التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١٧
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
١٨
هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ
١٩
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ
٢٠
وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ
٢١
كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٢٢
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٢٣
وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ
٢٤
-الحج

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
بعد ما ذكر في الآيات السابقة اختلاف الناس واختصامهم في الله سبحانه بين تابع ضال يجادل في الله بغير علم، ومتبوع مضل يجادل في الله بغير علم، ومذبذب يعبد الله على حرف، والذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات، ذكر في هذه الآيات أن الله شهيد عليهم وسيفصل بينهم يوم القيامة وهم خاضعون مقهورون له ساجدون قبال عظمته وكبريائه حقيقة وإن كان بعضهم يأبى عن السجود له ظاهراً وهم الذين حق عليهم العذاب. ثم ذكر أجر المؤمنين وجزاء غيرهم بعد فصل القضاء يوم القيامة.
قوله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } الخ. المراد بالذين آمنوا بقرينة المقابلة هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتابهم القرآن.
والذين هادوا هم المؤمنين بموسى من قبله من الرسل الواقفون فيه وكتابهم التوراة وقد أحرقها بخت نصر ملك بابل حينما استولى عليهم في أواسط القرن السابع قبل المسيح فافتقدوها برهة ثم جدد كتابتها لهم عزراء الكاهن في أوائل القرن السادس قبل المسيح حينما فتح كوروش ملك إيران بابل وتخلص بنو إسرائيل من الأسارة ورجعوا إلى الأرض المقدسة.
والصابئون ليس المراد بهم عبدة الكواكب من الوثنية بدليل ما في الآية من المقابلة بينهم وبين الذين أشركوا بل هم - على ما قيل - قوم متوسطون بين اليهودية والمجوسية ولهم كتاب ينسبونه إلى يحيى بن زكريا النبي ويسمى الواحد منهم اليوم عند العامة (صبي) وقد تقدم لهم ذكر في ذيل قوله:
{ { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين } [البقرة: 62]. والنصارى هم المؤمنون بالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ومن قبله من الأنبياء وكتبهم المقدسة الأناجيل الأربعة للوقا ومرقس ومتى ويوحنا وكتب العهد القديم على ما اعتبرته وقدسته الكنيسة لكن القرآن يذكر أن كتابهم الإِنجيل النازل على عيسى عليه السلام.
والمجوس المعروف أنهم المؤمنون بزرتشت وكتابهم المقدس (أوستا) غير أن تاريخ حياته وزمان ظهوره مبهم جداً كالمنقطع خبره وقد افتقدوا الكتاب باستيلاء اسكندر على إيران ثم جددت كتابته في زمن ملوك ساسان فأشكل بذلك الحصول على حاق مذهبهم. والمسلم أنهم يثبتون لتدبير العالم مبدأين مبدء الخير ومبدء الشر - يزدان وأهريمن أو النور والظلمة - ويقدسون الملائكة ويتقربون إليهم من غير أن يتخذوا لهم أصناماً كالوثنية، ويقدسون البسائط العنصرية وخاصة النار وكانت لهم بيوت نيران بإيران والصين والهند وغيرها وينهون الجميع إلى "اهورا مزدا" موجد الكل.
والذين أشركوا هم الوثنية عبدة الأصنام، وأُصول مذاهبهم ثلاثة: الوثنية الصابئة والبرهمانية، والبوذية، وقد كان هناك أقوام آخرون يعبدون من الأصنام ما شاءوا كما شاءوا من غير أن يبنوه على أصل منظم كعرب الحجاز وطوائف في أطراف المعمورة وقد تقدم تفصيل القول فيهم في الجزء العاشر من الكتاب.
وقوله: { إن ربك يفصل بينهم يوم القيامة } المراد به فصل القضاء فيما اختلف فيه أصحاب هذه المذاهب واختصموا فينفصل المحق منهم ويتميز من المبطل انفصالاً وتميزاً لا يستره ساتر ولا يحجبه حاجب.
وتكرار إن في الآية للتأكيد دعى إلى ذلك طول الفصل بين { إن } في صدر الآية وبين خبرها ونظيره ما في قوله:
{ { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [النحل: 110] وقوله: { { ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [النحل: 119]. وقوله: { إن الله على كل شيء شهيد } تعليل للفصل أنه فصل بالحق.
قوله تعالى: { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } إلى آخر الآية، الظاهر أن الخطاب لكل من يرى ويصلح لأن يخاطب، والمراد بالرؤية العلم، ويمكن أن يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكون المراد بالرؤية الرؤية القلبية كما قال فيه:
{ { ما كذب الفؤاد ما رآى أفتمارونه على ما يرى } [النجم: 11-12]. وتعميم السجدة لمثل الشمس والقمر والنجوم والجبال من غير أُولى العقل دليل على أن المراد بها السجدة التكوينية وهي التذلل والصغار قبال عزته وكبريائه تعالى وتحت قهره وسلطنته، ولازمه أن يكون { من في الأرض } شاملاً لنوع الإِنسان من مؤمن وكافر إذ لا استثناء في السجدة التكوينية والتذلل الوجودي.
وعدم ذكر نفس السماوات والأرض في جملة الساجدين مع شمول الحكم لهما في الواقع يعطي أن معنى الكلام: أن المخلوقات العلوية والسفلية من ذي عقل وغير ذي عقل ساجده لله متذللـه في وجودها تجاه عزته وكبريائه، ولا تزال تسجد له تعالى سجوداً تكوينياً اضطرارياً.
وقوله: { وكثير من الناس } عطف على { من في السماوات } الخ. أي ويسجد له كثير من الناس، وإسناد السجود إلى كثير من الناس بعد شموله في الجملة السابقة لجميعهم دليل على أن المراد بهذا السجود نوع آخر من السجود غير السابق وإن كانا مشتركين في أصل معنى التذلل، وهذا النوع هو السجود التشريعي الاختياري بالخرور على الأرض تمثيلاً للسجود والتذلل التكويني الاضطراري وإظهاراً لمعنى العبودية.
وقوله: { وكثير حق عليه لعذاب } المقابلة بينه وبين سابقه تعطي أن معناه وكثير منهم يأبى عن السجود، وقد وضع موضعه ما هو أثره اللازم المترتب عليه وهو ثبوت العذاب على من استكبر على الله وأبى أن يخضع له تعالى، وإنما وضع ثبوت العذاب موضع الإِباء عن السجدة للدلالة على أنه هو عملهم يرد إليهم، وليكون تمهيداً لقوله تلواً: { ومن يهن الله فما له من مكرم } الدال على أن ثبوت العذاب لهم إثر إبائهم عن السجود هوان وخزي يتصل بهم ليس بعده كرامة وخير.
فإباؤهم عن السجود يستتبع بمشيئة الله تعالى ثبوت العذاب لهم وهو إهانة ليس بعده إكرام أبداً إذ الخير كله بيد الله كما قال:
{ { بيدك الخير } [آل عمران: 26] فإذا منعه أحداً لم يكن هناك من يعطيه غيره.
وقوله: { إن الله يفعل ما يشاء } كناية عن عموم القدرة وتعليل لما تقدمه من حديث إثباته العذاب للمستكبرين عن السجود له وإهانتهم إهانة لا إكرام بعده.
فالمعنى - والله أعلم - أن الله يميز يوم القيامة بين المختلفين فإنك تعلم أن الموجودات العلوية والسفلية يخضعون ويتذللون له تكويناً لكن الناس بين من يظهر في مقام العبودية الخضوع والتذلل له وبين من يستكبر عن ذلك وهؤلاء هم الذين حق عليهم العذاب وأهانهم الله إهانة لا إكرام بعده وهو قادر على ما يشاء فعال لما يريد، ومن هنا يظهر أن للآية اتصالاً بما قبلها.
قوله تعالى: { هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤسهم الحميم } الإِشارة بقوله: { هذان } إلى القبيلين الذين دل عليهما قوله سابقاً: { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } وقوله بعده: { وكثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب }.
ويعلم من حصر المختلفين على كثرة أديانهم ومذاهبهم في خصمين اثنين أنهم جميعاً منقسمون إلى محق ومبطل إذ لولا الحق والباطل لم ينحصر الملل والنحل على تشتتها في اثنين البتة، والمحق والمبطل هما المؤمن بالحق والكافر به فهذه الطوائف على تشتت أقوالهم ينحصرون في خصمين اثنين وعلى انحصارهم في خصمين اثنين لهم أقوال مختلفة فوق اثنين فما أحسن تعبيره بقوله: { خصمان اختصموا } حيث لم يقل: خصوم اختصموا ولم يقل: خصمان اختصما.
وقد جعل اختصامهم في ربهم أي أنهم اختلفوا في وصف ربوبيته تعالى فإلى وصف الربوبية يرجع اختلافات لمذاهب بالغة ما بلغت فهم بين من يصف ربه بما يستحقه من الأسماء والصفات وما يليق به من الأفعال فيؤمن بما وصف وهو الحق ويعمل على ما يقتضيه وصفه وهو العمل الصالح فهو المؤمن العامل بالصالحات، ومن لا يصفه بما يستحقه من الأسماء والصفات كمن يثبت له شريكاً أو ولداً فينفي وحدانيته أو يسند الصنع والإِيجاد إلى الطبيعة أو الدهر أو ينكر النبوة أو رسالة بعض الرسل أو ضرورياً من ضروريات الدين الحق فيكفر بالحق ويستره وهو الكافر فالمؤمن بربه والكافر بالمعنى الذي ذكرهما الخصمان.
ثم شرع في جزاء الخصمين وبين عاقبة أمر كل منهما بعد فصل القضاء وقدم الذين كفروا فقال: { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤسهم الحميم } أي الماء الحار المغلي.
قوله تعالى: { يصهر به ما في بطونهم والجلود } الصهر الإِذابة أي يذوب وينضج بذاك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والجلود.
قوله تعالى: { ولهم مقامع من حديد } المقامع جمع مقمعة وهي المدقة والعمود.
قوله تعالى: { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق } ضمير { منها } للنار و { من غم } بيان له أو من بمعنى السببية والحريق بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المؤلم.
قوله تعالى: { إن الله يدخل الذين آمنوا } إلى آخر الآية، الأساور على ما قيل - جمع أسورة وهي جمع سوار وهو على ما ذكره الراغب معاب (دستواره) والباقي ظاهر.
قوله تعالى: { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد } الطيب من القول ما لا خباثة فيه وخبيث القول باطله على أقسامه، وقد جمع القول الطيب كله قوله تعالى إخباراً عنهم:
{ { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } [يونس: 10] فهدايتهم إلى الطيب من القول تيسيره لهم، وهدايتهم إلى صراط الحميد والحميد من أسمائه تعالى أن لا يصدر عنهم إلا محمود الفعل كما لا يصدر عنهم إلا طيب القول.
وبين هذه الآية وقوله: { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق } مقابلة ظاهرة.
(بحث روائي)
في التوحيد بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام في حديث: قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث بن قيس فقال يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل إليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله إليهم كتاباً وبعث إليهم رسولاً حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها.
فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فاخرج نطهرك ونقيم عليك الحد فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا قولي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم وأُمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك قال: أو ليس قد زوج بنيه بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك فمحا الله ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب والمنافقون أشد حالاً منهم. قال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبداً.
أقول: قوله: (والمنافقون أشد حالاً منهم) فيه تعريض للأشعث وفي كون المجوس من أهل الكتاب روايات أُخر فيها أنهم كان لهم نبي فقتلوه وكتاب فأحرقوه.
وفي الدر المنثور في قوله تعالى: { إن الله يفعل ما يشاء } أخرج ابن أبي حاتم واللالكائي في السنة والخلعي في فوائده عن علي أنه قيل له: إن ها هنا رجلاً يتكلم في المشيئة فقال له علي: يا عبد الله خلقك الله لما يشاء أو لما شئت؟ قال: بل لما يشاء قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال فيدخلك الجنة حيث شاء أو حيث شئت؟ قال: بل حيث شاء. قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف.
أقول: ورواه في التوحيد بإسناده عن عبد الله بن الميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام وفيه (فيدخلك حيث يشاء أو حيث شئت) ولم يذكر الجنة. وقد تقدمت رواية في هذا المعنى شرحناها في ذيل قوله:
{ { وما يضل به إلا الفاسقين } [البقرة: 26] في الجزء الأول من الكتاب.
وفي التوحيد بإسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا عليه السلام: المشيئة من صفات الأفعال فمن زعم أن الله لم يزل مريداً شائياً فليس بموحد.
أقول: في قوله عليه السلام ثانياً: (لم يزل مريداً شائياً) تلويح إلى اتحاد الإِرادة والمشيئة وهو كذلك فإن المشيئة معنى يوصف به الإِنسان إذا اعتبر كونه فاعلاً شاعراً بفعله المضاف إليه، وإذا تمت فاعليته بحيث لا ينفك عنه الفعل سمي هذا المعنى بعينه إرادة، وعلى أي حال هو وصف خارج عن الذات طارئ عليه، ولذلك لا يتصف تعالى بها كأتصافه بصفاته الذاتية كالعلم والقدرة لتنزهه عن تغير الذات بعروض العوارض بل هي من صفات فعله منتزعة من نفس الفعل أو من حضور الأسباب عليه.
فقولنا: أراد الله كذا معناه أنه فعله عالماً بأنه أصلح أو أنه هيأ أسبابه عالماً بأنه أصلح، وإذا كانت بمعناها الذي فينا غير الذات فلو قيل: لم يزل الله مريداً كان لازمه إثبات شيء أزلي غير مخلوق له معه وهو خلاف توحيده، وأما قول القائل: إن معنى الإِرادة هو العلم بالأصلح، والعلم من صفات الذات فلم يزل مريداً أي عالماً بما فعله أصلح فهو إرجاع للإِرادة إلى العلم ولا محذور فيه غير أن عد الإِرادة على هذا صفة أُخرى وراء الحياة والعلم والقدرة لا وجه له.
وفي الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي ذر أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية { هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى قوله { إن الله يفعل ما يريد } نزلت في الثلاثة والثلاثه الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.
قال علي أنا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
أقول: ورواه فيه أيضاً عن عدة من أصحاب الجوامع عن قيس بن سعد بن عبادة وابن عباس وغيرهما، ورواه في مجمع البيان عن أبي ذر وعطاء.
وفي الخصال عن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن علي عليهما السلام: يا أبا عبد الله حدثني عن قوله تعالى: { هذان خصمان اختصموا في ربهم } فقال: نحن وبنو امية اختصمنا في الله تعالى: قلنا صدق الله، وقالوا: كذب، فنحن الخصمان يوم القيامة.
أقول: وهو من الجري ونظيره ما في الكافي بإسناده عن ابن أبي حمزة عن الباقر عليه السلام: فالذين كفروا بولاية علي عليه السلام قطعت لهم ثياب من نار.
وفي تفسير القمي { وهدوا إلى الطيب من القول } قال: التوحيد والإِخلاص { وهدوا إلى صراط الحميد } قال: الولاية.
أقول: وفى المحاسن بإسناده عن ضريس عن الباقر عليه السلام ما في معناه.
وفي المجمع وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
"ما أحد أحب إليه الحمد من الله عز ذكره"
].