التفاسير

< >
عرض

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
١٣
هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
١٤
أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ
١٥
ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٦
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ
١٧
فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
١٨
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٩
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ
٢٠
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
٢١
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
٢٤
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٥
قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ
٢٦
فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ
٢٧
إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ
٢٨
-الطور

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
تذكر الآيات من يقع عليهم هذا العذاب الذي لا ريب في تحققه ووقوعه، وتصف حالهم إذ ذاك، وهذا هو الغرض الأصيل في السورة كما تقدمت الإشارة إليه وأما ما وقع في الآيات من وصف حال المتقين يومئذ فهو من باب التطفل لتأكيد الإنذار المقصود.
قوله تعالى: { فويل يومئذ للمكذبين } تفريع على ما دلت عليه الآيات السابقة من تحقق وقوع العذاب يوم القيامة أي إذا كان الأمر كما ذكر ولم يكن محيص عن وقوع العذاب فويل لمن يقع عليه وهم المكذبون لا محالة فالجملة تدل على كون المعذبين هم المكذبين بالاستلزام وعلى تعلق الويل بهم بالمطابقة.
أو التقدير إذا كان العذاب واقعاً لا محالة ولا محالة لا يقع إلا على المكذبين لأنهم الكافرون بالله المكذبون ليوم القيامة فويل يومئذ لهم، فالدال على تعلق العذاب بالمكذبين هو قوله: { عذاب ربك } لأن عذاب الله إنما يقع على من دعاه فلم يجبه وكذب دعوته.
قوله تعالى: { الذين هم في خوض يلعبون } الخوض هو الدخول في باطل القول قال الراغب: الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه انتهى، وتنوين التنكير في { خوض } يدل على صفة محذوفة أي في خوض عجيب.
ولما كان الاشتغال بباطل القول لا يفيد نتيجة حقة إلا نتيجة خيالية يزينها الوهم للخائض سماه لعباً - واللعب من الأفعال ما ليس له إلا الأثر الخيالي -.
والمعنى: الذين هم مستمرون في خوض عجيب يلعبون بالمجادلة في آيات الله وإنكارها والاستهزاء بها.
قوله تعالى: { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } الدعُّ هو الدفع الشديد، والظاهر أن { يوم } بيان لقوله: { يومئذ }.
قوله تعالى: { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } أي يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها تكذبون، والمراد بالتكذيب بالنار التكذيب بما أخبر به الأنبياء عليهم السلام بوحي من الله من وجود هذه النار وأنه سيعذب بها المجرمون ومحصل المعنى: هذه مصداق ما أخبر به الأنبياء فكذبتم به.
قوله تعالى: { أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون } تفريع على قوله: { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } والاستفهام للإنكار تفريعاً لهم أي إذا كانت هذه هي تلك النار التي كنتم تكذبون بها فليس هذا سحراً كما كنتم ترمون إخبار الأنبياء بها أنه سحر وليس هذا أمراً موهوماً خرافياً كما كنتم تتفوهون به بل أمر مبصر معاين لكم فالآية في معنى قوله تعالى:
{ { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق } [الأحقاف: 34]. وبما مر من المعنى يظهر أن { أم } في قوله: { أم أنتم لا تبصرون } متصلة وقيل: منقطعة ولا يخلو من بعد.
قوله تعالى: { اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون }، الصلي بالفتح فالسكون مقاساة حرارة النار فمعنى اصلوها قاسوا حرارة نار جهنم.
وقوله: { فاصبروا أو لا تصبروا } تفريـــع علــى الأمــر بالمقاســاة، والترديد بين الأمر والنهي كناية عن مساواة الفعل والترك، ولذا أتبعه بقوله: { سواء عليكم } أي هذه المقاساة لازمة لكم لا تفارقكم سواء صبرتم أو لم تصبروا فلا الصبر يرفع عنكم العذاب أو يخففه ولا الجزع وترك الصبر ينفع لكم شيئاً.
وقوله: { سواء عليكم } خبر مبتدأ محذوف أي هما سواء وإفراد { سواء } لكونه مصدراً في الأصل.
وقوله: { إنما تجزون ما كنتم تعملون } في مقام التعليل لما ذكر من ملازمة العذاب ومساواة الصبر والجزع.
والمعنى: إنما يلازمكم هذا الجزاء السيء ولا يفارقكم لأنكم تجزون بأعمالكم التي كنتم تعملونها ولا تسلب نسبة العمل عن عامله فالعذاب يلازمكم أو تجزون بتبعات ما كنتم تعملون وجزائه.
قوله تعالى: { إن المتقين في جنات ونعيم } الجنة البستان تجنبه الأشجار وتستره، والنعيم النعمة الكثيرة أي إن المتصفين بتقوى الله يومئذٍ في جنات يسكنون فيها ونعمة كثيرة تحيط بهم.
قوله تعالى: { فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم } الفاكهة مطلق الثمرة، وقيل: هي الثمرة غير العنب والرمان، ويقال: تفكّه وفكه إذا تعاطى الفكاهة، وتفكّه وفكه إذا تناول الفاكهة، وقد فسّرت الآية بكل من المعنيين فقيل: المعنى: يتحدثون بما آتاهم ربهم من النعيم، وقيل: المعنى: يتناولون الفواكه والثمار التي آتاهم ربهم، وقيل: المعنى: يتلذذون بإحسان ربهم ومرجعه إلى المعنى الأول، وقيل: معناه فاكهين معجبين بما آتاهم ربهم، ولعل مرجعه إلى المعنى الثاني.
وتكرار { ربهم } في قوله: { ووقاهم ربهم عذاب الجحيم } لإفادة مزيد العناية بهم.
قوله تعالى: { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } أي يقال لهم: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً أو طعاماً وشراباً هنيئاً، فهنيئاً وصف قائم مقام مفعول مطلق أو مفعول به.
وقوله: { بما كنتم تعملون } متعلق بقوله: { كلوا واشربوا } أو بقوله: { هنيئاً }.
قوله تعالى: { متكئين على سرر مصفوفة وزوّجناهم بحور عين } الاتكاء الاعتماد على الوسادة ونحوها، والسرر جمع سرير، ومصفوفة من الصف أي مصطفة موصولة بعضها ببعض، والمعنى: متكئين على الوسائد والنمارق قاعدين على سرر مصطفة.
وقوله: { وزوّجناهم بحور عين } المراد بالتزويج القرن أي قرنّاهم بهنَّ دون النكاح بالعقد، والدليل عليه تعدّيه بالباء فإن التزويج بمعنى النكاح بالعقد متعدّ بنفسها، قال تعالى:
{ { زوّجناكها } [الأحزاب: 37]، كذا قيل.
قوله تعالى: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } الخ، قيل: الفرق بين الاتباع واللحوق مع اعتبار التقدم والتأخر فيهما جميعاً أنه يعتبر في الاتباع اشتراك بين التابع والمتبوع في مورد الاتباع بخلاف اللحوق فاللاحق لا يشارك الملحوق في ما لحق به فيه.
ولات وألات بمعنى نقص فمعنى ما ألتناهم ما نقصناهم شيئاً من عملهم بالإلحاق.
وظاهر الآية أنها في مقام الامتنان فهو سبحانه يمتنّ على الذين آمنوا أنه سيلحق بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان فتقرّ بذلك أعينهم، وهذا هو القرينة على أن التنوين في { إيمان } للتنكير دون التعظيم.
والمعنى: اتبعوهم بنوع من الإيمان وإن قصر عن درجة إيمان آبائهم إذ لا امتنان لو كان إيمانهم أكمل من إيمان آبائهم أو مساوياً له.
وإطلاق الاتباع في الإيمان منصرف إلى اتباع من يصح منه في نفسه بالإيمان ببلوغه حداً يكلف به فالمراد بالذرية الأولاد الكبار المكلفون بالإيمان فالآية لا تشمل الأولاد الصغار الذين ماتوا قبل البلوغ، ولا ينافي ذلك كون صغار أولاد المؤمنين محكومين بالإيمان شرعاً.
اللهم إلا أن يستفاد العموم من تنكير الإيمان ويكون المعنى: واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ مّا سواء كان إيماناً في نفسه أو إيماناً بحسب حكم الشرع.
وكذا الامتنان قرينة على أن الضمير في قوله: { وما ألتناهم من عملهم من شيء } للذين آمنوا كالضميرين في قوله: { واتبعتهم ذريتهم } إذ قوله: { وما ألتناهم من عملهم من شيء } مسوق حينئذ لدفع توهم ورود النقص في الثواب على تقرير الإلحاق وهو ينافي الامتنان ومن المعلوم أن الذي ينافي الامتنان هو النقص في ثواب الآباء الملحق بهم دون الذرية.
فتحصّل أن قوله: { والذين آمنوا } الخ، استئناف يمتن تعالى فيه على الذين آمنوا بأنه سيلحق بهم أولادهم الذين اتبعوهم بنوع من الإيمان وإن كان قاصراً عن درجة إيمانهم لتقرّ به أعينهم، ولا ينقص مع ذلك من ثواب عمل الآباء بالإلحاق شيء بل يؤتيهم مثل ما آتاهم أو بنحو لا تزاحم فيه على ما هو أعلم به.
وفي معنى الآية أقوال أُخر لا تخلو من سخافة كقول بعضهم إن قوله: { والذين آمنوا } معطوف على { حور عين } والمعنى: وزوجناهم بحور عين وبالذين آمنوا يتمتعون من الحور العين بالنكاح وبالذين آمنوا بالرفاقة والصحبة، وقول بعضهم: إن المراد بالذرية صغار الأولاد فقط، وقول بعضهم: إن الضميرين في { وما ألتناهم من عملهم من شيء } للذرية والمعنى: وما نقصنا الذرية من عملهم شيئاً بسبب إلحاقهم بآبائهم بل نوفيهم أعمالهم من خير أو شر ثم نلحقهم بآبائهم.
وقوله: { كل امرئ بما كسب رهين } تعليل لقوله: { وما ألتناهم من عملهم من شيء } على ما يفيده السياق، والرهن والرهين والمرهون ما يوضع وثيقة للدين على ما ذكره الراغب قال: ولما كان الرهن يتصوَّر منه حبسه استعير ذلك لحبس أي شيء كان. انتهى.
ولعل هذا المعنى الاستعاري هو المراد في الآية والمرء رهن مقبوض ومحفوظ عند الله سبحانه بما كسبه من خير أو شر حتى يوفيه جزاء ما عمله من ثواب أو عقاب فلو نقص شيئاً من عمله ولم يوفه ذلك لم يكن رهين ما كسب بل رهين بعض ما عمل وامتلك بعضه الآخر غيره كذريته الملحقين به.
وأما قوله تعالى:
{ { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين } [المدثر: 38-39]، فالمراد كونها رهينة العذاب يوم القيامة كما يشهد به سياق ما بعده من قوله: { { في جنات يتساءلون عن المجرمين } [المدثر: 40-41]. وقيل: المراد كون المرء رهين عمله السيء كما تدل عليه آية سورة المدثر المذكورة آنفاً بشهادة استثناء أصحاب اليمين، والآية أعني قوله: { كل امرئ بما كسب رهين } جملة معترضة من صفات أهل النار اعترضت في صفات أهل الجنة.
وحمل صاحب الكشاف الآية على نوع من الاستعارة فرفع به التنافي بين الآيتين قال: كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فإن عمل صالحاً فكها وخلصها وإلا أوبقها. انتهى.
وأنت خبير بأن مجرد ما ذكره لا يوجه اتصال الجملة أعنى قوله: { كل امرئ بما كسب رهين } بما قبلها.
قوله تعالى: { وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون } بيان لبعض تتماتهم وتمتعاتهم في الجنة المذكورة إجمالاً في قوله السابق: { كلوا واشربوا هنيئاً } الخ.
والإمداد الإتيان بالشيء وقتاً بعد وقت ويستعمل في الخير كما أن المد يستعمل في الشر قال تعالى:
{ { ونمد له من العذاب مداً } [مريم: 79]. والمعنى: إنا نرزقهم بالفاكهة وما يشتهونه من اللحم رزقاً بعد رزق ووقتاً بعد وقت من غير انقطاع.
قوله تعالى: { يتنازعون فيها كاساً لا لغو فيها ولا تأثيم } التنازع في الكأس تعاطيها والاجتماع على تناولها، والكأس القدح ولا يطلق الكأس إلا فيما كان فيها الشراب.
والمراد باللغو لغو القول الذي يصدر من شاربي الخمر في الدنيا، والتأثيم جعل الشخص ذا إثم وهو أيضاً من آثار الخمر في الدنيا، ونفي اللغو والتأثيم هو القرينة على أن المراد بالكأس التي يتنازعون فيها كأس الخمر.
قوله تعالى: { ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون } المراد به طوافهم عليهم للخدمة قال بعضهم: قيل: { غلمان لهم } بالتنكير ولم يقل: غلمانهم لئلا يتوهم أن المراد بهم غلمانهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فهم كالحور من مخلوقات الجنة كأنهم لؤلؤ مكنون مخزون في الحسن والصباحة والصفا.
قوله تعالى: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } أي يسأل كل منهم غيره عن حاله في الدنيا وما الذي ساقه إلى الجنة والنعيم؟
قوله تعالى: { قالــوا إنــا كنــا قـبل فـــي أهلنـــا مشفقين } قال الراغب: والإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه قال تعالى: { وهم من الساعة مشفقون } فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر قال تعالى: { إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين }، انتهى.
فالمعنى: إنا كنا في الدنيا ذوي إشفاق في أهلنا نعتني بسعادتهم ونجاتهم من مهلكة الضلال فنعاشرهم بجميل المعاشرة ونسير فيهم ببث النصيحة والدعوة إلى الحق.
قوله تعالى: { فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم } المن على ما ذكره الراغب الإنعام بالنعمة الثقيلة ويكون بالفعل وهو حسن، وبالقول وهو قبيح من غيره تعالى، قال تعالى:
{ { يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [الحجرات: 17]. ومنّه تعالى على أهل الجنة إسعاده إياهم لدخولها بالرحمة وتمامه بوقايتهم عذاب السموم.
والسموم - على ما ذكره الطبرسي - الحر الذي يدخل في مسامّ البدن يتألم به ومنه ريح السموم.
قوله تعالى: { إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البرُّ الرحيم } تعليل قوله: { فمنَّ الله علينا } الخ، كما أن قوله: { إنه هو البرُّ الرحيم } تعليل له.
وتفيد هذه الآية مع الآيتين قبلها أن هؤلاء كانوا في الدنيا يدعون الله بتوحيده للعبادة والتسليم لأمره وكانوا مشفقين في أهلهم يقرّبونهم من الحق ويجنّبونهم الباطل فكان ذلك سبباً لمنّ الله عليهم بالجنة ووقايتهم من عذاب السموم، وإنما كان ذلك سبباً لذلك لأنه تعالى برّ رحيم فيحسن لمن دعاه ويرحمه.
فالآيات الثلاث في معنى قوله:
{ { إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [العصر: 2-3]. والبر من أسماء الله تعالى الحسنى، وهو من البر بمعنى الإحسان، وفسّره بعضهم باللطيف.
(بحث روائي)
في الكافي بإسناده عن أبي بكر عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } قال: فقال: قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحقوا الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم.
أقول: ورواه أيضاً في التوحيد بإسناده إلى أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام.
وفي تفسير القمي حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أطفال شيعتنا من المؤمنين تربيهم فاطمة عليها السلام، وقوله: { ألحقنا بهم ذريتهم } قال: يهدون إلى آبائهم يوم القيامة.
أقول: وروي في المجمع ذيل الحديث عنه عليه السلام مرسلاً.
وفي التوحيد بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا مات الطفل من أطفال المؤمنين نادى منادٍ في ملكوت السماوات والأرض ألا إن فلان بن فلان قد مات فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلا دفع إلى فاطمة تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فيدفعه إليه.
وفي الفقيه: وفي رواية الحسن بن محبوب عن علي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كفَّل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درّة فإذا كان يوم القيامة أُلبسوا وطُيّبوا وأُهدوا إلى آبائهم فهم ملوك في الجنة مع آبائهم، وهذا قول الله تعالى: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم }.
وفي المجمع روى زاذان عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن المؤمنين وأولادهم في الجنة" ، ثم قرأ هذه الآية.
وفي الدر المنثور أخرج البزار وابن مردويه عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"إن الله يرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل ثم قرأ { والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا الأبناء"
]. وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به وقرأ ابن عباس: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان } الآية.
أقول: والآية لا تشمل الآباء المذكورين في الحديث، والأنسب للدلالة عليه ما ذكره تعالى في دعاء الملائكة
{ { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [غافر: 8] الآية.
وفي تفسير القمي قوله: { لا لغو فيها ولا تأثيم } قال: ليس في الجنة غناء ولا فحش، ويشرب المؤمن ولا يأثم { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } قال: في الجنة.