التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً
٩
وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
١٠
وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
١١
إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً
١٢
وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً
١٣
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً
١٤
إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً
١٥
فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً
١٦
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً
١٧
ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً
١٨
إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
١٩
-المزمل

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
السورة تأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقيام الليل والصلاة فيه ليستعد بذلك لتلقي ثقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل والقرآن الموحى إليه، وتأمره أن يصبر على ما يقولون فيه إنه شاعر أو كاهن أو مجنون إلى غير ذلك ويهجرهم هجراً جميلاً، وفيها وعيد وإنذار للكفار وتعميم الحكم لسائر المؤمنين، وفي آخرها تخفيف ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين.
والسورة مكية من عتائق السور النازلة في أول البعثة حتى قيل: إنها ثانية السور النازلة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ثالثتها.
قوله تعالى: { يا أيها المزمل } بتشديد الزاي والميم وأصله المتزمل اسم فاعل من التزمل بمعنى التلفف بالثوب لنوم ونحوه، وظاهرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان قد تزمل بثوب للنوم فنزل عليه الوحي وخوطب بالمزمل.
وليس في الخطاب به تهجين ولا تحسين كما توهمه بعضهم، نعم يمكن أن يستفاد من سياق الآيات أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان قد قوبل في دعوته بالهزء والسخرية والإِيذاء فاغتم في الله فتزمل بثوب لينام دفعاً للهم فخوطب بالمزمل وأمر بقيام الليل والصلاة فيه والصبر على ما يقولون على حد قوله تعالى:
{ { واستعينوا بالصبر والصلاة } [البقرة: 45]، فأفيد بذلك أن عليه أن يقاوم الكرب العظام والنوائب المرة بالصلاة والصبر لا بالتزمل والنوم.
وقيل: المراد يا أيها المتزمل بعباءة النبوة أي المتحمل لأثقالها، ولا شاهد عليه من جهة اللفظ.
قوله تعالى: { قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً } المراد بقيام الليل القيام فيه إلى الصلاة فالليل مفعول به توسعاً كما في قولهم: دخلت الدار، وقيل: معمول { قم } مقدر و { الليل } منصوب على الظرفية والتقدير قم إلى الصلاة في الليل، وقوله: { إلا قليلاً } استثناء من الليل.
وقوله: { نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه } ظاهر السياق أنه بدل من { الليل إلا قليلاً } المتعلق به تكليف القيام، وضميرا { منه } و { عليه } للنصف، وضمير { نصفه } لليل، والمعنى قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلاً أو زد على النصف قليلاً، والترديد بين الثلاثة للتخيير فقد خير بين قيام النصف وقيام أقل من النصف بقليل وقيام أكثر منه بقليل.
وقيل: { نصفه } بدل من المستثنى أعني { قليلاً } فيكون المعنى قم الليل إلا نصفه أو انقص من النصف قليلاً فقم أكثر من النصف بقليل أو زد على النصف فقم أقل من النصف، وتكون جملة البدل رافعاً لإِبهام المستثنى بالمطابقة ولإِبهام المستثنى منه بالالتزام عكس الوجه السابق.
والوجهان وإن اتحدا في النتيجة غير أن الوجه السابق أسبق إلى الذهن لأن الحاجة إلى رفع الإِبهام عن متعلق الحكم أقدم من الحاجة إلى رفع الإِبهام عن توابعه وملحقاته فكون قوله: { نصفه }: الخ بدلاً من الليل ولازمه رفع إبهام متعلق التكليف بالمطابقة أسبق إلى الذهن من كونه بدلاً من { قليلاً }.
وقيل: إن نصفه بدل من الليل لكن المراد بالقليل القليل من الليالي دون القليل من أجزاء الليل، والمعنى قم نصف الليل أو انقص منه قليلاً أو زد عليه إلا قليلاً من الليالي وهي ليالي العذر من مرض أو غلبة نوم أو نحو ذلك، ولا بأس بهذا الوجه لكن الوجه الأول أسبق منه إلى الذهن.
وقوله: { ورتل القرآن ترتيلاً } ترتيل القرآن تلاوته بتبيين حروفه على تواليها، والجملة معطوفة على قوله: { قم الليل } أي قم الليل واقرأ القرآن بترتيل.
والظاهر أن المراد بترتيل القرآن ترتيله في الصلاة أو المراد به الصلاة نفسها وقد عبر سبحانه عن الصلاة بنظير هذا التعبير في قوله:
{ { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [الإسراء: 78]، وقيل: المراد إيجاب قراءة القرآن دون الصلاة.
قوله تعالى: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } الثقل كيفية جسمانية من خاصته أنه يشق حمل الجسم الثقيل ونقله من مكان إلى مكان وربما يستعار للمعاني إذا شق على النفس تحملها أو لم تطقها فربما أُضيف إلى القول من جهة معناه فعد ثقيلاً لتضمنه معنى يشق على النفس إدراكه أو لا تطيق فهمه أو تتحرج من تلقيه كدقائق الأنظار العلمية إذا القيت على الافهام العامة أو لتضمنه حقائق يصعب التحقق بها أو تكاليف يشق الاتيان بها والمداومة عليها.
والقرآن قول إلهي ثقيل بكلا المعنيين: أما من حيث تلقي معناه فإنه كلام إلهي مأخوذ من ساحة العظمة والكبرياء لا تتلقاه إلا نفس طاهرة من كل دنس منقطع عن كل سبب إلا الله سبحانه، وكتاب عزيز له ظهر وبطن وتنزيل وتأويل تبياناً لكل شيء، وقد كان ثقله مشهوداً من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما كان يأخذه من البرحاء وشبه الإِغماء على ما وردت به الأخبار المستفيضة.
وأما من حيث التحقق بحقيقة التوحيد وما يتبعها من الحقائق الاعتقادية فكفى في الاشارة إلى ثقله قوله تعالى:
{ { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } [الحشر: 21]، وقوله تعالى: { { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } [الرعد: 31]. وأما من حيث القيام بما يشتمل عليه من أمر الدعوة وإقامة مراسم الدين الحنيف، وإظهاره على الدين كله فيشهد به ما لقي صلى الله عليه وآله وسلم من المصائب والمحن في سبيل الله والأذى في جنب الله على ما تشهد به الآيات القرآنية الحاكية لما لقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين والكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض من أنواع الإِيذاء والهزء والجفاء.
فقوله: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } المراد بالقول الثقيل القرآن العظيم على ما يسبق إلى الذهن من سياق هذه الآيات النازلة في أول البعثة، وبه فسره المفسرون.
والآية في مقام التعليل للحكم المدلول عليه بقوله: { قم الليل } الخ فتفيد بمقتضى السياق - والخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم - أن أمره بقيام الليل والتوجه فيه إليه تعالى بصلاة الليل تهيئة له وإعداد لكرامة القرب وشرف الحضور والقاء قول ثقيل فقيام الليل هي السبيل المؤدية إلى هذا الموقف الكريم وقد عد سبحانه صلاة الليل سبيلاً إليه في قوله الآتي: { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً }.
وقد زاد سبحانه وعداً على ما في هذه الآية في قوله:
{ { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } [الإسراء: 79]، وقد تقدم معنى المقام المحمود في تفسير الآية.
واذ كان من ثقل القرآن ثقله من حيث التحقق بحقائقه ومن حيث استجابته فيما يندب إليه من الشرائع والأحكام فهو ثقيل على الأُمة كما هو ثقيل عليه صلى الله عليه وآله وسلم ومعنى الآية أنا سنوحي اليك قولاً يثقل عليك وعلى أُمتك أما ثقله عليه صلى الله عليه وآله وسلم فلما في التحقق بحقائقه من الصعوبة ولما فيه من محنة الرسالة وما يتبعها من الأذى في جنب الله وترك الراحة والدعة ومجاهدة النفس والانقطاع إلى الله مضافاً إلى ما في تلقيه من مصدر الوحي من الجهد، وأما ثقله على أُمته فلأنهم يشاركونه صلى الله عليه وآله وسلم في لزوم التحقق بحقائقه واتباع أوامره ونواهيه ورعاية حدوده كل طائفة منهم على قدر طاقته.
وللقوم في معنى ثقل القرآن أقول أُخر:
منها: أنه ثقيل بمعنى أنه عظيم الشأن متين رصين كما يقال: هذا كلام له وزن إذا كان واقعاً موقعه.
ومنها: أنه ثقيل في الميزان يوم القيامة حقيقة أو مجازاً بمعنى كثرة الثواب عليه.
ومنها: أنه ثقيل على الكفار والمنافقين بما له من الإِعجاز وبما فيه من الوعيد.
ومنها: أن ثقله كناية عن بقائه على وجه الدهر لأن الثقيل من شأنه أن يبقى ويثبت في مكانه.
ومنها: غير ذلك والوجوه المذكورة وإن كانت لا بأس بها في نفسها لكن ما تقدم من الوجه هو الظاهر السابق إلى الذهن.
قوله تعالى: { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً إن لك في النهار سبحاً طويلاً } الآية الأولى في مقام التعليل لاختيار الليل وقتاً لهذه الصلاة، والآية الثانية في مقام التعليل لترك النهار والاعراض عنه كما أن الآية السابقة أعني قوله: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } في مقام التعليل لتشريع أصل هذه الصلاة.
فقوله: { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً } الناشئة أما مصدر كالعاقبة والعافية بمعنى النشأة وهي الحدوث والتكون، وأما اسم فاعل من النشأة مضاف إلى موصوفه وكيف كان فالمراد بها الليل وإطلاق الحادثة على الليل كإطلاقها على سائر أجزاء الخلقة وربما قيل: إنها الصلاة في الليل ووطؤ الأرض وضع القدم عليها، وكونها أشد وطأ كناية عن كونها أثبت قدماً لصفاء النفس وعدم تكدرها بالشواغل النهارية وقيل: الوطء مواطاة القلب اللسان وأيد بقراءة "أشد وطاء" والمراد بكونها أقوم قيلاً كونها أثبت قولاً وأصوب لحضور القلب وهدو الأصوات.
والمعنى: أن حادثة الليل أو الصلاة في الليل هي أثبت قدماً - أو أشد في مواطاة القلب اللسان وأثبت قولاً وأصوب لما أن الله جعل الليل سكناً يستتبع انقطاع الإِنسان عن شواغل المعيشة إلى نفسه وفراغ باله.
وقوله: { إن لك في النهار سبحاً طويلاً } السبح المشي السريع في الماء والسبح الطويل في النهار كناية عن الغور في مهمات المعاش وأنواع التقلب في قضاء حوائج الحياة.
والمعنى: إن لك في النهار مشاغل كثيرة تشتغل بها مستوعبة لا تدع لك فراغاً تشتغل فيه بالتوجه التام إلى ربك والانقطاع إليه بذكره فعليك بالليل والصلاة فيه.
وقيل: المعنى إن لك في النهار فراغاً لنومك وتدبير أمر معاشك والتصرف في حوائجك فتهجد في الليل.
وقيل: المعنى إن لك في النهار فراغاً فإن فاتك من الليل شيء أمكنك أن تتداركه في النهار وتقضيه فيه فالآية في معنى قوله:
{ { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً } [الفرقان: 62]. والذي قدمناه من المعنى أنسب للمقام.
قوله تعالى: { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً } الظاهر أنه يصف صلاة الليل فهو كالعطف التفسيري على قوله: { ورتل القرآن ترتيلاً } وعلى هذا فالمراد بذكر اسم الرب تعالى الذكر اللفظي بمواطاة من القلب وكذا المراد بالتبتل التبتل مع اللفظ.
وقيل: الآية تعميم بعد التخصيص والمراد بالذكر دوام ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان من تسبيح وتحميد وصلاة وقراءة قرآن وغير ذلك، وإنما فسر الذكر بالدوام لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينسه تعالى حتى يؤمر بذكره، والمراد الدوام العرفي دون الحقيقي لعدم إمكانه. انتهى.
وفيه أنه إن أراد بالذكر الذكر اللفظي فعدم نسيانه صلى الله عليه وآله وسلم ربه تعالى لا ينافي أمره بالذكر اللفظي، وإن أراد ما يعم الذكر القلبي فهو ممنوع ولو سلم ففيه أولاً أن عدم نسيانه صلى الله عليه وآله وسلم ربه إلى حين الخطاب لا ينافي أمره بذكره بعده وثانياً أن عدّه الدوام الحقيقي غير ممكن وحمل الدوام على العرفي وهم ناش عن عدم تحصيل المعنى على ما هو عليه فالله جل ذكره مذكور للإِنسان لا يغيب عنه ولا لحظه سواء تنبه عليه الإِنسان أو غفل عنه. ومن الممكن أن يعرّفه الله نفسه بحيث لا يغفل عنه ولا في حال قال تعالى:
{ { فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } [فصلت: 38] وقال: { { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [الأنبياء: 20]، وقد تقدم في تفسير الآيتين وآخر سورة الأعراف أن ذلك لا يختص بالملائكة.
وبالجملة قوله: { واذكر اسم ربك } أمر بذكر اسم من أسمائه أو لفظ الجلالة خاصة وقيل: المراد به البسملة.
وفي قوله: { ربك } التفات عن التكلم مع الغير في قوله: { إنا سنلقي } إلى الغيبة ولعل الوجه فيه إيقاظ ذلة العبودية التي هي الرابطة بين العبد وربه، بذكر صفة الربوبية.
وقوله { وتبتل إليه تبتيلاً } فسر التبتل بالانقطاع أي وانقطع إلى الله، ومن المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن التبتل رفع اليد إلى الله والتضرع إليه، وهذا المعنى أنسب بناء على حمل الذكر على الذكر اللفظي كما تقدم.
و { تبتيلاً } مفعول مطلق ظاهراً وكان مقتضى الظاهر أن يقال: وتبتل إليه تبتلاً فالعدول إلى التبتيل قيل: لتضمين تبتل معنى بتل، والمعنى وقطع نفسك من غيره إليه تقطيعاً أو احمل نفسك على رفع اليد إليه والتضرع حملاً، وقيل: لمراعاة الفواصل.
قوله تعالى: { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً } وصف مقطوع عن الوصفية والتقدير هو رب المشرق والمغرب، ورب المشرق والمغرب في معنى رب العالم كله فإن المشرق والمغرب جهتان نسبيتان تشملان جهات العالم المشهود كلها، وإنما اختصا بالذكر لمناسبة ما تقدم من ذكر الليل والنهار المرتبطين بالشروق والغروب.
وإنما لم يقتصر في الاشارة إلى ربوبيته تعالى بقوله السابق: { ربك } للإِيذان بأنه صلى الله عليه وآله وسلم مأمور باتخاذه رباً لأنه ربه ورب العالم كله لا لأنه ربه وحده كما ربما كان الرجل من الوثنيين يتخذ صنماً لنفسه فحسب غير ما اتخذه غيره من الأصنام ولو كان اتخاذه صلى الله عليه وآله وسلم له تعالى رباً من هذا القبيل أو احتمل ذلك لم تصح دعوته إلى التوحيد.
وليكون قوله: ربك رب المشرق والمغرب - وهو في معنى رب العالم كله - توطئة وتمهيداً لقوله بعده: { لا إله إلا هو } يعلل به توحيد الالوهية فإن الالوهية وهي المعبودية من فروع الربوبية التي هي الملك والتدبير كما تقدم مراراً فهو تعالى الإِله وحده لا إله إلا هو لأنه الرب وحده لا رب إلا هو.
وقوله: { فاتخذه وكيلاً } أي في جميع أمورك، وتوكيل الوكيل هو إقامة الانسان غيره مقام نفسه بحيث تقوم إرادته مقام إرادته وعمله مقام عمله فاتخاذه تعالى وكيلاً أن يرى الانسان الأمر كله له وإليه تعالى أما في الأمور الخارجية والحوادث الكونية فأن لا يرى لنفسه ولا لشيء من الأسباب الظاهرية استقلالاً في التأثير فلا مؤثر في الوجود بحقيقة معنى التأثير إلا الله فلا يتعلق بتأثير سبب من الأسباب برضى أو سخط أو سرور أو أسف وغير ذلك بل يتوسل إلى مقاصده ومآربه بما عرّفه الله من الأسباب من غير أن يطمئن إلى استقلالها في التأثير ويرجع الظفر بالمطلوب إلى الله ليختار له ما يرتضيه.
وأما الأمور التي لها تعلق بالعمل من العبادات والمعاملات فأن يجعل إرادته تابعة لإرادة ربه التشريعية فيعمل على حسب ما يريده الله تعالى منه فيما شرّع من الشريعة.
ومن هنا يظهر أن لقوله: { فاتخذه وكيلاً } ارتباطاً بقوله: { واذكر اسم ربك } الخ وما تقدم عليه من الأوامر التشريعية كما أن له ارتباطاً بما تأخر عنه من قوله { واصبر } وقوله { اهجر } وقوله: { وذرني }.
قوله تعالى: { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً } معطوف هو وما بعده على مدخول الفاء في قوله: { فاتخذه وكيلاً } فالمعنى اتخذه وكيلاً ولازم اتخاذه وكيلاً أن تصبر على ما يقولون مما فيه إيذاؤك والاستهزاء بك ورميك بما ليس فيك كقولهم: افترى على الله، كاهن شاعر، مجنون، أساطير الأولين وغير ذلك مما يقصه القرآن.
وأن تهجرهم هجراً جميلاً، والمراد بالهجر الجميل على ما يعطيه السياق أن يعاملهم بحسن الخلق والدعوة إلى الحق بالمناصحة، ولا يواجه قولهم بما في وسعه من المقابلة بالمثل، والآية لا تدافع آية القتال فلا وجه لقول من قال: إنها منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً } تهديد للكفار يقال: دعني وفلاناً وذرني وفلاناً أي لا تحل بيني وبينه حتى أنتقم منه.
والمراد بالمكذبين أولي النعمة الكفار المذكورون في الآية السابقة أو رؤساؤهم المتبوعون، والجمع بين توصيفهم بالمكذبين وتوصيفهم بأولي النعمة للإِشارة إلى علة ما يهددهم به من العذاب فإن تكذيبهم بالدعوة الإِلهية وهم متنعمون بنعمة ربهم كفران منهم بالنعمة وجزاء الكفران سلب النعمة وتبديلها من النقمة.
والمراد بالقليل الذي يمهلونه الزمان القليل الذي يمكثون في الأرض حتى يرجعوا إلى ربهم فيحاسبهم ويجازيهم قال تعالى:
{ { إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } [المعارج: 6-7]، وقال: { { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [آل عمران: 197]. والآية بظاهرها عامة، وقيل: وعيد لهم بوقعة بدر وليس بظاهر، وفي الآية التفات عن الغيبة في { ربك } إلى التكلم وحده في { ذرني } ولعل الوجه فيه تشديد التهديد بنسبة الأمر إليه سبحانه نفسه ثم التفت في قوله: { إن لدينا } إلى التكلم مع الغير للدلالة على العظمة.
قوله تعالى: { إن لدينا أنكالاً وجحيماً } تعليل لقوله { ذرني } الخ والأنكال القيود، قال الراغب يقال: نكل عن الشيء ضعف وعجز، ونكلته قيدته والنكل - بالكسر فالسكون - قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين, والجمع الأنكال انتهى، وقال: الجحمة شدة تأجج النار ومنه الجحيم، انتهى.
قوله تعالى: { وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً } قال في المجمع: الغصة تردد اللقمة في الحلق ولا يسيغها آكلها يقال: غصَّ بريقه يغص غصصاً، وفي قلبه غصة من كذا وهي كاللدغة التي لا يسوغ معها الطعام والشراب، انتهى.
والآيتان تذكران نقم الآخرة التي بدلت منها نعم الدنيا جزاء لكفرانهم بنعم الله.
قوله تعالى: { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } ظرف للعذاب الموعود في الآيتين السابقتين، قال الراغب: الرجف الاضطراب الشديد يقال: رجفت الأرض والبحر انتهى. وفي المجمع: الكثيب الرمل المجتمع الكثير، وهلت أهيله هيلاً فهو مهيل إذا حرك أسفله فسال أعلاه انتهى، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً } إنذار للمكذبين أولي النعمة من قومه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما أوعد مطلق المكذبين أولي النعمة بما أعد لهم من العذاب يوم القيامة بقياس حالهم إلى حال فرعون المستكبر على الله ورسوله المستذل لرسول الله ومن آمن معه من قومه ثم قرع أسماعهم بما انتهى إليه أمر فرعون من أخذ الله له أخذاً وبيلاً فليتعظوا وليأخذوا حذرهم.
وفي الآية التفات عن الغيبة إلى الخطاب كأن المتكلم لما أوعدهم بالعذاب على الغيبة هاج به الوجد على أولئك المكذبين بما يلقون أنفسهم بأيديهم إلى الهلاك الأبدي لسفاهة رأيهم فشافههم بالإِنذار ليرتفع عن أنفسهم أي شك وترديد وتتم عليهم الحجة ولعلهم يتقون، ولذا عقب قياسهم إلى فرعون وقياس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى موسى عليه السلام والإِشارة إلى عقابه أمر فرعون بقوله { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً } الخ.
فقوله: { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } إشارة إلى تصديق رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبله تعالى وشهادته على أعمالهم بتحملها في الدنيا وتأديتها يوم القيامة، وقد تقدم البحث عن معنى شهادة الأعمال في الآيات المشتملة عليها مراراً، وفي الإِشارة إلى شهادته صلى الله عليه وآله وسلم نوع زجر لهم عن عصيانه ومخالفته وتكذيبه.
وقوله: { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً } هو موسى بن عمران عليه السلام.
قوله تعالى: { فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً } أي شديداً ثقيلاً. إشارة إلى عاقبة أمر فرعون في عصيانه موسى عليه السلام، وفي التعبير عن موسى بالرسول إشارة إلى أن السبب الموجب لأخذ فرعون مخالفته أمر رسالته لا نفس موسى بما أنه موسى، وإذا كان السبب هو مخالفة الرسالة فليحذروا مخالفة رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أن وضع الظاهر موضع الضمير في قوله: { فعصى فرعون } للإِيماء إلى أن ما كان له من العزة والعلو في الأرض والتبجح بكثرة العدة وسعة المملكة ونفوذ المشية لم يغن عنه شيئاً ولم يدفع عنه عذاب الله فما الظن بهؤلاء المكذبين؟ وهم كما قال الله:
{ { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } [ص: 11]. قوله تعالى: { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً } نسبة الاتقاء إلى اليوم من المجاز العقلي والمراد اتقاء العذاب الموعود فيه، وعليه فيوماً مفعول به لتتقون، وقيل: مفعول { تتقون } محذوف و { يوماً } ظرف له والتقدير فكيف تتقون العذاب الكائن في يوم، وقيل: المفعول محذوف و { يوماً } ظرف للاتقاء وقيل غير ذلك.
وقوله: { يجعل الولدان شيباً } الشيب جمع أشيب مقابل الشاب، وجعل الولدان شيباً كناية عن شدة اليوم لا عن طوله.
قوله تعالى: { السماء منفطر به كان وعده مفعولاً } إشارة بعد إشارة إلى شدة اليوم، والإِنفطار الانشقاق وتذكير الصفة لكون السماء جائز الوجهين يذكر ويؤنث، وضمير { به } لليوم، والباء بمعنى في أو للسببية، والمعنى السماء منشقة في ذلك اليوم أو بسبب ذلك اليوم أي بسبب شدته.
وقوله: { كان وعده مفعولاً } استئناف لتسجيل ما تقدم من الوعيد وأنه حتم مقضي ونسبة الوعد إلى ضميره تعالى لعله للإِشعار بأن لا يصلح لهذا الوعد إلا الله تعالى فيكفي فيه الضمير من غير حاجة إلى ذكره باسمه.
قوله تعالى: { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } الإِشارة بهذه إلى الآيات السابقة بما تشتمل عليه من القوارع والزواجر، والتذكرة الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه.
وقوله: { فمن شاء } مفعول { شاء } محذوف والمعروف في مثل هذا المورد أن يقدر المفعول من جنس الجواب والسياق يلائمه، والتقدير فمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً اتخذ الخ، وقيل: المقدر الاتعاظ، والمراد باتخاذ السبيل إليه إتخاذ السبيل إلى التقرب منه، والسبيل هو الإِيمان والطاعة هذا ما ذكره المفسرون.
ومن الممكن أن تكون هذه إشارة إلى ما تقدم في صدر السورة من الآيات النادبة إلى قيام الليل والتهجد فيه، والآية مسوقة لتوسعة الخطاب وتعميمه لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين بعد ما كان خطاب صدر الصورة مختصاً به صلى الله عليه وآله وسلم، والدليل على هذا التعميم قوله: { فمن شاء } الخ.
ويؤيد ما ذكرنا وقوع هذه الآية { إن هذه تذكرة } الخ بعينها في سورة الدهر بعد ما أُشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى: { وسبحه ليلاً طويلاً } ويستنتج من ذلك أن صلاة الليل سبيل خاصة تهدي العبد إلى ربه.
(بحث روائي)
في الدر المنثور أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسماً يصدر الناس عنه فقالوا: كاهن. قالوا ليس بكاهن. قالوا: مجنون. قالوا: ليس بمجنون. قالوا ساحر. قالوا: ليس بساحر. قالوا: يفرق بين الحبيب وحبيبه فتفرق المشركون على ذلك.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل فقال: يا أيها المزمل يا أيها المدثر.
أقول: آخر الرواية لا يخلو من شيء حيث إن ظاهرها نزول السورتين معاً. على أن القرآن حتى في سورة المدثر يحكي تسميتهم له صلى الله عليه وآله وسلم بألقاب السوء كالكاهن والساحر والمجنون والشاعر ولم يذكر فيها قولهم: يفرق بين الحبيب وحبيبه.
وفيه أخرج عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلما ينام من الليل لما قال الله له: { قم الليل إلا قليلاً }.
وفي الكشاف عن عائشة أنها سئلت: ما كان تزميله؟ قالت: كان مرطاً طوله أربع عشرة ذراعاً نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلي. فسئلت: ما كان؟ قالت: والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزياً ولا أبريسماً ولا صوفاً. كان سداه شعراً ولحمته وبراً.
أقول: الرواية مرمية بالوضع فإن السورة من العتائق النازلة بمكة، وعائشة إنما بنى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعد الهجرة.
وعن جوامع الجامع روي أنه قد دخل على خديجة وقد جئث فرقاً فقال: زملوني فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل: { يا أيها المزمل }.
وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين { إن ربك يعلم أنك تقوم } إلى قوله { وأقيموا الصلاة } فخفف الله عنهم بعد عشر سنين.
أقول: وروي نزول آية التخفيف بعد سنة وروي أيضاً نزولها بعد ثمانية أشهر، ولم يكن قيام الليل واجباً على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أشير إليه بقوله تعالى: { إن هذه تذكرة } الآية كما تقدم، ويؤيده ما في الرواية من قوله: "وطائفة من أصحابه".
وفي التهذيب بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى: { قم الليل إلا قليلاً } قال: أمره الله أن يصلي كل ليلة إلا أن تأتي عليه ليلة من الليالي لا يصلي فيها شيئاً.
أقول: الرواية تشير إلى أحد الوجوه في الآية.
وفي المجمع: وقيل: إن نصفه بدل من القليل فيكون بياناً للمستثنى، ويؤيد هذا القول ما روي عن الصادق عليه السلام قال: القليل النصف أو انقص من القليل قليلاً أو زد على القليل قليلاً.
وفي الدر المنثور أخرج العسكري في المواعظ عن علي عليه السلام
"أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن قول الله: { ورتل القرآن ترتيلاً } قال: بينه تبييناً" ، ولا تنثره نثر الدقل، ولا تهزه هز الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.
أقول: وروي هذا المعنى في أصول الكافي بإسناده عن عبد الله بن سليمان عن الصادق عن علي عليه السلام ولفظ بينه تبييناً ولا تهذه هذ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن افرغوا قلوبكم القاسية ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
وفيه أخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال:
"سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس أحسن قراءة قال الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله" .
وفي أصول الكافي بإسناده عن علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله عز وجل الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار.
وفي المجمع في معنى الترتيل عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك.
وفيه روي عن ام سلمة أنها قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع قراءته آية آية" .
وفيه عن أنس قال: " كان صلى الله عليه وآله وسلم يمد صوته مداً" .
وفيه "سأل الحارث بن هشام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو اشد علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحياناً يتمثل الملك رجلاً فأعي ما يقول."
قالت عائشة: إنه كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها.
قالت: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقاً.
وعن تفسير العياشي بإسناده عن عيسى بن عبيد عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً، وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بآخره.
وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء وثقل عليها الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض.
أقول: إن صحت الرواية كان ظهور أثر ثقل الوحي على الناقة أو البغلة من قبيل تجسم المعاني وكثيراً ما يوجد مثله فيما نقل من المعجزات وكرامات الأولياء، وأما اتصاف الوحي وهو كلام بالثقل المادي فغير معقول.
وفي التهذيب بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً } قال: يعني بقوله: { وأقوم قيلاً } قيام الرجل عن فراشه يريد به الله عز وجل لا يريد به غيره.
أقول: ورواه أيضاً بسندين آخرين في التهذيب والعلل عن هشام عنه عليه السلام.
وفي المجمع في قوله تعالى: { إن ناشئة الليل } الآية والمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: هي القيام في آخر الليل.
وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر عن حسين بن علي أنه رؤي يصلي بين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك؟ فقال: إنهما من الناشئة.
وفي المجمع في قوله تعالى: { وتبتل إليه تبتيلاً } وروى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أن التبتل هذا رفع اليدين في الصلاة وفي رواية أبي بصير قال: هو رفع يدك إلى الله وتضرعك.
أقول: وينطبق على قنوت الصلاة، وفي رواية هو رفع اليدين وتحريك السبابتين، وفي رواية الإِيماء بالإِصبع وفي رواية الدعاء باصبع واحدة يشير بها.
وفيه في قوله تعالى: { وطعاماً ذا غصة } الآية عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع قارئاً يقرأ هذا فصعق.
وفي تفسير القمي في قوله: { وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } قال: مثل الرمل ينحدر.