التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٢٨
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً
٢٩
يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً
٣١
يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٣٢
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً
٣٣
وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً
٣٤
إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٣٥
-الأحزاب

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولاً: أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانياً: أنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلوّ والشرف فإن اتّقين الله يؤتين أجرهن مرتين وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرُّج والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة ثم يعد مطلق الصالحين من الرجال والنساء وعداً بالمغفرة والأجر العظيم.
قوله تعالى: { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى تمام الآيتين، سياق الآيتين يلوّح أن أزواج النبي أو بعضهن كانت لا ترتضي ما في عيشتهن في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الضيق والضنك فاشتكت إليه ذلك واقترحت عليه أن يسعدهن في الحياة بالتوسعة فيها وإيتائهن من زينتها.
فأمر الله سبحانه نبيه أن يخيّرهن بين أن يفارقنه ولهن ما يردن وبين أن يبقين عنده ولهن ما هن عليه من الوضع الموجود.
وقد ردّد أمرهن بين أن يردن الحياة الدنيا وزينتها وبين أن يردن الله ورسوله والدار الآخرة، وهذا الترديد يدل أولاً: أن الجمع بين سعة العيش وصفائها بالتمتع من الحياة وزينتها وزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعيشة في بيته مما لا يجتمعان.
وثانياً: أن كلاً من طرفي الترديد مقيّد بما يقابل الآخر، والمراد بإرادة الحياة الدنيا وزينتها جعلها هي الأصل سواء أريدت الآخرة أو لم يرد، والمراد بإرادة الحياة الآخرة جعلها هي الأصل في تعلق القلب بها سواء توسعت معها الحياة الدنيا ونيلت الزينة وصفاء العيش أو لم يكن شيء من ذلك.
ثم الجزاء أعني نتيجة اختيارهن كلاً من طرفي الترديد مختلف فلهنَّ على تقدير اختيارهن الحياة الدنيا وزينتها بمفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلّقهن ويمتعهن جمعاء من مال الدنيا، وعلى تقدير بقائهن على زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختيار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها الأجر العظيم عند الله لكن لا مطلقاً بل بشرط الإِحسان والعمل الصالح.
ويتبين بذلك أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله سبحانه وإنما الكرامة لزوجيته المقارنة للإِحسان والتقوى ولذلك لما ذكر ثانياً علوّ منزلتهن قيّده أيضاً بالتقوى فقال: { لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } وهذا كقوله في النبي وأصحابه: { محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعاً سجَّداً } إلى أن قال { وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجراً عظيماً } حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولاً ثم قيّد وعدهم الأجر العظيم بالإِيمان والعمل الصالح.
وبالجملة فإطلاق قوله:
{ { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [الحجرات: 13] على حاله غير منتقض بكرامة أُخرى بسبب أو نسب أو غير ذلك.
فقوله: { يا أيها النبي قل لأزواجك } أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ الآيتين أزواجه ولازمه أن يطلقهن ويمتعهن إن اخترن الشق الأول ويبقيهن على زوجيته إن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
وقوله: { إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } إرادة الحياة الدنيا وزينتها كناية بقرينة المقابلة عن اختيارها وتعلق القلب بتمتعاتها والإِقبال عليها والإِعراض عن الآخرة.
وقوله: { فتعالين أُمتعكن وأُسرِّحكن سراحاً جميلاً } قال في الكشاف: أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثم كثرت حتى استوت في استعماله الأمكنة، ومعنى تعالين أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن بأنفسهن كما تقول: أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني. انتهى.
والتمتيع إعطاؤهن عند التطليق مالاً يتمعتن به والتسريح هو التطليق والسراح الجميل هو الطلاق من غير خصومة ومشاجرة بين الزوجين.
وفي الآية أبحاث فقهية أوردها المفسرون والحق أن ما تتضمنه من الأحكام الشخصية خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا دليل من جهة لفظها على شمولها لغيره وتفصيل القول في الفقه.
وقوله: { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة } فقد تقدم أن المقابلة بين هذه الجملة وبين قوله: { إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } الخ، تقيد كلاً منهما بخلاف الاخرى وعدمها، فمعنى الجملة: وإن كنتن تردن وتخترن طاعة الله ورسوله وسعادة الدار الآخرة مع الصبر على ضيق العيش والحرمان من زينة الحياة الدنيا وهي مع ذلك كناية عن البقاء في زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على ضيق العيش وإلا لم يصحّ اشتراط الإِحسان في الأجر الموعود وهو ظاهر.
فالمعنى: وإن كنتن تردن وتخترن البقاء على زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على ضيق العيش فإن الله هيأ لكن أجراً عظيماً بشرط أن تكنّ محسنات في أعمالكنّ مضافاً إلى إرادتكن الله ورسوله والدار الآخرة فإن لم تكنَّ محسنات لم يكن لكنَّ إلا خسران الدنيا والآخرة جميعاً.
قوله تعالى: { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينه يضاعف لها العذاب ضعفين } الخ، عدل عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهن إلى مخاطبتهن أنفسهن لتسجيل ما لهن من التكليف وزيادة التوكيد، والآية والتي بعدها تقرير وتوضيح بنحو لما يستفاد من قوله: { فإن الله أعدَّ للمحسنات منكن أجراً عظيماً } إثباتاً ونفياً.
فقوله: { من يأت منكن بفاحشة مبيّنة } الفاحشة الفعلة البالغة في الشناعة والقبح وهي الكبيرة كإيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والافتراء والغيبة وغير ذلك، والمبيّنة هي الظاهرة.
وقوله: { يضاعف لها العذاب ضعفين } أي حال كونه ضعفين والضعفان المثلان ويؤيد هذا المعنى قول في جانب الثواب بعد: { نؤتها أجرها مرتين } فلا يعبأ بما قيل إن المراد بمضاعفة العذاب ضعفين تعذيبهم بثلاثة أمثاله بتقريب أن مضاعفة العذاب زيادته وإذا زيد على العذاب ضعفاه صار المجموع ثلاثة أمثاله.
وختم الآية بقوله: { وكان ذلك على الله يسيراً } للإِشارة إلى أنه لا مانع من ذلك من كرامة الزوجية ونحوها إذ لا كرامة إلا للتقوى وزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تؤثر الأثر الجميل إذا قارن التقوى وأما مع المعصية فلا تزيد إلا بعداً ووبالاً.
قوله تعالى: { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين } الخ، القنوت الخضوع، وقيل: الطاعة، وقيل: لزوم الطاعة مع الخضوع، والإِعتاد التهيئة، والرزق الكريم مصداقه الجنة.
والمعنى: ومن يخضع منكن لله ورسوله أو لزم طاعة الله ورسوله مع الخضوع ويعمل عملاً صالحاً نعطها أجرها مرتين أي ضعفين وهيأنا لها رزقاً كريماً وهي الجنة.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم بالغير في قوله: { نؤتها } و { أعتدنا } للإِيذان بالقرب والكرامة، خلاف البعد والخزي المفهوم من قوله: { يضاعف لها العذاب ضعفين }.
قوله تعالى: { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } الخ، الآية تنفي مساواتهن لسائر النساء إن اتقين وترفع منزلتهن على غيرهن ثم تذكر أشياء من النهي والأمر متفرعة على كونهن لسن كسائر النساء كما يدل عليه قوله: فلا تخضعن بالقول وقرن ولا تبرّجن الخ، وهي خصال مشتركة بين نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر النساء.
فتصدير الكلام بقوله: { لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } ثم تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد تأكد هذه التكاليف عليهن كأنه قيل: لستن كغيركن فيجب عليكن أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف وتحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء.
وتؤيد بل تدل على تأكد تكاليفهن مضاعفة جزائهن خيراً وشراً كما دلّت عليها الآية السابقة فإن مضاعفة الجزاء لا تنفك عن تأكد التكليف.
وقوله: { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } بعد ما بيّن علوّ منزلتهن ورفعة قدرهن لمكانهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرط في ذلك التقوى فبيَّن أن فضيلتهن بالتقوى لا بالاتصال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهن عن الخضوع في القول وهو ترقيق الكلام وتليينه مع الرجال بحيث يدعو إلى الريبة وتثير الشهوة فيطمع الذي في قلبه مرض وهو فقدانه قوة الإِيمان التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.
وقوله: { وقلن قولاً معروفاً } أي كلاماً معمولاً مستقيماً يعرفه الشرع والعرف الإِسلامي وهو القول الذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله معرّى عن الإِيماء إلى فساد وريبة.
قوله تعالى: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأُولى } إلى قوله { وأطعن الله ورسوله } { قرن } من قرّ يقر إذا ثبت وأصله اقررن حذفت إحدى الراءين أو من قار يقار إذا اجتمع كناية عن ثباتهن في بيوتهن ولزومهن لها، والتبرّج الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. والجاهلية الأُولى الجاهلية قبل البعثة فالمراد الجاهلية القديمة، وقول بعضهم: إن المراد به زمان ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمان مائة سنة، وقول آخرين إنها ما بين إدريس ونوح، وقول آخرين زمان داود وسليمان وقول آخرين أنه زمان ولادة إبراهيم، وقول آخرين إنه زمان الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أقوال لا دليل يدل عليها.
وقوله: { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } أمر بامتثال الأوامر الدينية وقد أفرد الصلاة والزكاة بالذكر من بينها لكونهما ركنين في العبادات والمعاملات ثم جمع الجميع في قوله: { وأطعن الله ورسوله }.
وطاعة الله هي امتثال تكاليفه الشرعية وطاعة رسوله فيما يأمر به وينهى بالولاية المجعولة له من عند الله كما قال: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }.
قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } كلمة { إنما } تدل على حصر الإِرادة في إذهاب الرجس والتطهير وكلمة أهل البيت سواء كان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداء يدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله: { عنكم }، ففي الآية في الحقيقة قصران قصر الإِرادة في إذهاب الرجس والتطهير وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت.
وليس المراد بأهل البيت نساء النبي خاصة لمكان الخطاب الذي في قوله: { عنكم } ولم يقل: عنكن فإما أن يكون الخطاب لهن ولغيرهن كما قيل: إن المراد بأهل البيت أهل البيت الحرام وهم المتقون لقوله تعالى: { إن أولياؤه إلا المتقون } أو أهل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين يصدق عليهم عرفاً أهل بيته من أزواجه وأقربائه وهم آل عباس وآل عقيل وآل جعفر وآل علي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه، ولعل هذا هو المراد مما نسب إلى عكرمة وعروة إنها في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.
أو يكون الخطاب لغيرهن كما قيل: إنهم أقرباء النبي من آل عباس وآل عقيل وآل جعفر وآل علي.
وعلى أي حال فالمراد بإذهاب الرجس والتطهير مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي وامتثال الأوامر فيكون المعنى أن الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم وإنما يريد إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم على حد قوله:
{ { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم } [المائدة: 6]، وهذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت السابقة لمنافاته البينة للاختصاص المفهوم من أهل البيت لعمومه لعامة المسلمين المكلفين بأحكام الدين.
وإن كان المراد بإذهاب الرجس والتطهير التقوى الشديد البالغ ويكون المعنى: أن هذا التشديد في التكاليف المتوجهة إليكن أزواج النبي وتضعيف الثواب والعقاب ليس لينتفع الله سبحانه به بل ليذهب عنكم الرجس ويطهركم من تعميم الخطاب لهن ولغيرهن بعد تخصيصه بهن، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصاً بغيرهن وهو ظاهر ولا عموم الخطاب لهن ولغيرهن فإن الغير لا يشاركهن في تشديد التكليف وتضعيف الثواب والعقاب.
لا يُقال: لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير متوجهاً أليهن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكليفه شديد كتكليفهن.
لأنه يُقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بعصمة من الله وهي موهبة إلهية غير مكتسبة بالعمل فلا معنى لجعل تشديد التكليف وتضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له امتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية ولذلك لم يصرح بكون الخطاب متوجهاً إليهن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط أحد من المفسرين وإنما احتملناه لتصحيح قول من قال: إن الآية خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإن كان المراد إذهاب الرجس والتطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقاً لا بتوجيه مطلق التكليف ولا بتوجيه التكليف الشديد بل إرادة مطلقة لإِذهاب الرجس والتطهير لأهل البيت خاصة بما هم أهل البيت كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهن بالتقوى سواء كان المراد بالإِرادة الإِرادة التشريعية أو التكوينية.
وبهذا الذي تقدم يتأيد ما ورد في أسباب النزول أن الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم.
وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من طرق أهل السنة على ما ورد منها من طرق الشيعة فقد روتها أهل السنة بطرق كثيرة عن أُم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأسقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي وعبد الله بن جعفر وعلي والحسن بن علي عليهما السلام في قريب من أربعين طريقاً.
وروتها الشيعة عن علي والسجاد والباقر والصادق والرضا عليهم السلام وأُم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص في بضع وثلاثين طريقاً.
فإن قيل: إن الروايات إنما تدل على شمول الآية لعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام ولا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهن.
قلنا: إن كثيراً من هذه الروايات وخاصة ما رويت عن أُم سلمة - وفي بيتها نزلت الآية - تصرح باختصاصها بهم وعدم شمولها لأزواج النبي وسيجيء الروايات وفيها الصحاح.
فإن قيل: هذا مدفوع بنص الكتاب على شمولها لهن كوقوع الآية في سياق خطابهن.
قلنا: إنما الشأن كل الشأن في اتصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة، ويؤيده أن آية { وقرن في بيوتكن } على انسجامها واتصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها، فموقع آية التطهير من آية { وقرن في بيوتكن } كموقع آية { اليوم يئس الذين كفروا } من آية محرمات الأكل من سورة المائدة، وقد تقدم الكلام في ذلك في الجزء الخامس من الكتاب.
وبالبناء على ما تقدم تصير لفظة أهل البيت اسماً خاصاً - في عرف القرآن - بهؤلاء الخمسة وهم النبي وعلي وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام لا يطلق على غيرهم، ولو كان من أقربائه الأقربين وإن صحَّ بحسب العرف العام إطلاقه عليهم.
والرِّجس - بالكسر فالسكون - صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها، وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير، قال تعالى:
{ { أو لحم خنزير فإنه رجس } [الأنعام: 145]، وبحسب باطنه - وهو الرجاسة والقذارة المعنوية - كالشرك والكفر وأثر العمل السيئ، قال تعالى: { { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } [التوبة: 125]، وقال: { { ومن يرد أن يضلَّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } } [الأنعام: 125]. وأياً ما كان فهو إدراك نفساني شعوري من تعلق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيئ وإذهاب الرجس - واللام فيه للجنس - إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطئ حق الاعتقاد والعمل فتنطبق على العصمة الإِلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإِنسان من باطل الاعتقاد وسيىء العمل.
على أنك عرفت أن إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم اختصاص الخطاب في الآية بأهل البيت، وعرفت أيضاً أن إرادة ذلك لا تناسب مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العصمة.
فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة ويكون المراد بالتطهير في قوله: { ويطهركم تطهيراً } - وقد أُكد بالمصدر - إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومن المعلوم أن ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحق فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل، ويكون المراد بالإِرادة أيضاً غير الإِرادة التشريعية لما عرفت أن الإِرادة التشريعية التي هي توجيه التكاليف إلى المكلف لا تلائم المقام أصلاً.
والمعنى: أن الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل وأثر العمل السيئ عنكم أهل البيت وإيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة.
قوله تعالى: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً } ظاهر السياق أن المراد بالذكر ما يقابل النسيان إذ هو المناسب لسياق التأكيد والتشديد الذي في الآيات فيكون بمنزلة الوصية بعد الوصية بامتثال ما وجّه إليهن من التكليف، وفي قوله: { في بيوتكن } تأكيد آخر.
والمعنى: واحفظن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة وليكن منكن في بال حتى لا تغفلن ولا تتخطين مما خط لكنّ من المسير.
وأما قول بعضهم: إن المراد واشكرن الله إذ صيّركن في بيوت يتلى فيهن القرآن والسنة فبعيد من السياق وخاصة بالنظر إلى قوله في ذيل الآية: { إن الله كان لطيفاً خبيراً }.
قوله تعالى: { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } الخ، الإِسلام لا يفرّق بين الرجال والنساء في التلبس بكرامة الدين وقد أشار سبحانه إلى ذلك إجمالا في مثل قوله:
{ { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [الحجرات: 13]، ثم صرّح به في مثل قوله: { { أني لا أُضيع عمل عامل منكم من ذكر وأُنثى } [آل عمران: 195]، ثم صرح به تفصيلاً في هذه الآية.
فقوله: { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } المقابلة بين الإِسلام والإِيمان تفيد مغايرتهما نوعاً من المغايرة والذي يستفاد منه نحو مغايرتهما قوله تعالى: { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإِيمان في قلوبكم } إلى أن قال
{ { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } [الحجرات: 15]، يفيد أولاً أن الإِسلام هو تسليم الدين بحسب العمل وظاهر الجوارح والإِيمان أمر قلبي. وثانياً: أن الإِيمان الذي هو أمر قلبي اعتقاد وإذعان باطني بحيث يترتب عليه العمل بالجوارح.
فالإِسلام هو التسليم العملي للدين بإتيان عامة التكاليف والمسلمون والمسلمات هم المسلمون لذلك والإِيمان هو عقد القلب على الدين، بحيث يترتب عليه العمل بالجوارح والمؤمنون والمؤمنات هم الذين عقدوا قلوبهم على الدين بحيث يترتب عليه العمل بالجوارح فكل مؤمن مسلم ولا عكس.
وقوله: { والقانتين والقانتات } القنوت على ما قيل لزوم الطاعة مع الخضوع وقوله: { والصادقين والصادقات } الصدق مطابقة ما يخبر به الإِنسان أو يظهره للواقع. فهم صادقون في دعواهم صادقون في قولهم صادقون في وعدهم.
وقوله: { والصابرين والصابرات } فهم متلبسون بالصبر عند المصيبة والنائبة وبالصبر على الطاعة وبالصبر عن المعصية، وقوله: { والخاشعين والخاشعات } الخشوع تذلل باطني بالقلب كما أن الخضوع تذلل ظاهري بالجوارح.
وقوله: { والمتصدقين والمتصدقات } والصدقة إنفاق المال في سبيل الله ومنه الزكاة الواجبة، وقوله: { والصائمين والصائمات } بالصوم الواجب والمندوب، وقوله: { والحافظين فروجهم والحافظات } أي لفروجهن وذلك بالتجنب عن غير ما أحل الله لهم، وقوله: { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات } أي الله كثيراً حذف لظهوره وهم الذين يكثرون من ذكر الله بلسانهم وجنانهم ويشمل الصلاة والحج.
وقوله: { أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } التنكير للتعظيم.
(بحث روائي)
في تفسير القمي في قوله تعالى: { يا أيها النبي قل لأزواجك } كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق قلن أزواجه أعطنا ما أصبت فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمته بين المسلمين على ما أمر الله عز وجل فغضبن من ذلك، وقلن: لعلك ترى أنك إن طلّقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجوننا؟.
فأنف الله عزّ وجلّ لرسوله فأمره أن يعزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مشربة أُم إبراهيم تسعة وعشرين يوماً حتى حضن وطهرن ثم أنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية وهي آية التخيير فقال: { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى قوله { أجراً عظيماً } فقامت أُم سلمة أول من قامت فقالت: قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك الحديث.
أقول: وروي ما يقرب من ذلك من طرق أهل السنة وفيها أن أول من اختارت الله ورسوله منهن عائشة.
وفي الكافي بإسناده عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام أن زينب بنت جحش قالت: يرى رسول الله إن خلى سبيلنا أن لا نجد زوجاً غيره وقد كان اعتزل نساءه تسعة وعشرين ليلة فلما قالت زينب الذي قالت بعث الله جبريل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: { قل لأزواجك } الآيتين كلتيهما فقلن: بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة.
وفيه بإسناده عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها بانت؟ قال: لا. إنما هذا شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة أُمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن وهو قول الله عزّ وجلّ: { قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، فتعالين أُمتعكن وأُسرحكن سراحاً جميلاً }.
وفي المجمع روى الواحدي بالإِسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع حفصة فتشاجرا بينهما فقال لها: هل لك أن أجعل بيني وبينك رجلاً؟ قالت: نعم.
فأرسل إلى عمر فلما أن دخل عليهما قال لها: تكلمي، فقالت: يا رسول الله تكلم ولا تقل إلا حقاً فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثم رفع يده فوجأ وجهها.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كف فقال عمر: يا عدوة الله النبي لا يقول إلا حقاً والذي بعثه بالحق، لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه يتغدَّى ويتعشّى فيها فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشر امرأة منهن، وقبض عن تسع فأما اللتان لم يدخل بهما فعمرة وسنا. وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد ثم سودة بنت زمعة ثم أُم سلمة واسمها هند بنت أبي أُمية ثم أُم عبد الله عائشة بنت أبي بكر ثم حفصة بنت عمر ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أُم المساكين، ثم زينب بنت جحش ثم أُم حييب رملة بنت أبي سفيان ثم ميمونة بنت الحارث ثم زينب بنت عميس ثم جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حييى بن أخطب والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي.
وكان له سرّيتان يقسم لهما مع أزواجه مارية القبطية وريحانة الخندفية.
والتسع اللاتي قبض عنهن عائشة وحفصة وأُم سلمة وزينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث وأُم حبيب بنت أبي سفيان وجويرية وسودة وصفية. وأفضلهن خديجة بنت خويلد ثم أُم سلمة ثم ميمونة.
وفي المجمع في قوله: { يا نساء النبي من يأت منكن } الآيتين روى محمد بن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن علي بن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال رجل: إنكم أهل بيت مغفور لكم. قال: فغضب وقال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب.
وفي تفسير القمي مسنداً عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام في هذه الآية { ولا تبرّجن تبرُّج الجاهلية الأُولى } قال: أي ستكون جاهلية أُخرى.
أقول: وهو استفادة لطيفة.
وفي الدر المنثور أخرج الطبراني عن أُم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيه فجاءت بهم فألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم كساء فدكياً ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ آل محمد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
قالت أُم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنك على خير.
أقول: ورواه في غاية المرام عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه بإسناده عن أُم سلمة.
وفيه أخرج ابن مردويه عن أُم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً } وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت. قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك على خير إنك من أزواج النبي.
وفيه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أُم سلمة زوج النبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببُرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ادعى زوجك وابنيك حسناً وحسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً }.
فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قالها ثلاث مرات.
قالت أُم سلمة: فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال: إنك إلى خير مرتين.
أقول: وروى الحديث في غاية المرام عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بثلاث طرق عن أُم سلمة وكذا عن تفسير الثعلبي.
وفيه أخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: كان يوم أُم سلمة أُم المؤمنين فنزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أُم سلمة مضروب، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، قالت أُم سلمة: فأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وإنك على خير.
وفيه أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً }.
أقول: ورواه أيضاً في غاية المرام عن الثعلبي في تفسيره.
وفيه أخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أُم سلمة قالت: في بيتي نزلت: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وفي غاية المرام عن الحميدي قال: الرابع والستون من المتفق عليه من الصحيحين عن البخاري ومسلم من مسند عائشة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
أقول: والحديث مروي عنها بطرق مختلفة.
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين صباحاً إلى بابها يقول: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.
وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً }.
أقول: ورواه أيضاً عن الطبراني عن أبي الحمراء ولفظه رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول: { إنما يريد الله } الآية، وأيضاً عن ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء ولفظه حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى إلى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال: الصلاة الصلاة { إنما يريد الله ليذهب } الآية.
ورواه أيضاً عن ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: الصلاة يا أهل البيت الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
أقول: والروايات في هذه المعاني من طرق أهل السنة كثيرة وكذا من طرق الشيعة، ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحراني والعبقات.
وفي غاية المرام عن الحمويني بإسناده عن يزيد بن حيان قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ألا إني تركت فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عزّ وجلّ ومن اتبعه كان على هدى ومن تركه كان على ضلالة، ثم أهل بيتي أُذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات.
قلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أهل بيته عصبته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل.
وفيه أيضاً
"عن مسلم في صحيحه بإسناده عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة، فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر ثم الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها" . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
أقول: فسِّر البيت بالنسب كما يطلق عرفاً على هذا المعنى، يقال: بيوتات العرب بمعنى الأنساب، لكن الروايات السابقة عن أُم سلمة وغيرها تدفع هذا المعنى وتفسر أهل البيت بعلي وفاطمة وابنيهما عليهم السلام.
وفي المجمع قال مقاتل بن حيان: لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا.
فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وممَّ ذلك؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية { إن المسلمين والمسلمات } الخ.
أقول: وفي روايات أُخر أن القائلة هي أُم سلمة.