التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً
٨١
كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً
٨٢
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً
٨٣
فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً
٨٤
يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً
٨٥
وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً
٨٦
لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً
٨٧
وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً
٨٨
لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً
٨٩
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً
٩٠
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً
٩١
وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً
٩٢
إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً
٩٣
لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً
٩٤
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً
٩٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً
٩٦
-مريم

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
هذا هو الفصل الثالث مما نقل عنهم وهو شركهم بالله باتخاذ الآلهة وقولهم: { اتخذ الله ولداً } سبحانه والجواب عن ذلك.
قوله تعالى: { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عِزّاً } هؤلاء الآلهة هم الملائكة والجنّ والقدِّيسون من الإِنس وجبابرة الملوك فإن أكثرهم كانوا يرون الملك قداسة سماوية.
ومعنى كونهم لهم عزاً كونهم شفعاء لهم يقرّبونهم إلى الله بالشفاعة فينالون بذلك العزة في الدنيا ينجرُّ إليهم الخير ولا يمسّهم الشر، ومن فسّر كونهم لهم عزاً بشفاعتهم لهم في الآخرة خفي عليه أن المشركين لا يقولون بالبعث.
قوله تعالى: { كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً } الضد بحسب اللغة المنافي الذي لا يجتمع مع الشيء، وعن الأخفش أن الضد يطلق على الواحد والجمع كالرسول والعدو وأنكر ذلك بعضهم ووجه إطلاق الضد في الآية وهو مفرد على الآلهة وهي جمع بأنها لما كانت متفقة في عداوة هؤلاء والكفر بعبادتهم كانت في حكم الواحد وصح بذلك إطلاق المفرد عليها.
وظاهر السياق أن ضميري { سيكفرون } و { يكونون } للآلهة وضميري { بعبادتهم } و { عليهم } للمشركين المتخذين للآلهة والمعنى: سيكفر الآلهة بعبادة هؤلاء المشركين ويكون الآلهة حال كونهم على المشركين لا لهم، ضداً لهم يعادونهم ولو كانوا لهم عزاً لثبتوا على ذلك دائماً وقد وقع ذلك في قوله تعالى:
{ { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } [النحل: 86]. وأوضح منه قوله: { { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم } [فاطر: 13-14]. وربما احتمل أن يكون بالعكس من ذلك أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة ويكونون على الآلهة ضداً كما في قوله: { { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } [الأنعام: 23]، ويبعّده أن ظاهر السياق أن يكون { ضداً } وقد قوبل به { عزاً } في الآية السابقة، وصفاً للآلهة دون المشركين ولازم ذلك أن يكون الآلهة الذين هم الضد هم الكافرين بعبادة المشركين نظراً إلى خصوص ترتب الضمائر.
على أن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: سيكفرون بهم على حد ما يقال: كفر بالله، ولا يقال: كفر بعبادة الله.
والمراد بكفر الآلهة يوم القيامة بعبادتهم وكونهم عليهم ضداً هو ظهور حقيقة الأمر يومئذ فإن شأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه لأهل الجمع لا حدوثها ولو لم تكن الآلهة كافرين بعبادتهم في الدنيا ولا عليهم ضداً بل بدا لهم ذلك يوم القيامة لم تتم حجة الآية فافهم ذلك، وعلى هذا المعنى يترتب قوله: { ألم ترَ } على قوله { كلا سيكفرون بعبادتهم } الخ.
قوله تعالى: { ألم ترَ أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزاً } الأز والهز بمعنى واحد وهو التحريك بشدة وإزعاج والمراد تهييج الشياطين إياهم إلى الشر والفساد وتحريضهم على اتباع الباطل وإضلالهم بالتزلزل عن الثبات والاستقامة على الحق.
ولا ضير في نسبة إرسال الشياطين إليه تعالى بعد ما كان على طريق المجازاة فإنهم كفروا بالحق فجازاهم الله بزيادة الكفر والضلال ويشهد بذلك قوله: { على الكافرين } ولو كان إضلالاً ابتدائياً لقيل: { عليهم } من غير أن يوضع الظاهر موضع المضمر.
والآية وهي مصدرة بقوله: { ألم تر } المفيد معنى الاستشهاد مسوقة لتأييد ما ذكر في الآية السابقة من كون آلهتهم عليهم ضداً، فإن تهييج الشياطين إياهم للشر والفساد واتباع الباطل معاداة وضدية والشياطين وهم من الجنّ من جملة آلهتهم ولو لم يكن هؤلاء الآلهة عليهم ضداً ما دعوهم إلى ما فيه هلاكهم وشقاؤهم.
فالآية بمنزلة أن يقال: هؤلاء الآلهة الذين يحسبونهم لأنفسهم عزاً هم عليهم ضد وتصديق ذلك أن الشياطين وهم من آلهتهم يحركونهم بإزعاج نحو ما فيه شقاؤهم وليسوا مع ذلك مطلقي العنان بل إنما هو بإذن من الله يسمى إرسالاً وعلى هذا فالآية متصلة بسابقتها وهو ظاهر.
وجعل صاحب روح المعاني هذه الآية مترتبة على مجموع الآيات من قوله: { ويقول الإِنسان ءَإذا ما متُّ لسوف أُخرج حياً } إلى قوله: { ويكونون عليهم ضداً } ومتصلة به وأطنب في بيان كيفية الاتصال بما لا يجدي نفعاً وأفسد بذلك سياق الآيات واتصال ما بعد هذه الآية بما قبلها.
قوله تعالى: { فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدّاً } العد هو الإِحصاء والعد يفني المعدود وينفده وبهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم والانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحداً بعد آخر حتى تنتهي وهو اليوم الموعود عليهم.
وإذ كان مدة بقاء الإِنسان هي مدة بلائه وامتحانه كما ينبئ عنه قوله:
{ { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } [الكهف: 7] كان العد بالحقيقة عداً للأعمال المثبتة في صحيفة العمر، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة ويستقصى للإِنسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أو نقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقة جسمه كذلك مكث الإِنسان في الدنيا لأن يتم به خلقة نفسه وأن يعد الله ما قدر له من العطية ويستقصيه.
وعلى هذا فلا ينبغي للإِنسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لأن مدة بقائه مدة عدّ سيئاته ليحاسب عليها ويعذب بها ولا لمؤمن صالح لأن مدة بقائه مدة عدّ حسناته ليثاب بها ويتنعم والآية لا تقيد العد وإن فهم من ظاهرها في بادئ النظر عد الأنفاس أو الأيام.
وكيف كان فقوله: { فلا تعجل عليهم } تفريع على ما تقدم، وقوله: { إنما نعدّ } تعليل له وهو في الحقيقة علة التأخير ومحصّل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الآلهة وكانوا هم وآلهتهم منتهين الينا غير خارجين من سلطاننا ولا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أو بالقضاء ولا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعدّ لهم أنفاسهم أو أعمالهم عداً.
قوله تعالى: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } الوفد هم القوم الواردون لزيارة أو استنجاز حاجة أو نحو ذلك ولا يسمّون وفداً إلا إذا كانوا ركباناً وهو جمع واحده وافد.
وربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية { إلى الرحمن } قوله في الآية التالية { إلى جهنم } أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة وإنما سمّي حشراً إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه. ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } فسّر الورد بالعطاش وكأنه مأخوذ من ورود الماء أي قصده ليشرب ولا يكون ذلك إلا عن عطش فجعل بذلك الورد كناية عن العطاش، وفي تعليق السوق إلى جهنم بوصف الإِجرام إشعار بالعلية ونظيره تعليق الحشر إلى الرحمن في الآية السابقة بوصف التقوى. ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } وهذا جواب ثان عن اتخاذهم الآلهة للشفاعة وهو أن ليس كل من يهوى الإِنسان شفاعته فاتخذه إلهاً ليشفع له يكون شفيعاً بل إنما يملك الشفاعة بعهد من الله ولا عهد إلا لآحاد من مقرّبي حضرته، قال تعالى:
{ { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } [الزخرف: 86] وقيل: المراد إن المشفع لهم لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً والعهد هو الإِيمان بالله والتصديق بالنبوة، وقيل: وعده تعالى له بالشفاعة كما في الأنبياء والأئمة والمؤمنين والملائكة على ما في الأخبار، وقيل: هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن يتبرّأ من الحول والقوة وأن لا يرجو إلا الله، والوجه الأول هو الأوجه وهو بالسياق أنسب.
قوله تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } من قول الوثنيين وبعض خاصتهم، وإن قال ببنوَّة الآلهة أو بعضهم لله سبحانه تشريفاً أو تجليلاً لكن عامتهم وبعض خاصتهم - في مقام التعليم - قال بذلك تحقيقاً بمعنى الاشتقاق من حقيقة اللاهوت واشتمال الولد على جوهرة والده، وهذا هو المراد بالآية والدليل عليه التعبير بالولد دون الابن، وكذا ما في قوله: { إن كل من في السماوات والأرض } إلى تمام ثلاث آيات من الاحتجاج على نفيه.
قوله تعالى: { لقد جئتم شيئاً إدّاً } إلى تمام ثلاث آيات، الإِد بكسر الهمزة: الشيء المنكر الفظيع، والتفطُّر الانشقاق، والخرور السقوط، والهدّ الهدم.
والآيات في مقام إعظام الذنب وإكبار تبعته بتمثيله بالمحسوس يقول: لقد أتيتم بقولكم هذا أمراً منكراً فظيعاً تكاد السماوات يتفطرن وينشققن منه وتنشقُّ الأرض وتسقط الجبال على السهل سقوط انهدام أن دعوا للرحمن ولداً.
قوله تعالى: { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً } إلى تمام أربع آيات. المراد بإتيان كل منهم عبداً له توجّه الكل إليه ومثوله بين يديه في صفة المملوكية المحضة فكل منهم مملوك له لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً وذلك أمر بالفعل ملازم له ما دام موجوداً، ولذا لم يقيّد الإِتيان في الآية بالقيامة بخلاف ما في الآية الرابعة.
والمراد بإحصائهم وعدِّهم تثبيت العبودية لهم فإن العبيد إنما تتعين لهم أرزاقهم وتتبين وظائفهم والأُمور التي يستعملون فيها بعد الإِحصاء وعدّهم وثبتهم في ديوان العبيد وبه تسجل عليهم العبودية.
والمراد بإتيانه له يوم القيامة فرداً إتيانه يومئذ صفر الكف لا يملك شيئاً مما كان يملكه بحسب ظاهر النظر في الدنيا وكان يقال: إن له حولاً وقوة ومالاً وولداً وأنصاراً ووسائل وأسباباً إلى غير ذلك فيظهر يومئذ إذ تتقطع بهم الأسباب أنه فرد ليس معه شيء يملكه وأنه كان عبداً بحقيقة معنى العبودية لم يملك قط ولن يملك أبداً فشأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه.
ويظهر بما تقدم أن الذي تتضمنه الآيات من الحجة على نفي الولد حجة واحدة ومحصلها أن كل من في السماوات والأرض عبد الله مطيع له في عبوديته ليس له من الوجود وآثار الوجود إلا ما آتاه الله فأخذه هو ممتثلاً لأمره تابعاً لإِرادته من غير أن يملك من ذلك شيئاً، وليس من عبوديتها هذا فحسب بل الله أحصاهم وعدهم فسجل عليهم العبودية وأثبت كلا في موضعه وسخّره مستعملاً له فيما يريده منه فكان شاهداً لعبوديته، وليس هذا المقدار فحسب بل سيأتيه كل منهم فرداً لا يملك شيئاً ولا يصاحبه شيء ويظهر بذلك حقيقة عبوديتهم للكل فيشهدون ذلك وإذا كان هذا حال كل من في السماوات والأرض فكيف يمكن أن يكون بعضهم ولداً لله واجداً لحقيقة اللاهوت مشتقاً من جوهرتها، وكيف تجتمع الألوهية والفقر؟.
وأما انتهاء وجود الأشياء إليه تعالى وحده كما تضمنته الآية الأولى فمما لا يرتاب فيه مثبتو الصانع سواء في ذلك الموحدون والمشركون وإنما الاختلاف في كثرة المعبود ووحدته وكثرة الربّ بمعنى المدبّر ولو بالتفويض وعدمها.
قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } الود والمودة المحبة وفي الآية وعد جميل منه تعالى أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات مودة في القلوب ولم يقيده بما بينهم أنفسهم ولا بغيرهم ولا بدنياً ولا بآخرة أو جنة فلا موجب لتقييد بعضهم ذلك بالجنة وآخرين بقلوب الناس في الدنيا إلى غير ذلك.
وقد ورد في أسباب النزول من طرق الشيعة وأهل السنة أن الآية نزلت في علي عليه السلام، وفي بعضها ما ورد من طرق أهل السنة أنها نزلت في مهاجري الحبشة وفي بعضها غير ذلك وسيجيء في البحث الروائي الآتي.
وعلى أي حال فعموم لفظ الآية في محله، والظاهر أن الآية متصلة بقوله السابق: { سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً }.
(بحث روائي)
في تفسير القمي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: في قوله { كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّاً } يوم القيامة أي يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضداً يوم القيامة ويتبرأون منهم ومن عبادتهم إلى يوم القيامة.
وفي الكافي باسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل: { إنما نعدّ لهم عداً } قال: ما هو عندك؟ قلت: عد الأيام قال الآباء والأُمهات يحصون ذلك ولكنه عدد الأنفاس.
وفي نهج البلاغة من كلامه عليه السلام: نفَس المرء خطاه إلى أجله.
وفيه قال عليه السلام: كل معدود متنقص وكل متوقع آت.
وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله: { إنما نعدّ لهم عدّاً } قال: كل شيء حتى النفس.
أقول: وهي أشمل الروايات ولا يبعد أن يستفاد منها أن ذكر النفس في الروايات من قبيل ذكر المثال.
وفي محاسن البرقي بإسناده عن حمّاد بن عثمان وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال: يحشرون على النجائب.
وفي تفسير القميّ بإسناده عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تفسير قوله عز وجل: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال:
"يا علي الوفد لا يكون إلا ركباناً أُولئك رجال اتقوا الله عز وجل فأحبهم وأختصهم ورضي أعمالهم فسماهم الله متقين" الحديث.
أقول: ثم روى القميّ حديثاً آخر طويلاً يذكر صلى الله عليه وآله وسلم فيه تفصيل خروجهم من قبورهم وركوبهم من نوق الجنة ووفودهم إلى الجنة ودخولهم فيها وتنعمهم بما رزقوا من نعمها.
وفي الدر المنثور عن ابن مردويه عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال:
"أما والله ما يحشرون على أقدامهم ولا يساقون سوقاً ولكنهم يؤتون بنوق من الجنة لم تنظر الخلائق إلى مثلها رحالها الذهب وأزمتها الزبرجد فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة"
]. أقول: وروى أيضاً هذا المعنى عن ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل يصف فيه ركوبهم ووفودهم ودخولهم الجنة. واستقرارهم فيها وتنعمهم من نعمها. ورواه فيه عن عدة من أرباب الجوامع عن علي عليه السلام.
وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت قوله: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال: إلا من دان بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده فهو العهد عند الله.
أقول: ورُوي في الدر المنثور عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"أن من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرّني ومن سرني فقد اتخذ عند الله عهداً" الحديث، وروى عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أن المحافظة على العهد هو المحافظة على الصلوات الخمس" ، وهنا روايات أُخر من طرق الخاصة والعامة قريبة مما أوردناه ويستفاد من مجموعها أن العهد المأخوذ عند الله اعتقاد حق أو عمل صالح ينجي المؤمن يوم القيامة وأن ما ورد في الروايات من قبيل المصاديق المتفرقة.
وأعلم أيضاً أن الروايات السابقة مبنيّة على كون المراد ممن يملك الشفاعة في الآية هو الذي ينال الشفاعة أو الأعم من الشفعاء والمشفوع لهم، وأما لو كان المراد هم الشفعاء فالأخبار أجنبية منها.
وفي تفسير القميّ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: قوله عز وجل: { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } قال: هذا حيث قالت قريش: إن لله عز وجل ولداً وأن الملائكة إناث فقال الله تبارك وتعالى رداً عليهم { لقد جئتم شيئاً إدّاً } أي عظيماً { تكاد السماوات يتفطرن منه } يعني مما قالوه ومما رموه به { وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً } مما قالوه ومما رموه به { أن دعوا للرحمن ولداً } فقال الله تبارك وتعالى { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عدّاً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } واحداً واحداً.
وفي تفسير القمي بإسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قلت: قوله عز وجل { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } قال: ولاية أمير المؤمنين هي الود الذي ذكره الله.
أقول: ورواه في الكافي بإسناده عن أبي بصير عنه عليه السلام.
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه والديلمي عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي قل:
"اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي عندك ودّاً واجعل لي في صدور المؤمنين مودة" ، فأنزل الله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } قال: فنزلت في عليّ.
وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } قال: محبة في قلوب المؤمنين.
وفي المجمع في الآية: قيل فيه أقوال: أحدها أنها خاصة في علي فما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لعلي عليه السلام. عن ابن عباس وفي تفسير أبي حمزه الثمالي: حدثني أبو جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: قل:
"اللهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً" ، فقالهما فنزلت هذه الآية وروى نحوه عن جابر بن عبد الله.
أقول: قال في روح المعاني: الظاهر أن الآية على هذا مدنيّة، وأنت خبير بأن لا دلالة في شيء من الأحاديث على وقوع القصة في المدينة أصلاً.
وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأُميّه بن خلف فأنزل الله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً }.
أقول: صريح الحديث كون الآية مدنية ويدفعه اتفاق الكل على كون السورة بجميع آياتها مكية وقد تقدم في أول السورة.
وفيه أخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه عن علي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله: { سيجعل لهم الرحمن وداً } ما هو؟ قال:
"المحبة في قلوب المؤمنين والملائكة المقرّبين، يا علي إن الله أعطى المؤمن ثلاثاً: المقة والمحبة والحلاوة والمهابة في صدور الصالحين"
]. أقول: المقة المحبة وفي معناه بعض روايات أُخر من طرق أهل السنة مبنية على عموم لفظ الآية وهو لا ينافي خصوص مورد النزول.