التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ
١٣
-الممتحنة

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } الآية، سياق الآية يعطي أنها نزلت بعد صلح الحديبية، وكان في العهد المكتوب بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أهل مكة أنه إن لحق من أهل مكة رجل بالمسلمين ردُّوه إليهم وإن لحق من المسلمين رجل بأهل مكة لم يردُّوه إليهم ثم إن بعض نساء المشركين أسلمت وهاجرت إلى المدينة فجاء زوجها يستردّها فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يردَّها إليه فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الذي شرطوه في العهد ردّ الرجال دون النساء ولم يردّها إليهم وأعطاه ما أنفق عليها من المهر وهو الذي تدل عليه الآية مع ما يناسب ذلك من أحكامهن.
فقوله: { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } سمَّاهن مؤمنات قبل امتحانهن والعلم بإيمانهن لتظاهرهن بذلك.
وقوله: { فامتحنوهن } أي اختبروا إيمانهن بها يظهر به ذلك من شهادة وحلف يفيد العلم والوثوق، وفي قوله: { الله أعلم بإيمانهن } إشارة إلى أنه يجزي في ذلك العلم العادي والوثوق دون اليقين بحقيقة الإيمان الذي هو تعالى أعلم به علماً لا يتخلف عنه معلومه.
وقوله: { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } ذكرهم بوصف الإيمان للإشارة إلى أنه السبب للحكم وانقطاع علقة الزوجية بين المؤمنة والكافر.
وقوله: { لا هنَّ حلّ لهم ولا هم يحلُّون لهن } مجموع الجملتين كناية عن انقطاع علقة الزوجية، وليس من توجيه الحرمة إليهن وإليهم في شيء.
وقوله: { وآتوهم ما أنفقوا } أي أعطوا الزوج الكافر ما أنفق عليها من المهر.
وقوله: { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أُجورهن } رفع المانع من نكاح المؤمنات المهاجرت إذا أُوتين أُجورهن والأجر المهر.
وقوله: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } العصم جمع عصمة وهي النكاح الدائم يعصم المرأة ويحصنها، وإمساك العصمة إبقاء الرجل - بعد ما أسلم - زوجته الكافرة على زوجيتها فعليه بعدما أسلم أن يخلي عن سبيل زوجته الكافرة سواء كانت مشركة أو كتابية.
وقد تقدم في تفسير قوله:
{ { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ } [البقرة: 221]، وقوله: { { والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم } [المائدة: 5]، أن لا نسخ بين الآيتين وبين الآية التي نحن فيها.
وقوله: { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } ضمير الجمع في { واسألوا } للمؤمنين وفي { ليسألوا } للكفار أي إن لحقت امرأة منكم بالكفار فاسألوهم ما أنفقتم لها من مهر ولهم أن يسألوا مهر من لحقت بكم من نسائهم.
ثم تمم الآية بالإشارة إلى أن ما تضمنته الآية حكم الله الذي شرع لهم فقال: { ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم }.
قوله تعالى: { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } الخ، قال الراغب: الفوت بُعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه، قال تعالى: { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار }. انتهى. وفسّر المعاقبة والعقاب بمعنى الوصول والانتهاء إلى عقبى الشيء، والمراد عاقبتم من الكفار أي أصبتم منهم غنيمة وهي عقبى الغزو، وقيل: عاقب بمعنى عقَّب، وقيل: عاقب مأخوذ من العقبة بمعنى النوبة.
والأقرب أن يكون المراد بالشيء المهر و { من } في { من أزواجكم } لابتداء الغاية و { إلى الكفار } متعلق بقوله: { فاتكم } والمراد بالذين ذهبت أزواجهم، بعض المؤمنين وإليهم يعود ضمير { أنفقوا }.
والمعنى: وإن ذهب وانفلت منكم إلى الكفار مهر من أزواجكم بلحوقهن بهم وعدم ردِّهم ما أنفقتم من المهر إليكم فأصبتم منهم بالغزو غنيمة فأعطوا المؤمنين الذين ذهبت أزواجهم إليهم مما أصبتم من الغنيمة مثل ما أنفقوا من المهر.
وفسّرت الآية بوجوه أخرى بعيدة عن الفهم أغمضنا عنها.
وقوله: { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } أمر بالتقوى، وتوصيفه تعالى بالموصول والصلة لتعليل الحكم فإن من مقتضى الإيمان بالله تقواه.
قوله تعالى: { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } الخ، تتضمن الآية حكم بيعة النساء المؤمنات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد شرطت عليهن في { على أن لا تشركن } الخ، أُموراً منها ما هو مشترك بين الصنفين: الرجال والنساء كالتحرّز من الشرك ومن معصية الرسول في معروف ومنها ما هو أمس بهن من حيث أن تدبير المنزل بحسب الطبع إليهن وهن السبيل إلى حفظ عفة البيت والحصول على الأنسال وطهارة مواليدهم، وهي التجنب من السرقة والزنا وقتل الأولاد وإلحاق غير أولاد أزواجهن بهم، وإن كانت هذه الأمور بوجه من المشتركات.
فقوله: { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } شرط جوابه قوله: { فبايعهن واستغفر لهن الله }.
وقوله: { على أن لا يشركن بالله شيئاً } أي من الأصنام والأوثان والأرباب، وهذا شرط لا غنى عنه لإنسان في حال.
وقوله: { ولا يسرقن } أي لا من أزواجهن ولا من غيرهم وخاصة من أزواجهن كما يفيده السياق، وقوله: { ولا يزنين } أي باتخاذ الأخدان وغير ذلك وقوله: { ولا يقتلن أولادهن } بالوأد وغيره وإسقاط الأجنة.
وقوله: { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } وذلك بأن يحملن من الزنا ثم يضعنه وينسبنه إلى أزواجهن فإلحاقهن الولد كذلك بأزواجهن ونسبته إليهم كذباً بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن لأن الولد إذا وضعته أُمة سقط بين يديها ورجليها، ولا يغني عن هذا الشرط شرط الاجتناب عن الزنا لأنهما متغايران وكل مستقل بالنهي والتحريم.
وقوله: { ولا يعصينك في معروف } نسب المعصية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون الله مع أنها تنتهي إليه تعالى لأن المراد أن لا يتخلفن بالمعصية عن السنة التي يستنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينفذها في المجتمع الإسلامي فيكون ما سنه هو المعروف عند المسلمين وفي المجتمع الإسلامي.
ومن هنا يظهر أن المعصية في المعروف أعم من ترك المعروف كترك الصلاة والزكاة وفعل المنكر كتبرجهن تبرج الجاهلية الأولى.
وفي قوله: { إن الله غفور رحيم } بيان لمقتضى المغفرة وتقوية للرجاء.
قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم } الخ، المراد بهم اليهود المغضوب عليهم وقد تكرر في كلامه تعالى فيهم
{ { وباءوا بغضب من الله } [آل عمران: 112]، ويشهد بذلك ذيل الآية فإن الظاهر أن المراد بالقوم غير الكفار.
وقوله: { يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } المراد بالآخرة ثوابها، والمراد بالكفار الكافرون بالله المنكرون للبعث، وقيل: المراد مشركوا مكة واللام للعهد، و { من } في { من أصحاب القبور } لابتداء الغاية.
والجملة بيان لشقائهم الخالد وهلاكهم المؤبد ليحذر المؤمنون من موالاتهم وموادتهم والاختلاط بهم والمعنى: قد يئس اليهود من ثواب الآخرة كما يئس منكرو البعث من الموتى المدفونين في القبور.
وقيل: المراد بالكفار الذين يدفنون الموتى ويوارونهم في الأرض - من الكفر بمعنى الستر -.
وقيل: المراد بهم كفار الموتى و { من } بيانية والمعنى: يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس الكفار المدفونون في القبور منه لقوله:
{ { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أُولئك عليهم لعنة الله } [البقرة: 161].
(بحث روائي)
في المجمع عن ابن عباس صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو لهم ولم يردوه عليه وكتبوا بذلك كتاباً وختموا عليه.
فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم - وقال مقاتل: هو صيفي بن الراهب - في طلبها وكان كافراً فقال يا محمد أردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن تردَّ علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام فامتحنوهن }.
قال ابن عباس: امتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج، ولا رغبة عن أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، وما خرجت إلا حباً لله ولرسوله فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما خرجت بغضاً لزوجها، ولا عشقاً لرجل منا، وما خرجت إلا رغبة في الإسلام فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب.
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء إذا امتحن ويعطي أزواجهن مهورهن.
قال: قال الزهري: ولما نزلت هذه الآية وفيها قوله: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين: قرنية بنت أبي أُمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة، والأخرى أُم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أُم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذاقة بن غانم رجل من قومها وهما على شركهما.
وكانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أُمية وكانت ممن فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نساء الكفار فحبسها وزوجها خالداً.
وأُمية بنت بشر كانت عند الثابت بن الدحداحة ففرت منه - وهو يومئذ كافر - إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل.
قال: قال الشعبي: وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت ولحقت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة وأقام أبو العاص مشركاً بمكة ثم أتى المدينة فآمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: وقال الجبائي: لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء ولم يجز للنساء ذكر، وإن أُم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردها عليهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما.
أقول: وهذه المعاني مروية في روايات أخرى من طرق أهل السنة أورد كثيراً منها السيوطي في الدر المنثور، وروى امتحان المهاجرات كما تقدم ثم عدم ردهن على الكفار وإعطائهم المهر القمي في تفسيره.
وفيه وقال الزهري: فكان جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعات عن الإسلام ست نسوة: أُم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شدَّاد الفهري، وفاطمة بنت أبي أُمية بن المغيرة أُخت أُم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدَّت، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعبدة بنت عبد العزى بن فضلة وزوجها عمرو بن عبدود، وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل، وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهور نسائهم من الغنيمة.
وفي الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا ينبغي نكاح أهل الكتاب قلت: جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال: قوله: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }.
أقول: والرواية مبنية على عموم الإمساك بالعصم للنكاح الدائم إحداثاً وإبقاء.
وفيه بإسناده أيضاً إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى: { والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم } فقال: هذه منسوخة بقوله: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }.
أقول: ولعل المراد بنسخ آية الإمساك بالعصم لآية حلية محصنات أهل الكتاب إختصاص آية الممتحنة بالنكاح الدائم وتخصص آية المائدة بالنسبة إلى النكاح الدائم بها، واختصاص ما تدل عليه من الحلية بالنكاح المنقطع، وليس المراد به النسخ المصطلح كيف؟ وآية الممتحنة سابقة نزولاً على آية المائدة ولا وجه لنسخ السابق للاحق. على أن آية المائدة مسوقة سوق الامتنان، وما هذا شأنه يأبى النسخ.
وفي المجمع في قوله تعالى: { والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب } وروى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أنه منسوخ بقوله: { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ } وبقوله: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }.
أقول: ويضعِّف الرواية - مضافاً إلى ضعف راويها - أن قوله: { ولا تنكحوا المشركات } الخ، إنما يشمل المشركات من الوثنيين، وقوله: { والمحصنات } الخ، يفيد حلّية نكاح أهل الكتاب فلا تدافع بين الآيتين حتى تنسخ إحداهما الأخرى، وقد تقدم آنفاً الكلام في نسخ آية الممتحنة لقوله: { والمحصنات } الخ، وقد تقدم في تفسير قوله:
{ { والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم } [المائدة: 5]، ما ينفع في هذا المقام.
وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } فلحقن بالكفار من أهل عهدكم فاسألوهم صداقها، وإن لحقن بكم من نسائهم شيء فأعطوهم صداقها ذلكم حكم الله يحكم بينكم.
أقول: ظاهره تفسير { شيء } بالمرأة.
وفي الكافي بإسناده عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة بايع الرجال ثم جاءت النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل: { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } إلى آخر الآية.
قالت هند: أما الولد فقد ربَّيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً، وقالت أُم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله ما ذاك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ قال: لا تلطمن خدّاً، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تشققن جيباً، ولا تسوّدن ثوباً، ولا تدعين بويل، فبايعهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا.
فقالت: يا رسول الله كيف نبايعك؟ قال: إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال: أدخلن أيديكن في هذا الماء.
أقول: والروايات مستفيضة في هذه المعاني من طرق الشيعة وأهل السنة.
وفي تفسير القمي بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: { ولا يعصينك في معروف } قال: هو ما فرض الله عليهن من الصلاة والزكاة وما أمرهن به من خير.
أقول: والرواية تشهد بأن ما ورد في الروايات من تفسير المعروف بمثل قوله: لا تلطمن خداً الخ، وفي بعضها أن لا تتبرَّجن تبرُّج الجاهلية الأولى من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.