التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٩
وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١٠
وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١١
-المنافقون

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
تنبيه للمؤمنين أن يتجنبوا عن بعض الصفات التي تورث النفاق وهو التلهّي بالمال والأولاد والبخل.
قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله } الخ، الإِلهاء الإِشغال، والمراد بإلهاء الأموال والأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإِعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى:
{ { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } [الكهف: 46]، والاشتغال بها يوجب خلوّ القلب عن ذكر الله ونسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل وتصديق قلبي ونسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى: { { نسوا الله فنسيهم } [التوبة: 67] وهو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: { { أُولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم } [البقرة: 16]. وإليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله: { ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون }.
والأصل هو نهي المؤمنين عن التلهّي بالأموال والأولاد وتبديله من نهي الأموال والأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإِلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح.
قوله تعالى: { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } الخ، أمر بالإنفاق في البر أعم من الإنفاق الواجب كالزكاة والكفارات أو المندوب، وتقييده بقوله: { مما رزقناكم } للإشعار بأن أمره لهذا ليس سؤالاً لما يملكونه دونه، وإنما هو شيء هو معطيه لهم ورزق هو رازقه وملك هو ملَّكهم إياه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شيء منه فيما يريد فله المنَّة عليهم في كل حال.
وقوله: { من قبل أن يأتي أحدكم الموت } أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالإنفاق في سبيل الله.
وقوله: { فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب } عطف على قوله: { أن يأتي } الخ، وتقييد الأجل بالقريب للاشعار بأنه قانع بقليل من التمديد - وهو مقدار ما يسع الإنفاق من العمر - ليسهل إجابته، ولأن الأجل أيّاً ما كان فهو قريب، ومن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم: كل ما هو آتٍ قريب.
وقوله: { فأصّدَّق وأكن من الصالحين } نصب { فأصدق } لكونه في جواب التمني، وجزم { أكن } لكونه في معنى جزاء الشرط، والتقدير إن أتصدق أكن من الصالحين.
قوله تعالى: { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } إيآس لهم من استجابة دعاء من يسأل تأخير الأجل بعد حلوله والموت بعد نزوله وظهور آيات الآخرة، وقد تكرر في كلامه تعالى أن الأجل المسمّى من مصاديق القضاء المحتوم كقوله:
{ { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [يونس: 49]. وقوله: { والله خبير بما تعملون } حال من ضمير { أحدكم } أو عطف على أول الكلام ويفيد فائدة التعليل، والمعنى: لا تتلهّوا وأنفقوا فإن الله عليم بأعمالكم يجازيكم بها.
(بحث روائي)
في الفقيه وسئل عن قول الله تعالى: { فأصدق وأكن من الصالحين } قال: { أصدق } من الصدقة، و { أكن من الصالحين } أحج.
أقول: الظاهر أن ذيل الحديث من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.
وفي المجمع عن ابن عباس قال: ما من أحد يموت وكان له مال فلم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت.
قالوا: يا ابن عباس اتق الله فإنما نرى هذا الكافر يسأل الرجعة فقال: أنا أقرأ به عليكم قرآناً ثم قرأ هذه الآية - يعني قوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم } إلى قوله { من الصالحين } قال: الصلاح هنا الحج، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.
أقول: ورواه في الدر المنثور عن عدة من أرباب الجوامع عن ابن عباس.
وفي تفسير القمي بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } قال: إن عند الله كتباً موقوفة يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون إلى مثلها فذلك قوله: { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } إذا نزله الله وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخر.