التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
٥
وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ
٦
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ
٧
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ
٨
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
٩
قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
١١
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٢
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ
١٣
ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٥
آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
١٦
كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
١٧
وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
١٨
وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ
١٩
-الذاريات

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
كانت الدعوة النبوية تدعو الوثنية إلى توحيد الربوبية وأن الله تعالى هو ربهم ورب كل شيء، وكانت الدعوة من طريق الإِنذار والتبشير وخاصة بالإِنذار وكان الإِنذار بعذاب الله في الدنيا للمكذبين عذاب الاستئصال، وفي الآخرة بالعذاب الخالد يوم القيامة وهو العمدة في نجاح الدعوة إذ لولا الحساب والجزاء يوم القيامة كان الإِيمان بالوحدانية والنبوَّة لغىً لا أثر له.
والمشركون باتخاذهم آلهة دون الله سبحانه شديدوا الإِنكار لأصول التوحيد والنبوة والمعاد، وكانوا يتعنتون بإنكار المعاد والإِصرار على نفيه والاستهزاء به من أي طريق ممكن لما يرون أن في بطلانه بطلان الأصلين الآخرين.
والسورة تذكر المعاد وإنكارهم له فتبدأ به وتختم عليه لكن لا من حيث نفسه كما جرى عليه الكلام في مواضع من كلامه بل من حيث إنه يوم الجزاء وأن الله الذي وعدهم به هو ربهم وهو الذي وعدهم به ووعده صدق لا ريب فيه.
ولذلك لما انساق الكلام إلى الاحتجاج عليه احتجت بأدلة التوحيد من آيات الأرض والسماء والأنفس وما عاقب الله به الأمم الماضين إثر دعوتهم إلى التوحيد وتكذيبهم لرسله، وليس إلا ليثبت بها التوحيد فيثبت به يوم الجزاء الذي وعده الله والله لا يخلف الميعاد وأخبرت به الدعوة النبوية فيندفع بذلك إنكارهم للجزاء وقد توسلوا بذلك إلى إبطال دين التوحيد ورسالة الرسول لصيرورة الإِيمان به لغواً لا أثر له كما تقدمت الإِشارة إليه.
والسورة مكية لشهادة سياق آياتها عليه ولم يختلف في ذلك أحد، ومن غرر آياتها قوله تعالى: { وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون }.
والفصل الذي أوردناه من الآيات مفتتح الكلام يذكر فيه أن الجزاء الذي وعدوه صدق وإنكارهم له وتعنتهم بذلك تخرص ثم يصف يوم الجزاء وحال المتقين والمنكرين فيه.
قوله تعالى: { والذاريات ذرواً فالحاملات وقراً فالجاريات يسراً فالمقسمات أمراً } الذاريات جمع الذارية من قولهم: ذرت الريح التراب تذروه ذرواً إذا أطارته والوقر بالكسر فالسكون ثقل الحمل في الظهر أو في البطن.
وفي الآيات إقسام بعد إقسام يفيد التأكيد بعد التأكيد للمقسم عليه وهو الجزاء على الأعمال فقوله: { والذاريات ذرواً } إقسام بالرياح المثيرة للتراب، وقوله: { فالحاملات وقراً } بالفاء المفيدة للتأخير والترتيب معطوف على الذاريات وإقسام بالسحب الحاملة لثقل الماء، وقوله: { فالجاريات يسراً } عطف عليه وإقسام بالسفن الجارية في البحار بيسر وسهولة.
وقوله: { فالمقسمات أمراً } عطف على ما سبقه وإقسام بالملائكة الذين يعملون بأمره فيقسمونه باختلاف مقاماتهم فإن أمر ذي العرش بالخلق والتدبير واحد فإذا حمله طائفة من الملائكة على اختلاف أعمالهم انشعب الأمر وتقسم بتقسمهم ثم إذا حمله طائفة هي دون الطائفة الأولى تقسم ثانياً بتقسمهم وهكذا حتى ينتهي إلى الملائكة المباشرين للحوادث الكونية الجزئية فينقسم بانقسامها ويتكثر بتكثرها.
والآيات الأربع - كما ترى - تشير إلى عامة التدبير حيث ذكرت انموذجاً مما يدبر به الأمر في البر وهو الذاريات ذرواً، وانموذجاً مما يدبر به الأمر في البحر وهو الجاريات يسراً وانموذجاً مما يدبر به الأمر في الجو وهو الحاملات وقراً، وتمم الجميع بالملائكة الذين هم وسائط التدبير وهم المقسمات أمراً.
فالآيات في معنى أن يقال: أقسم بعامة الأسباب التي يتمم بها أمر التدبير في العالم إن كذا كذا، وقد ورد من طرق الخاصة والعامة عن علي عليه أفضل السلام تفسير الآيات الأربع بما تقدم.
وعن الفخر الرازي في التفسير الكبير أن الأقرب حمل الآيات الأربع جميعاً على الرياح فإنها كما تذرو التراب ذرواً تحمل السحب الثقال وتجري في الجو بيسر وتقسم السحب على الأقطار من الأرض.
والحق أن ما استقر به بعيد، وما تقدم من المعنى أبلغ مما ذكره.
قوله تعالى: { إن ما توعدون لصادق وإن الدين لواقع } { ما } موصولة، والضمير العائد إليها محذوف أي الذين توعدونه، أو مصدرية، و { توعدون } من الوعد كما يؤيده قوله: { وإن الدين لواقع } الشامل لمطلق الجزاء، وقيل: من الايعاد كما يؤيده قوله:
{ { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ق: 45]. وعد الوعد صادقاً من المجاز في النسبة كما في قوله: { { في عيشة راضية } [الحاقة: 21] أو الصادق بمعنى ذو صدق كما قيل بمثله في قوله: { في عيشة راضية } والدين الجزاء.
وكيف كان فقوله: { إن ما توعدون لصادق } جواب القسم، وقوله: { وإن الدين لواقع } معطوف عليه بمنزلة التفسير، والمعنى أقسم بكذا وكذا أن الذي توعدونه - وهو الذي يعدهم القرآن أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنزل إليه - من يوم البعث وأن الله سيجزيهم فيه بأعمالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً لصادق، وإن الجزاء لواقع.
قوله تعالى: { والسماء ذات الحبك } الحبك بمعنى الحسن والزينة، وبمعنى الخلق المستوي، ويأتي جمعاً لحبيكة أو حباك بمعنى الطريقة كالطرائق التي تظهر على الماء إذا تثنى وتكسر من مرور الرياح عليه.
والمعنى على الأول: أقسم بالسماء ذات الحسن والزينة نظير قوله تعالى:
{ { إنَّا زيَّنّا السماء الدنيا بزينة الكواكب } [الصافات: 6]، وعلى الثاني: اقسم بالسماء ذات الخلق المستوي نظير قوله: { والسماء بنيناها بأيد } الآية 47 من السورة وعلى الثالث اقسم بالسماء ذات الطرائق نظير قوله: { { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } [المؤمنون: 17]. ولعل المعنى الثالث أظهر لمناسبته لجواب القسم الذي هو اختلاف الناس وتشتت طرائقهم كما أن الأقسام السابقة: { والذاريات ذرواً } الخ كانت مشتركة في معنى الجري والسير مناسبة لجوابها: { إنما توعدون } الخ المتضمن لمعنى الرجوع إلى الله والسير إليه.
قوله تعالى: { إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أُفك } القول المختلف ما يتناقض ويدفع بعضه بعضاً وحيث إن الكلام في إثبات صدق القرآن أو الدعوة أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما وعدهم من أمر البعث والجزاء فالمراد بالقول المختلف - على الأقرب - قولهم المختلف في أمر القرآن لغرض إنكار ما يثبته فتارة يقولون: إنه سحر والجائي به ساحر، وتارة يقولون: زجر والجائي به مجنون، وتارة يقولون: إلقاء شياطين الجن والجائي به كاهن، وتارة يقولون: شعر والجائي به شاعر، وتارة إنه افتراء، وتارة يقولون إنما يعلمه بشر، وتارة يقولون: أساطير الأولين اكتتبها.
وقوله: { يؤفك عنه من أُفك } الإِفك الصرف، وضمير { عنه } إلى الكتاب من حيث اشتماله على وعد البعث والجزاء، والمعنى: يصرف عن القرآن من صرف، وقيل: الضمير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: يصرف عن الإِيمان به من صرف، وقد عرفت أن المعنى السابق أوفق للسياق وإن كان مآل المعنيين واحداً.
وحكي عن بعضهم أن ضمير { عنه } لما توعدون أو للدين أقسم تعالى أولاً بالذاريات وغيرها على أن البعث والجزاء حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاكّ ومنهم جاحد ثم قال تعالى: يؤفك عن الإِقرار بأمر البعث والجزاء من هو مأفوك. وهذا الوجه قريب من الوجه السابق.
وعن بعضهم: أن الضمير لقول مختلف و { عن } للتعليل كما في قوله تعالى:
{ { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [هود: 53]، فيكون الجملة صفة لقول والمعنى: إنكم لفي قول مختلف يؤفك بسببه من أُفك، وهو وجه حسن.
وقيل: الضمير في { إنكم } للمسلم والكافر جميعاً فيكون المراد بالقول المختلف قول المسلمين بوقوع البعث الجزاء وقول الكفار بعدم الوقوع. ولعل السياق لا يلائمه وقيل بعض وجوه أُخر رديئة لا جدوى في التعرض له.
قوله تعالى: { قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين } أصل الخرص القول بالظن والتخمين من غير علم، ولكون القول بغير علم في خطر من الكذب يسمى الكذاب خرّاصاً، والأشبه أن يكون المراد بالخراصين في الآية القوالين من غير علم ودليل وهم الخائضون في أمر البعث والجزاء المنكرون له بغير علم.
وفي قوله: { قتل الخراصون } دعاء عليهم بالقتل وهو كناية عن نوع من الطرد والحرمان من الفلاح وإليه يؤول قول من فسره باللعن.
وقوله: { الذين هم في غمرة ساهون } الغمرة - كما ذكر الراغب - معظم الماء الساتر لمقرها، وجعل مثلاً للجهالة التي تغمر صاحبها، والمراد بالسهو - كما قيل - مطلق الغفلة.
ومعنى الآية وهي تصف الخراصين: الذين هم في جهالة أحاطت بهم غافلون عن حقيقة ما أُخبروا به.
وقوله: { يسألون أيّان يوم الدين } ضمير الجمع للخراصين قول قالوه على طريق الاستعجال استهزاء كقولهم:
{ { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [النمل: 71]. والسؤال بأيان - الموضوعة للسؤال عن زمان مدخولها - عن يوم الدين وهو ظاهر في الزمان إنما هو بعناية أن يوم الدين لكونه موعوداً ملحق بالزمانيات فيسأل عنه كما يسأل عن الزمانيات بأيان ومتى كما يقال: متى يوم العيد لكونه ذا شأن ملحقاً لذلك بالزمانيات كذا قيل.
ويمكن أن يكون من التوسع في معنى الظرفية بأن يعدّ أوصاف الظرف الخاصة به ظرفاً توسعاً فيكون السؤال عن زمان الزمان سؤالاً عن أنه بعد أي زمان أو قبل أي زمان؟ كما يقال: متى يوم العيد؟ فيجاب بأنه بعد عشرة أيام مثلاً أو قبل يوم كذا، وهو توسع جار في العرف غير مختصّ بكلام العرب، وفي القرآن منه شيء كثير.
قوله تعالى: { يوم هم على النار يفتنون } ضمير الجمع للخراصين، والفتن في الأصل إدخال الذهب النار ليظهر جودته ثم استعمل في مطلق الإِحراق والتعذيب، والظرف متعلق بفعل محذوف أو مبتدأ، والآية جواب عن سؤالهم عدل فيه عن بيان وقت يوم الدين إلى بيان صفته والإِشارة إلى حالهم فيه لما أن وقته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله قال تعالى: { لا يجليها لوقتها إلا هو }.
وتقدير الآية ومعناها: يقع يوم الدين أو هو واقع يوم هم أي الخراصون في النار يعذبون أو يحرقون.
قوله تعالى: { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } حكاية خطاب منه تعالى أو من الملائكة بأمره للخراصين وهم يفتنون على النار يومئذٍ.
والمعنى: يقال لهم ذوقوا العذاب الذي يخصكم. هذا العذاب هو الذي كنتم تستعجلون به إذ تقولون استعجالاً واستهزاء: أيان يوم الدين.
قوله تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون } بيان لحال المتقين يوم الدين بعد وصف حال أُولئك الخراصين.
وتنكير جنات وعيون للإِشارة إلى عظم قدرها كأنها بحيث لا يقدر الواصفون على وصفها، وقد أُلحقت العيون بالجنات في ظرفيتها توسعاً.
قوله تعالى: { آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } أي قابلين ما أعطاهم ربهم الرؤوف بهم راضين عنه وبما أعطاهم كما يفيده خصوص التعبير بالأخذ والإِيتاء ونسبة الإِيتاء إلى ربهم.
وقوله: { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } تعليل لما تقدمه أي إن حالهم تلك الحال لأنهم كانوا قبل ذلك أي في الدنيا ذوي إحسان في أعمالهم أي ذوي أعمال حسنة.
قوله تعالى: { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } الآيات تفسير لإِحسانهم، والهجوع النوم في الليل وقيل: النوم القليل.
ويمكن أن تكون: ما زائدة و { يهجعون } خبر كانوا، و { قليلاً } ظرفاً متعلقاً به أي في زمان قليل أو صفة لمفعول مطلق محذوف أي هجوعاً قليلاً { ومن الليل } متعلقاً بقليلاً والمعنى: كانوا ينامون في زمان قليل من الليل أو ينامون الليل نوماً قليلاً.
وأن تكون موصولة والضمير العائد إليها محذوفاً و { قليلاً } خبر كانوا والموصول فاعله والمعنى: كانوا قليلاً من الليل الذي يهجعون فيه.
وأن تكون مصدرية والمصدر المسبوك منها ومن مدخولها فاعلاً لقوله: { قليلاً } وهو خبر { كانوا }.
وعلى أي حال فالقليل من الليل إما مأخوذ بالقياس إلى مجموع زمان كل ليلة فيفيد أنهم يهجعون كل ليلة زماناً قليلاً منها ويصلون أكثرها، وإما مأخوذ بالقياس إلى مجموع الليالي فيفيد أنهم يهجعون في قليل من الليالي ويقومون للصلاة في أكثرها أي لا يفوتهم صلاة الليل إلا في قليل من الليالي.
قوله تعالى: { وبالأسحار هم يستغفرون } أي يسألون الله المغفرة لذنوبهم، وقيل: المراد بالاستغفار الصلاة وهو كما ترى.
قوله تعالى: { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } الآيتان السابقتان تبينان خاصة سيرتهم في جنب الله سبحانه وهي قيام الليل والاستغفار بالأسحار وهذه الآية تبين خاصة سيرتهم في جنب الناس وهي إيتاء السائل والمحروم.
وتخصيص حق السائل والمحروم بأنه في أموالهم - مع أنه لو ثبت فإنما يثبت في كل مال - دليل على أن المراد أنهم يرون بصفاء فطرتهم أن في أموالهم حقاً لهما فيعملون بما يعملون نشراً للرحمة وإيثاراً للحسنة.
والسائل هو الذي يسأل العطية بإظهار الفاقة والمحروم هو الذي حرم الرزق فلم ينجح سعيه في طلبه ولا يسأل تعففاً.
(بحث روائي)
في تفسير القمي حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: { والذاريات ذرواً } فقال: إن ابن الكوّا سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن { الذاريات ذرواً } قال: الريح، وعن { فالحاملات وقراً } فقال: هي السحاب، وعن { فالجاريات يسراً } فقال: هي السفن، وعن { فالمقسمات أمراً } فقال: الملائكة.
أقول: والحديث مروي من طرق أهل السنة أيضاً كما في روح المعاني.
وفي الدر المنثور أخرج عبد الرزاق والفاريابي وسعيد بن منصور والحارث بن أبي أسامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق عن علي بن أبي طالب في قوله: { والذاريات ذرواً } قال: الرياح { فالحاملات وقراً } قال: السحاب { فالجاريات يسراً } قال: السفن { فالمقسمات أمراً } قال: الملائكة.
وفي المجمع قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليه السلام: لا يجوز لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى، والله يقسم بما شاء من خلقه.
وفي الدر المنثور أخرج ابن منيع عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن قوله: { والسماء ذات الحبك } قال: ذات الخلق الحسن.
أقول: وروي مثله في المجمع ولفظه: وقيل: ذات الحسن والزينة عن علي عليه السلام وفي جوامع الجامع ولفظه: وعن علي عليه السلام حسنها وزينتها.
وفي بعض الأخبار في قوله تعالى: { إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أُفك } تطبيقه على الولاية.
وفي المجمع في قوله تعالى: { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } وقيل معناه: كانوا أقل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وفيه في قوله تعالى: { وبالأسحار هم يستغفرون } وقال أبو عبد الله عليه السلام: كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرة في السحر.
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردوية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن آخر الليل في التهجد أحب إليَّ من أوله لأن الله يقول: { وبالأسحار هم يستغفرون }"
]. وفيه أخرج ابن مردوية عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: { وبالأسحار هم يستغفرون } قال: "يصلون"
]. أقول: لعل تفسير الاستغفار بالصلاة من جهة اشتمال الوتر عليه كإرادة الصلاة من القرآن في قوله: { { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [الإسراء: 78]. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } قال: السائل الذي يسأل، والمحروم الذي قد منع كده.
وفي التهذيب بإسناده عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام: في الآية قال: المحروم المحارف الذي قد حرم كد يده في الشراء والبيع.
قال: وفي رواية أُخرى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: المحروم الرجل ليس بعقله بأس ولا يبسط له في الرزق وهو محارف.