التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ
١٩
وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٢٠
أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ
٢١
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ
٢٢
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ
٢٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ
٢٧
وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً
٢٨
فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٢٩
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ
٣٠
وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى
٣١
ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
-النجم

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
شطر من آيات الفصل الثاني من الفصول الثلاثة في السورة تتعرض لأمر الأوثان وعبادتها بدعوى أنها ستشفع لهم والردّ عليهم أبلغ الردّ، وفيها إشارة إلى أمر المعاد وهو مقصد الفصل الثالث.
قوله تعالى: { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } لما سجل في الآيات السابقة صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه وحي يوحى إليه وترتب عليه حقية النبوة المبنية على التوحيد ونفي الشركاء، فرّع عليه الكلام في الأوثان: اللات والعزى ومناة وهي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنهم إناث أو بعضها للملائكة وبعضها للإنسان كما قاله بعضهم ونفي ربوبيتها وأُلوهيتها واستقلال الملائكة الذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة وأُنوثيتهم وأشار إلى حقائق أخرى تنتج المعاد وجزاء الأعمال.
واللات والعزى ومناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهلية، وقد اختلفوا في وصف صورها، وفي موضعها الذي كانت منصوبة عليه، وفي من يعبدها من العرب، وفي الأسباب التي أوجبت عبادتهم لها، وهي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الإعتماد على شيء منها، والمتيقن منها ما أوردناه.
والمعنى: إذا كان الأمر على ما ذكرناه من حقية الدعوة وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوى الوحي والرسالة من عند الله سبحانه فأخبروني عن اللات والعزى ومناة التي هي ثالثة الصنمين وغيرهما - وهي التي تدَّعون أنها أصنام الملائكة الذين هم بنات الله زعمكم -.
قوله تعالى: { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى } استفهام إنكاري مشوب بالاستهزاء، وقسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة.
والمعنى: إذا كان كذلك وكانت أرباب هذه الأصنام من الملائكة بنات الله، وأنتم لا ترضون لأنفسكم إلا الذكر من الأولاد فهل لكم الذكر ولله سبحانه الأنثى من الأولاد؟ تلك القسمة إذاً قسمة جائرة غير عادلة - استهزاء -.
قوله تعالى: { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } الخ، ضمير { هي } للات والعزى ومناة أولها بما هي أصنام، وضمير { سميتموها } للأسماء وتسمية الأسماء جعلها أسماء، والمراد بالسلطان البرهان.
والمعنى: ليست هذه الأصنام الآلهة إلا أسماء جعلتموها أسماء لها أنتم وآباؤكم ليست لهذه الأسماء وراءها مصاديق ومسميات ما أنزل الله معها برهاناً يستدل به على ربوبيتها وأُلوهيتها.
ومحصل الآية الرد على المشركين بعدم الدليل على أُلوهية آلهتهم.
وقوله: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } { ما } موصولة والضمير العائد إليها محذوف أي الذي تهواه النفس، وقيل: مصدرية والتقدير هوى النفس والهوى الميل الشهواني للنفس والجملة مسوقة لذمّهم في اتباع الباطل وتأكيد لما تقدم من أنه لا برهان لهم على ذلك.
ويؤكده قوله: { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } والجملة حالية.
والمعنى: إن يتبع هؤلاء المشركون في أمر آلهتهم إلا الظن وما يميل إليه أنفسهم شهوة يتبعون ذلك والحال أنه قد جاءهم من الله وهو ربهم الهدى وهي الدعوة الحقة أو القرآن الذي يهديهم إلى الحق.
والالتفات في الآية من الخطاب إلى الغيبة للإشعار بأنهم أحط فهماً من أن يخاطبوا بهذا الكلام على أنهم غير مستعدين لأن يخاطبوا بكلام برهاني وهم أتباع الظن والهوى.
قوله تعالى: { أم للإنسان ما تمنى } { أم } منقطعة والاستفهام إنكاري، والكلام مسوق لنفي أن يملك الإنسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه أي ليس يملك الإنسان ما يتمناه بمجرد أنه يتمناه حتى يملك المشركون ما يتمنونه بهوى أنفسهم من شفاعة الملائكة الذين هم أرباب أصنامهم وبنات لله بزعمهم أو يملكوا ألوهية آلهتهم بمجرد التمني.
وفي الكلام تلويح إلى أنهم ليس لهم للدلالة على صحة ألوهية آلهتهم أو شفاعتهم إلا التمني، ولا يملك شيء بالتمني.
قوله تعالى: { فلله الآخرة والأولى } تفريعه على سابقه من تفريع العلة للمعلول للدلالة على التعلق والارتباط ففيه تعليل للجملة السابقة، والمعنى: ليس يملك الإنسان ما تمناه بمجرد التمني لأن الآخرة والأولى لله سبحانه ولا شريك له في ملكه.
قوله تعالى: { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } الفرق بين الإذن والرضا أن الإذن إعلام ارتفاع المانع من قبل الآذن، والرضا ملاءمة نفس الراضي للشيء وعدم امتناعها فربما تحقق الإذن بشيء مع عدم الرضا ولا يتحقق رضاً إلا مع الإذن بالفعل أو بالقوة.
والآية مسوقة لنفي أن يملك الملائكة من أنفسهم الشفاعة مستغنين في ذلك عن الله سبحانه كما يروم إليه عبدة الأصنام فإن الأمر مطلقاً إلى الله تعالى فإنما يشفع من يشفع منهم بعد إذنه تعالى له في الشفاعة ورضاه بها.
وعلى هذا فالمراد بقوله: { لمن يشاء } الملائكة، ومعنى الآية: وكثير من الملائكة في السماوات لا تؤثر شفاعتهم أثراً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء منهم أي من الملائكة ويرضى بشفاعته.
وقيل: المراد بمن يشاء ويرضى الإنسان، والمعنى: إلا من بعد أن يأذن الله في شفاعة من يشاء أن يشفع له من الإنسان ويرضى، وكيف يأذن ويرضى بشفاعة من كفر به وعبَدَ غيره؟
والآية تثبت الشفاعة للملائكة في الجملة، وتقيد شفاعتهم بالإذن والرضا من الله سبحانه.
قوله تعالى: { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمُّون الملائكة تسمية الأنثى } رد لقولهم بأنوثية الملائكة بعد رد قولهم بشفاعتهم.
والمراد بتسميتهم الملائكة تسمية الأنثى قولهم: إن الملائكة بنات الله فالمراد بالأنثى الجنس أعم من الواحد والكثير.
وقيل: إن الملائكة في معنى استغراق المفرد فيكون التقدير ليسمُّون كل واحد من الملائكة تسمية الأنثى أي يسمونه بنتاً فالكلام على وزان "كسانا الأمير حلَّة" أي كسا كل واحد منا حلة.
قال بعضهم: في تعليق التسمية بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترئ عليها إلا من لا يؤمن بها رأساً. انتهى.
قوله تعالى: { وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً } العلم هو التصديق المانع من النقيض، والظن هو التصديق الراجح ويسمى المرجوح وهماً، وقولهم بأنوثية الملائكة كما لم يكن معلوماً لهم كذلك لم يكن مظنوناً إذ لا سبيل إلى ترجيح القول به على خلافه لكنه لما كان عن هوى أنفسهم أثبته الهوى في أنفسهم وزيّنه لهم فلم يلتفتوا إلى خلافه، وكلما لاح لهم لائح خلافه أعرضوا عنه وتعلقوا بما يهوونه، وبهذه العناية سمي ظناً وهو في الحقيقة تصوُّر فقط.
وبهذا يظهر استقامة قول من قال: إن الظن في هذه الآية وفي قوله السابق: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } بمعنى التوهم دون الاعتقاد الراجح وأُيِّد بما يظهر من كلام الراغب: إن الظن ربما يطلق على التوهم.
وقوله: { إن الظن لا يغني من الحق شيئاً } الحق ما هو عليه الشيء وظاهر أنه لا يدرك إلا بالعلم الذي هو الاعتقاد المانع من النقيض لا غير وأما غير العلم مما فيه احتمال الخلاف فلا يتعين فيه المدرك على ما هو عليه في الواقع فلا مجوز لأن يعتمد عليه في الحقائق قال تعالى:
{ { ولا تقفُ ما ليس لك به علم } [الإسراء: 36]. وأما العمل بالظن في الأحكام العملية فإنما هو لقيام دليل عليه يقيد به إطلاق الآية، وتبقى الأمور الاعتقادية تحت إطلاق الآية.
قال بعضهم: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: { إن الظن لا يغني } ليجري الكلام مجرى المثل.
قوله تعالى: { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } تفريع على اتباعهم الظن وهوى الأنفس، فقوله: { فأعرض عمن } الخ، أمر بالإعراض عنهم وإنما لم يقل: فأعرض عنهم، ووضع قوله: { من تولى عن ذكرنا } الخ، موضع الضمير للدلالة على علة الأمر بالإعراض كأنه قيل: إن هؤلاء يتركون العلم ويتبعون الظن وما تهوى الأنفس وإنما فعلوا ذلك لأنهم تولوا عن الذكر وأرادوا الحياة الدنيا فلا همّ لهم إلا الدنيا فهي مبلغهم من العلم، وإذا كان كذلك فأعرض عنهم لأنهم في ضلال.
والمراد بالذكر إما القرآن الذي يهدي متبعيه إلى الحق الصريح ويرشدهم إلى سعادة الدار الآخرة التي وراء الدنيا بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة التي لا تبقى معها وصمة شك.
وإما ذكر الله بالمعنى المقابل للغفلة فإن ذكره تعالى بما يليق بذاته المتعالية من الأسماء والصفات يهدي إلى سائر الحقائق العلمية في المبدأ والمعاد هداية علمية لا ريب معها.
قوله تعالى: { ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } الإشارة بذلك إلى أمر الدنيا وهو معلوم من الآية السابقة وكونه مبلغ علمهم من قبيل الاستعارة كأن العلم يسير إلى المعلوم وينتهي إليه وعلمهم انتهى في مسيره إلى الدنيا وبلغها ووقف عندها ولم يتجاوزها، ولازم ذلك أن تكون الدنيا متعلق إرادتهم وطلبهم، وموطن همّهم، وغاية آمالهم لا يطمئنون إلى غيرها ولا يقبلون إلا عليها.
وقوله: { إن ربك هو أعلم } الخ، تأكيد لمضمون الجملة السابقة وشهادة منه تعالى عليه.
قوله تعالى: { ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } يمكن أن يكون صدر الآية حالاً من فاعل { أعلم } في الآية السابقة والواو للحال، والمعنى: إن ربك هو أعلم بالفريقين الضالين والمهتدين والحال أنه يملك ما في السماوات وما في الأرض فكيف يمكن أن لا يعلم بهم وهو مالكهم؟
وعلى هذا فالظاهر تعلق قوله: { ليجزي } الخ، بقوله السابق: { فأعرض عمن تولى } الخ، والمعنى: أعرض عنهم وكِلْ أمرهم إلى الله ليجزيهم كذا وكذا ويجزيك ويجزي المحسنين كذا وكذا.
ويمكن أن يكون قوله: { ولله ما في السماوات } الخ، كلاماً مستأنفاً للدلالة على أن الأمر بالإعراض عنهم لا لإهمالهم وتركهم سدى بل الله سبحانه يجزي كلاً بعمله إن سيئاً وإن حسناً، ووضع اسم الجلالة وهو ظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال العظمة.
وقوله: { لله ما في السماوات وما في الأرض } إشارة إلى ملكه تعالى للكل ومعناه قيام الأشياء به تعالى لكونه خالقهم الموجد لهم فالملك ناشىء من الخلق وهو مع ذلك منشأ للتدبير فالجملة دالة على الخلق والتدبير كأنه قيل: ولله الخلق والتدبير.
وبهذا المعنى يتعلق قوله: { ليجزي } الخ، واللام للغاية، والمعنى: له الخلق والتدبير وغاية ذلك والغرض منه أن يجزي الذين أساؤا الخ، والمراد بالجزاء ما يخبر عنه الكتاب من شؤون يوم القيامة، والمراد بالإساءة والإحسان المعصية والطاعة، والمراد بما عملوا جزاء ما عملوا أو نفس ما عملوا، وبالحسنى المثوبة الحسنى.
والمعنى: ليجزي الله الذين عصوا بمعصيتهم أو بجزاء معصيتهم ويجزي الذين أطاعوا بالمثوبة الحسنى، وقد أوردوا في الآية احتمالات أخرى وما قدمناه هو أظهرها.
قوله تعالى: { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } الخ، الإثم هو الذنب وأصله - كما ذكره الراغب - الفعل المبطئ عن الثواب والخير، وكبائر الإثم المعاصي الكبيرة وهو على ما في الرواية ما أوعد الله عليه النار، وقد تقدم البحث عنها في تفسير قوله تعالى:
{ { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } [النساء: 31] الآية.
والفواحش الذنوب الشنيعة الفظيعة، وقد عدّ تعالى في كلامه الزنا واللواط من الفواحش ولا يبعد أن يستظهر من الآية اتحادها مع الكبائر.
وأما اللمم فقد اختلفوا في معناه فقيل: هو الصغيرة من المعاصي، وعليه فالاستثناء منقطع، وقيل: هو أن يلمّ بالمعصية ويقصدها ولا يفعل والاستثناء أيضاً منقطع، وقيل: هو المعصية حيناً بعد حين من غير عادة أي المعصية على سبيل الاتفاق فيكون أعم من الصغيرة والكبيرة وينطبق مضمون الآية على معنى قوله تعالى في وصف المتقين المحسنين:
{ { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون } [آل عمران: 135]. وقد فسر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام بثالث المعاني.
والآية تفسر ما في الآية السابقة من قوله: { الذين أحسنوا } فهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ومن الجائز أن يقع منهم لمم.
وفي قوله: { إن ربك واسع المغفرة } تطميعهم في التوبة رجاء المغفرة.
وقوله: { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } قال الراغب: النشء والنشأة إحداث الشيء وتربيته. انتهى. فإنشاؤهم من الأرض ما جرى عليهم في بدء خلقهم طوراً بعد طور من أخذهم من المواد العنصرية إلى أن يتكونوا في صورة المني ويردوا الأرحام.
وقوله: { وإذ أنتم أجنة في بطون أُمهاتكم } الأجنة جمع جنين، والكلام معطوف على { إذ } السابق أي وهو أعلم بكم إذ كنتم أجنة في أرحام أُمهاتكم يعلم ما حقيقتكم وما أنتم عليه من الحال وما في سرّكم وإلى ما يؤول أمركم.
وقوله: { فلا تزكّوا أنفسكم } تفريع على العلم أي إذا كان الله أعلم من أول أمر فلا تزكّوا أنفسكم بنسبتها إلى الطهارة هو أعلم بمن اتقى.