التفاسير

< >
عرض

أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ
٧٩
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ
٨٠
قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ
٨١
سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٨٢
فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٨٣
وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٨٤
وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٨٥
وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٨٦
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٨٧
وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٨٨
فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-الزخرف

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
رجوع إلى سابق الكلام وفيه توبيخهم على ما يريدون من الكيد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتهديدهم بأن الله يكيدهم، ونفي الولد الذي يقولون به، وإبطال القول بمطلق الشريك وإِثبات الربوبية المطلقة لله وحده، وتختتم السورة بالتهديد والوعيد.
قوله تعالى: { أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون } الابرام خلاف النقض وهو الإِحكام، وأم منقطعة.
والمعنى: على ما يفيده سياق الآية التالية: بل أحكموا أمراً من الكيد بك يا محمد فإنا محكمون الكيد بهم فالآية في معنى قوله تعالى:
{ { أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون } [الطور: 42]. قوله تعالى: { أم يحسبون أنا لا نسمع سرّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } السر ما يستسرونه في قلوبهم والنجوى ما يناجيه بعضهم بعضاً بحيث لا يسمعه غيرهما، ولما كان السر حديث النفس عبر عن العلم بالسر والنجوى بالسمع.
وقوله: { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } أي بلى نحن نسمع سرهم ونجواهم ورسلنا الموكلون على حفظ أعمالهم عليهم يكتبون ذلك.
قوله تعالى: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } إبطال لألوهية الولد بإبطال أصل وجوده من جهة علمه بأنه ليس، والتعبير بإن الشرطية دون لو الدالة على الامتناع - وكان مقتضى المقام أن يقال: لو كان للرحمن ولد، لاستنزالهم عن رتبة المكابرة إلى مرحلة الانتصاف.
والمعنى: قل لهم إن كان للرحمن ولد كما يقولون، فأنا أول من يعبده أداء لحق بنوَّته ومسانخته لوالده، لكني أعلم أنه ليس ولذلك لا أعبده لا لبغض ونحوه.
وقد أوردوا للآية معاني أُخرى:
منها: أن المعنى لو كان لله ولد كما تزعمون فأنا أعبد الله وحده ولا أعبد الولد الذي تزعمون.
ومنها: أن { إن } نافية والمعنى: قل ما كان لله ولد فأنا أول العابدين الموحدين له من بينكم.
ومنها: أن { العابدين } من عبد بمعنى أنف والمعنى: قل لو كان للرحمن ولد فأنا أول من أنف واستنكف عن عبادته لأن الذي يلد لا يكون إلا جسماً والجسمية تنافي الألوهية.
ومنها: أن المعنى: كما أني لست أول من عبد الله كذلك ليس لله ولد أي لو جاز لكم أن تدعوا ذاك المحال جاز لي أن أدعي هذا المحال. إلى غير ذلك مما قيل لكن الظاهر من الآية ما قدمناه.
قوله تعالى: { سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون } تسبيح له سبحانه عما ينسبون إليه، والظاهر أن { رب العرش } عطف بيان لرب السماوات والأرض لأن المراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود وهو عرش ملكه تعالى الذي استوى عليه وحكم فيه ودبر أمره.
ولا يخلو من إشارة إلى حجة على الوحدانية إذ لما كان الخلق مختصاً به تعالى حتى باعتراف الخصم وهو من شؤون عرش ملكه، والتدبير من الخلق والايجاد فإنه إيجاد النظام الجاري بين المخلوقات فالتدبير أيضاً من شؤون عرشه فربوبيته للعرش ربوبية لجميع السماوات والأرض.
قوله تعالى: { فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } وعيد إجمالي لهم بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاعراض عنهم حتى يلاقوا ما يحذِّرهم منه من عذاب يوم القيامة.
والمعنى: فاتركهم يخوضوا في أباطيلهم ويلعبوا في دنياهم ويشتغلوا بذلك حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه وهو يوم القيامة كما ذكر في الآيات السابقة: { هل ينظرون إلا الساعة } الخ.
قوله تعالى: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم } أي هو الذي هو في السماء إله مستحق للمعبودية وهو في الأرض إله أي هو المستحق لمعبودية أهل السماوات والأرض وحده، ويفيد تكرار { إله } كما قيل التأكيد والدلالة على أن كونه تعالى إلهاً في السماء والأرض بمعنى تعلق أُلوهيته بهما لا بمعنى استقراره فيهما أو في أحدهما.
وفي الآية مقابلة لما يثبته الوثنية لكل من السماء والأرض إلهاً أو آلهة، وفي تذييل الآية بقوله: { وهو الحكيم العليم } الدال على الحصر إشارة الى وحدانيته في الربوبية التي لازمها الحكمة والعلم.
قوله تعالى: { وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون } ثناء عليه تعالى بالتبارك وهو مصدريته للخير الكثير.
وكل من الصفات الثلاث المذكورة حجة على توحّده في الربوبية أما ملكه للجميع فظاهر فإن الربوبية لمن يدبر الأمر والتدبير للملك، وأما اختصاص علم الساعة به فلأن الساعة هي المنزل الأقصى إليه يسير الكل, وكيف يصحّ أن يربّ الأشياء من لا علم له بمنتهى مسيرها فهو تعالى رب الأشياء لا من يدّعونه، وأما رجوع الناس إليه فإن الرجوع للحساب والجزاء وهو آخر التدبير فمن إليه الرجوع فإليه التدبير ومن إليه التدبير له الربوبية.
قوله تعالى: { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } السياق سياق العموم فالمراد بالذين يدعون، أي يعبدونهم من دونه، كل معبود غيره تعالى من الملائكة والجن والبشر وغيرهم.
والمراد { بالحق } الحق الذي هو التوحيد، والشهادة به الاعتراف به، والمراد بقوله: { وهم يعلمون } حيث أُطلق العلم علمهم بحقيقة حال من شفعوا له وحقيقة عمله كما قال:
{ { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً } [النبأ: 38]، وإذا كان هذا حال الشفعاء لا يملكونها إلا بعد الشهادة بالحق فما هم بشافعين إلا لأهل التوحيد كما قال: { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى }.
والآية مصرّحة بوجود الشفاعة.
قوله تعالى: { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله فأنّى يؤفكون } أي إلى متى يصرفون عن الحق الذي هو التوحيد إلى الباطل الذي هو الشرك، وذلك أنهم معترفون أن لا خالق إلا الله والتدبير الذي هو ملاك الربوبية غير منفك عن الخلق كما اتضح مراراً فالرب المعبود هو الذي بيده الخلق وهو الله سبحانه.
قوله تعالى: { وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } ضمير { قيله } للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا إشكال، والقيل مصدر كالقول والقال، و { قيله } معطوف - على ما قيل - على الساعة في قوله: { وعنده علم الساعة }، والمعنى: وعنده علم قوله: { يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون }.
قوله تعالى: { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون } أمر بالإِعراض عنهم وإقناط من إيمانهم، وقوله { قل سلام } أي وادعهم موادعة ترك من غير همّ لك فيهم، وفي قوله: { فسوف يعلمون } تهديد ووعيد.
(بحث روائي)
في الاحتجاج عن علي عليه السلام في حديث طويل يقول فيه: قوله: { إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } أي الجاحدين، والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.
أقول: الظاهر أن المراد أنه خلاف ما ينصرف إليه لفظ عابد عند الإِطلاق.
وفي الكافي بإسناده عن هشام بن الحكم قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قولنا. قلت: وما هي؟ قال: هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله فلم أدرِ بما أُجيبه فحججت فخبّرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: هذا كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل: ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول: فلان، فقل: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول: فلان، فقل: كذلك الله ربنا في السماء إله، وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كل مكان إله.
قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال: هذه نقلت من الحجاز.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } قال: هم الذين عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم.
وفي الكافي بإسناده عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام: ما معنى الواحد؟ فقال: إجماع الألسن عليه بالوحدانية لقوله: { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله }.