التفاسير

< >
عرض

فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
الآيات تختم السورة وتأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك أُولئك المكذبين وشأنهم ولا يتعرض لحالهم، وأن يصبر لحكم ربه ويسبح بحمده، وفي خلالها مع ذلك تكرار إيعادهم بما أوعدهم به في أول السورة من عذاب واقع ليس له من دافع، وتضيف إليه الإيعاد بعذاب آخر دون ذلك للذين ظلموا.
قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون } { ذرهم } أمر بمعنى اتركهم وهو فعل لم يستعمل من تصريفاته إلا المستقبل والأمر، و { يصعقون } من الإصعاق بمعنى الإماتة وقيل: من الصعق بمعنى الإماتة.
لما أنذر سبحانه المكذبين لدعوته بعذاب واقع لا ريب فيه ثم رد جميع ما تعلل به أو يفرض أن يتعلل به أُولئك المكذبون، وذكر أنهم في الإصرار على الباطل بحيث لو عاينوا أوضح آية للحق أوَّلوه وردّوه، أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركهم وشأنهم، وهو تهديد كنائي بشمول العذاب لهم وحالهم هذه الحال.
والمراد باليوم الذي فيه يصعقون يوم نفخ الصور الذي يصعق فيه من في السماوات والأرض وهو من أشراط الساعة قال تعالى:
{ { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض } [الزمر: 68]. ويؤيد هذا المعنى قوله في الآية التالية: { يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم ينصرون } فإن انتفاء إغناء الكيد والنصر من خواص يوم القيامة الذي يسقط فيه عامة الأسباب والأمر يومئذ لله.
واستشكل بأنه لا يصعق يوم النفخ إلا من كان حياً وهؤلاء ليسوا بأحياء يومئذ والجواب أنه يصعق فيه جميع من في الدنيا من الأحياء ومن في البرزخ من الأموات وهؤلاء إن لم يكونوا في الدنيا ففي البرزخ.
على أنه يمكن أن يكون ضمير { يصعقون } راجعاً إلى الأحياء يومئذ، والتهديد إنما هو بالعذاب الواقع في هذا اليوم لا بالصعقة التي فيه.
وقيل: المراد به يوم بدر وهو بعيد، وقيل: المراد به يوم الموت، وفيه أنه لا يلائم السياق الظاهر في التهديد بما وقع في أول السورة وهو عذاب يوم القيامة لا عذاب يوم الموت.
قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون } لا يبعد أن يكون المراد به عذاب القبر، وقوله: { ولكن أكثرهم لا يعلمون } مشعر بأن فيهم من يعلم ذلك لكنه يصرّ على كفره وتكذيبه عناداً وقيل: المراد به يوم بدر لكن ذيل الآية لا يلائمه تلك الملاءمة.
قوله تعالى: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } عطف على قوله: { فذرهم } وظاهر السياق أن المراد بالحكم حكمه تعالى في المكذبين بالإمهال والإملاء والطبع على قلوبهم، وفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو إلى الحق بما فيه من الأذى في جنب الله فالمراد بقوله: { فإنك بأعيننا } أنك بمرئى منا نراك بحيث لا يخفى علينا شيء من حالك ولا نغفل عنك ففي تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر وتشديد للخطاب.
وقيل: المراد بقوله: { فإنك بأعيننا } أنك في حفظنا وحراستنا فالعين مجاز عن الحفظ، ولعل المعنى المتقدم أنسب للسياق.
قوله تعالى: { وسبّح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبّحه وإدبار النجوم } الباء في { بحمد } للمصاحبة أي سبح ربك ونزهه حال كونه مقارناً لحمده.
والمراد بقوله: { حين تقوم } قيل هو القيام من النوم، وقيل: هو القيام من القائلة، فهو صلاة الظهر، وقيل: هو القيام من المجلس، وقيل: هو كل قيام، وقيل: هو القيام إلى الفريضة وقيل: هو القيام إلى كل صلاة، وقيل: هو الركعتان قبل فريضة الصبح سبعة أقوال كما ذكره الطبرسي.
وقوله: { ومن الليل فسبحه } أي من الليل فسبح ربك فيه، والمراد به صلاة الليل، وقيل: المراد صلاتا المغرب والعشاء الآخرة.
وقوله: { وإدبار النجوم } قيل: المراد به وقت إدبار النجوم وهو اختفاؤها بضوء الصبح، وهو الركعتان قبل فريضة الصبح، وقيل: المراد فريضة الصبح، وقيل: المراد تسبيحه تعالى صباحاً ومساءً من غير غفلة عن ذكره.
(بحث روائي)
في تفسير القمي في قوله تعالى: { وسبح بحمد ربك حين تقوم } قال: لصلاة الليل { فسبحه } قال: صلاة الليل.
أقول: وروي هذا المعنى في مجمع البيان عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
وفيه بإسناده عن الرضا عليه السلام قال: إدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب وإدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح.
أقول: وروى ذيله في المجمع عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، والقمي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
وقد ورد من طرق أهل السنة في عدة من الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قام من مجلسه سبّح الله وحمده ويقول: إنه كفارة المجلس لكنها غير ظاهرة في كونها تفسيراً للآية.