التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
٢
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
٣
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
٤
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
٥
-الفيل

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
فيها إشارة إلى قصة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكة لتخريب الكعبة المعظمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجِّيل فجعلهم كعصف مأكول، وهي من آيات الله الجلية التي لا سترة عليها، وقد أرَّخو بها وذكرها الجاهليون في أشعارهم، والسورة مكية.
قوله تعالى: { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، والاستفهام إنكاري، والمعنى ألم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: { ألم يجعل كيدهم في تضليل } المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام، والتضليل والإِضلال واحد، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالاً لا يهتدي إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم.
قوله تعالى: { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتي تتلوها عطف تفسير على قوله: { ألم يجعل كيدهم في تضليل }.
قوله تعالى: { ترميهم بحجارة من سجيل } أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجِّيل، وقد تقدم معنى السجِّيل في تفسير قصص قوم لوط.
قوله تعالى: { فجعلهم كعصف مأكول } العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أُكل حبه أو قشر الحب الذي أُكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجساداً بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، وقيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسّرت الآية ببعض وجوه أُخر لا يناسب الأدب القرآني.
(بحث روائي)
في المجمع: أجمعت الرواة على أن ملك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الأشرم وقيل: إن كنيته أبو يكسوم ونقل عن الواقدي أنه جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم ساق الكلام في قصة استيلائه على ملك اليمن إلى أن قال: ثم إنه بنى كعبة باليمن وجعل فيها قباباً من ذهب فأمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام، وإن رجلاً من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإِنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال: من اجترأ عليَّ بهذا؟ ونصرانيتي لأهدمنَّ ذلك البيت حتى لا يحجُّه حاج أبداً ودعا بالفيل وأذَّن قومه بالخروج ومن اتبعه من أهل اليمن، وكان أكثر من اتبعه منهم عكّ والأشعرون وخثعم.
قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلاً من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه أيضاً رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقاً وحث السير والانطلاق.
وطلب من أهل الطائف دليلاً فبعثوا معه رجلاً من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوه وهو من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء ولم يبق بمكه غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول:

لا همَّ إنَّّ المرء يمنع رحله فامنع جلالكلا يغلبـوا بصليبهم ومحالهم عدواً محالك
لا يدخلـــوا البلـد الحرام إذاً فأمر ما بدالك

ثم إن مقدمات أبرهه أصابت نعماً لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم، وكان حاجب أبرهة رجلاً من الأشعريين وكان له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك وقال له: أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم إنسها في الحي ووحشها في الجبل فقال له: ائذن له.
وكان عبد المطّلب رجلاً جسيماً جميلاً فلما رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته وكره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض وأجلس عبد المطلب معه ثم قال: ما حاجتك؟ قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك فقال أبو يكسوم: والله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال: ولم أيها الملك؟ قال: لأني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم من العرب وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ودينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره وأُصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك ولم تطلب إليَّ في بيتكم.
فقال له عبد المطلب: أيها الملك أنا أُكلمك في مالي ولهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شيء فراع ذلك أبو يكسوم وأمر بردّ إبل عبد المطلب عليه ثم رجع وأمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاماً لاقترابها منهم فأحست نفوسهم بالعذاب.
إلى أن قال: حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم، وكل طائر في منقاره حجر وفي رجليه حجران وإذا رمت بذلك مضت وطلعت أُخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ولا عظم إلا أوهاه وثقبه، وثاب أبو يكسوم راجعاً قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضاً انقطع له فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شيء إلا باده فلما قدمها تصدَّع صدره وانشق بطنه فهلك ولم يصب من الأشعريين وخثعم أحد، الحديث.
أقول: وفي الروايات اختلاف شديد في خصوصيات القصة من أراد الوقوف عليها فعليه بمطولات السير والتواريخ.