعض الروايات من طرق أهل السنة على ما سنشير إليه في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
قوله تعالى: { والعاديات ضبحاً } العاديات من العدو وهو الجري بسرعة والضبح صوت أنفاس الخيل عند عدوها وهو المعهود المعروف من الخيل وإن ادعي أنه يعرض لكثير من الحيوان غيرها، والمعنى أُقسم بالخيل اللاتي يعدون يضبحن ضبحاً.
وقيل: المراد بها إبل الحاج في ارتفاعها بركبانها من الجمع إلى منى يوم النحر، وقيل: إبل الغزاة، وما في الآيات التالية من الصفات لا يلائم كون الإِبل هو المراد بالعاديات.
قوله تعالى: { فالموريات قدحاً } الإِيراء إخراج النار والقدح الضرب والصك المعروف يقال: قدح فأورى إذا أخرج النار بالقدح، والمراد بها الخيل تخرج النار بحوافرها إذا عدت على الحجارة والأرض المحصبة.
وقيل: المراد بالإِيراء مكر الرجال في الحرب، وقيل: إيقادهم النار، وقيل: الموريات ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وهي وجوه ظاهرة الضعف.
قوله تعالى: { فالمغيرات صبحاً } الإِغارة والغارة الهجوم على العدو بغتة بالخيل وهي صفة أصحاب الخيل ونسبتها إلى الخيل مجاز، والمعنى فاقسم بالخيل الهاجمات على العدو بغتة في وقت الصبح.
وقيل: المراد بها الآبال ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى والسنة أن لا ترتفع حتى تصبح، والإِغارة سرعة السير وهو خلاف ظاهر الإِغارة.
قوله تعالى: { فأثرن به نقعاً } أثرن من الإِثارة بمعنى تهييج الغبار ونحوه، والنقع الغبار، والمعنى فهيّجن بالعدو والإِغارة غباراً.
قيل: لا بأس بعطف { أثرن } وهو فعل على ما قبله وهو صفة لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل كأنه قيل: اقسم باللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن.
قوله تعالى: { فوسطن به جمعاً } وسط وتوسّط بمعنى، وضمير { به } للصبح والباء بمعنى في أو الضمير للنقع والباء للملابسة.
والمعنى: فصرن في وقت الصبح في وسط جمع والمراد به كتيبة العدو أو المعنى فتوسطن جمعاً ملابسين للنقع.
وقيل: المراد توسط الآبال جمع منى وأنت خبير بأن حمل الآيات الخمس بما لمفرداتها من ظواهر المعاني على إبل الحاج الذين يفيضون من جمع إلى منى خلاف ظاهرها جداً.
فالمتعين حملها على خيل الغزاة وسياق الآيات وخاصة قوله: { فالمغيرات صبحاً } { فوسطن به جمعاً } يعطي أنها غزاة بعينها أقسم الله فيها بخيل المجاهدين العاديات والفاء في الآيات الأربع تدل على ترتب كل منها على ما قبلها.
قوله تعالى: { إن الإِنسان لربه لكنود } الكنود الكفور، والآية كقوله:
{ إن الإنسان لكفور } [الحج: 66]، وهو إخبار عمَّا في طبع الانسان من اتباع الهوى والانكباب على عرض الدنيا والانقطاع به عن شكر ربه على ما أنعم عليه.
وفيه تعريض للقوم المغار عليهم، وكأن المراد بكفرانهم كفرانهم بنعمة الإِسلام التي أنعم الله بها عليهم وهي أعظم نعمة أُوتوها فيها طيب حياتهم الدنيا وسعادة حياتهم الأبدية الأُخرى.
قوله تعالى: { وإنه على ذلك لشهيد } ظاهر اتساق الضمائر أن يكون ضمير { وإنه } للإِنسان فيكون المراد بكونه شهيداً على كفران نفسه بكفران نفسه علمه المذموم وتحمله له.
فالمعنى وإن الانسان على كفرانه بربه شاهد متحمل فالآية في معنى قوله:
{ بل الإِنسان على نفسه بصيرة } [القيامة: 14]. وقيل: الضمير لله واتساق الضمائر لا يلائمه.
قوله تعالى: { وإنه لحبّ الخير لشديد } قيل: اللام في { لحب الخير } للتعليل والخير المال، والمعنى وإن الإِنسان لأجل حب المال لشديد أي بخيل شحيح، وقيل: المراد أن الانسان لشديد الحب للمال ويدعوه ذلك الى الامتناع من إعطاء حق الله، والإِنفاق في الله. كذا فسروا.
ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقه ويكون المراد أن حب الخير فطري للإِنسان ثم إنه يرى عرض الدنيا وزينتها خيراً فتنجذب إليه نفسه وينسيه ذلك ربه أن يشكره.
قوله تعالى: { أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور } إلى قوله { لخبير } البعثرة كالبحثرة البعث والنشر، وتحصيل ما في الصدور تمييز ما في باطن النفوس من صفة الإِيمان والكفر ورسم الحسنة والسيئة قال تعالى:
{ يوم تبلى السرائر } [الطارق: 9]، وقيل: هو إظهار ما أخفته الصدور لتجازى على السر كما تجازى على العلانية.
وقوله: { أفلا يعلم } الاستفهام فيه للانكار، ومفعول يعلم جملة قائمة مقام المفعولين يدل عليه المقام. ثم استؤنف فقيل: إذا بعثر ما في القبور الخ تأكيداً للانكار، والمراد بما في القبور الأبدان.
والمعنى - والله أعلم - أفلا يعلم الانسان أن لكنوده وكفرانه بربه تبعة ستلحقه ويجازى بها، إذا أخرج ما في القبور من الأبدان وحصل وميز ما في سرائر النفوس من الإِيمان والكفر والطاعة والمعصية إن ربهم بهم يومئذ لخبير فيجازيهم بما فيها.
(بحث روائي)
في المجمع، قيل: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريَّة إلى حي من كنانة فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون: قتلوا جميعاً فأخبر الله تعالى عنها بقوله: { والعاديات ضبحاً } عن مقاتل.
وقيل: نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام إلى ذات السلاسل فأوقع بهم وذلك بعد أن بعث عليهم مراراً غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل.
قال: وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد اسراؤهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل.
"ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها { والعاديات } فلما فرغ من صلاته قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم إن علياً ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبريل في هذه الليلة" فقدم علي عليه السلام بعد أيام بالغنائم والأسارى.