التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
٣
-النصر

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
وعد له صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر والفتح وأنه سيرى الناس يدخلون في الإِسلام فوجاً بعد فوج وأمره بالتسبيح حينئذ والتحميد والاستغفار، والسورة مدنية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة على ما سنستظهر.
قوله تعالى: { إذا جاء نصر الله والفتح } ظهور { إذا } المصدَّرة بها الآية في الاستقبال يستدعي أن يكون مضمون الآية إخباراً بتحقق أمر لم يتحقق بعد، وإذا كان المخبر به هو النصر والفتح وذلك مما تقر به عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو وعد جميل وبشرى له صلى الله عليه وآله وسلم ويكون من ملاحم القرآن الكريم.
وليس المراد بالنصر والفتح جنسهما حتى يصدقا على جميع المواقف التي أيد الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على أعدائه وأظهر دينه على دينهم كما في حروبه ومغازيه وإيمان الأنصار وأهل اليمن كما قيل إذ لا يلائمه قوله بعد: { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً }.
وليس المراد بذلك أيضاً صلح الحديبية الذي سمَّاه الله تعالى فتحاً إذ قال
{ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } [الفتح: 1] - لعدم انطباق الآية الثانية بمضمونها عليه.
وأوضح ما يقبل الانطباق عليه النصر والفتح المذكوران في الآية هو فتح مكة الذي هو أُم فتوحاته صلى الله عليه وآله وسلم في زمن حياته والنصر الباهر الذي انهدم به بنيان الشرك في جزيرة العرب.
ويؤيده وعد النصر الذي في الآيات النازلة في الحديبية
{ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً } [الفتح: 2-3] فإن من القريب جداً أن يكون ما في الآيات وعداً بنصر عزيز يرتبط بفتح الحديبية وهو نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش حتى فتح مكة بعد مضي سنتين من فتح الحديبية.
وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الإِسلام من غير قتال، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش وفتح مكة، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة.
قوله تعالى: { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } قال الراغب: الفوج الجماعة المارة المسرعة، وجمعه أفواج. انتهى. فمعنى دخول الناس في دين الله أفواجاً دخولهم فيه جماعة بعد جماعة، والمراد بدين الله الإِسلام قال تعالى:
{ إن الدين عند الله الإِسلام } [آل عمران: 19]. قوله تعالى: { فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } لما كان هذا النصر والفتح إذلالاً منه تعالى للشرك وإعزازاً للتوحيد وبعبارة أُخرى إبطالاً للباطل وإحقاقاً للحق ناسب من الجهة الأُولى تنزيهه تعالى وتسبيحه، وناسب من الجهة الثانية - التي هي نعمة - الثناء عليه تعالى وحمده فلذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: { فسبّح بحمد ربك }.
وها هنا وجه آخر يوجه به الأمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار جميعاً وهو أن للرب تعالى على عبده أن يذكره بصفات كماله ويذكر نفسه بما له من النقص والحاجة ولما كان في هذا الفتح فراغه صلى الله عليه وآله وسلم من جل ما كان عليه من السعي في إماطة الباطل وقطع دابر الفساد أمر أن يذكره عند ذلك بجلاله وهو التسبيح وجماله وهو التحميد وأن يذكره بنقص نفسه وحاجته إلى ربه وهو طلب المغفرة ومعناه فيه صلى الله عليه وآله وسلم - وهو مغفور - سؤال إدامة المغفرة فإن الحاجة إلى المغفرة بقاء كالحاجة إليها حدوثاً فافهم ذلك، وبذلك يتم شكره لربه تعالى وقد تقدم كلام في معنى مغفرة الذنب في الأبحاث السابقة.
وقوله: { إنه كان تواباً } تعليل للأمر بالاستغفار لا يخلو من تشويق وتأكيد.
(بحث روائي)
في المجمع عن مقاتل:
"لما نزلت هذه السورة قرأها صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما يبكيك يا عم؟ قال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال: إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤي بعدها ضاحكاً مستبشراً" .
أقول: وروي هذا المعنى في عدة روايات بألفاظ مختلفة وقيل في وجه دلالتها أن سياقها يلوّح إلى فراغه صلى الله عليه وآله وسلم مما عليه من السعي والمجاهدة وتمام أمره، وعند الكمال يرقب الزوال.
وفيه عن أُم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال: إني أُمرت بها ثم قرأ { إذا جاء نصر الله والفتح }.
أقول: وفي هذا المعنى غير واحد من الروايات مع اختلاف ما فيما كان يقوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي العيون بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: قال الرضا عليه السلام سمعت أبي يحدّث عن أبيه عليهما السلام أن أول سورة نزلت "بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك" وآخر سورة نزلت { إذا جاء نصر الله }.
أقول: لعل المراد به أنها آخر سورة نزلت تامة كما قيل.
وفي المجمع في قصة فتح مكة: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخلت بنو بكر في عقد قريش، وكان بين القبيلتين شر قديم.
ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً، وكان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو.
فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم وقال:

لا هـــم إني ناشد محمـداً حلـــــف أبينا وأبيه الأتلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضــــوا ميثاقك المؤكدا
وقتلونا ركعاً وسجداً

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة وقال: اسكبي لي ماء فجعل يغتسل وهو يقول: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب وهم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بما أُصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة وسيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان وقد بعثته قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليشدد العقد.
فلما لقي أبو سفيان بديلاً قال: من أين أقبلت يا بديل قال: سرت في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي قال: ما أتيت محمداً؟ قال: لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته وأخذ من بعرها ففتَّه فرأى فيها النوى فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً.
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد احقن دماء قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة فقال: أغدرتم يا أبا سفيان؟ قال: لا فقال: فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال: أجربين قريش قال: ويحك وأحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أُم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني؟ فقالت: نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك.
ثم خرج فدخل على فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس؟ فقالت: جواري جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟ قالت: والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس وما يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأُمور قد اشتدت علي فانصحني فقال علي عليه السلام: إنك شيخ قريش فقم على باب المسجد واجربين قريش ثم الحق بأرضك قال: وترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال: لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال: يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق.
فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ فأخبرهم بالقصة فقالوا: والله إن زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت؟ قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.
قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاز لحرب مكة وامر الناس بالتهيئة وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من السماء فبعث علياً عليه السلام والزبير حتى اخذا كتابه من المرأه وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة.
ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذر الغفاري وخرج عامداً إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين ونحو من أربعمائة فارس ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أُمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أُم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهتك عرضي، واما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع ابي سفيان بنيّ له قال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بنيّ هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رق لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما.
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران وقد غمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وقد قال العباس ليلتئذ: يا سوء صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى خطَّاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيأتونه فيستأمنونه.
قال العباس فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قط نيراناً فقال بديل: هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم قال: لبيك فداك أبي وأُمي ما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين.
قال: فما تأمرني؟ قلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: هذا عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر: يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء.
فدخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلاً يا عمر فوالله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال: مهلاً يا عباس لإِسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فقد آمناه حتى تغدو به عليَّ في الغداة.
قال: فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أُحد فقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمي أما هذه فإن في النفس منها شيئاً قال العباس: فقلت له: ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم للعباس: انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى يمر عليه جنود الله قال: فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي ومرت عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول: من هؤلاء؟ وأقول: أسلم وجهينة وفلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار فقال: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقلت: ويحك إنها النبوة فقال: نعم إذاً.
وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإِسلام وقال: من دخل دار أبي سفيان وهي بأعلى مكة فهو آمن، ومن دخل دار حكيم وهي بأسفل مكة فهو آمن، ومن أغلق بابه وكفَّ يده فهو آمن.
ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير بن العوّام وأمره على خيل المهاجرين وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال له: لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وضربت هناك خيمته، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته، وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت.
وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحويرث بن نفيل وابن خطل ومقبس بن ضبابة وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي عليه السلام الحويرث بن نفيل وإحدى القينتين وأفلتت الأُخرى، وقتل مقبس بن ضبابة في السوق، وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله.
قال: وسعى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ غرزه أي ركابه فقبله ثم قال: بأبي أنت وأُمي أما تسمع ما يقول سعد إنه يقول:

اليوم يـــوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة

فقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أدركه وخذ الراية منه وكن أنت الذي يدخل بها وأدخلها إدخالاً رفيقاً فأخذها علي عليه السلام وأدخلها كما أمر. "ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووقف قائماً على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مال أو مأثرة ودم يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد.
ثم قال: ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم, وآذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنما أُنشروا من القبور ودخلوا في الإِسلام"
، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئاً فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء.
وجاء ابن الزبعري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وقال:

يا رســـول الإِله إن لسانـي راتــــق مـا فتقـت إذ أنا بور
إذ أُباري الشيطان في سنن الغي ومــــن مال ميله مثبور
آمن اللحـــم والعظــــام لربي ثم نفســــي الشهيد أنت النذير

قال: وعن ابن مسعود قال: "دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: { جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً }" .
وعن ابن عباس قال: "لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فامر بها فاخرجت وصورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط" .
أقول: والروايات حول قصة الفتح كثيرة من أراد استقصاءها فعليه بكتب السير وجوامع الأخبار وما تقدم كالملخص منها.