التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ
١
وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ
٢
وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ
٣
وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ
٤
وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ
٥
وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ
٦
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ
٧
وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ
٨
بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ
٩
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ
١٠
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ
١١
وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ
١٢
وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ
١٣
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ
١٤
-التكوير

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
تذكر السورة يوم القيامة بذكر بعض أشراطها وما يقع فيها وتصفه بأنه يوم ينكشف فيه للإِنسان ما عمله من عمل ثم تصف القرآن بأنه مما ألقاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسول سماوي وهو ملك الوحي وليس بإلقاء شيطاني ولا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجنون يمسه الشيطان.
ويشبه أن تكون السورة من السور العتائق النازلة في أوائل البعثة كما يشهد به ما فيها من تنزيهه صلى الله عليه وآله وسلم مما رموه به من الجنون وقد اتهموه به في أوائل الدعوة وقد اشتملت على تنزيهه منه سورة "ن" وهي من العتائق.
والسورة مكية بلا كلام.
قوله تعالى: { إذا الشمس كوّرت } التكوير اللف على طريق الإِدارة كلف العمامة على الرأس، ولعل المراد بتكوير الشمس انظلام جرمها على نحو الإِحاطة استعارة.
قوله تعالى: { وإذا النجوم انكدرت } انكدار الطائر من الهواء انقضاضه نحو الأرض، وعليه فالمراد سقوط النجوم كما يفيده قوله:
{ وإذا الكواكب انتثرت } [الإنفطار: 2] ويمكن أن يكون من الانكدار بمعنى التغيُّر وقبول الكدورة فيكون المراد به ذهاب ضوئها.
قوله تعالى: { وإذا الجبال سيِّرت } بما يصيبها من زلزلت الساعة التسيير فتندك وتكون هباء منبثاً وتصير سراباً على ما ذكره سبحانه في مواضع من كلامه.
قوله تعالى: { وإذا العشار عطِّلت } قيل: العشار جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء وهي الناقة الحامل التي أتت عليها عشرة أشهر فتسمى عشراء حتى تضع حملها وربما سميت عشراء بعد الوضع أيضاً وهي من أنفس المال عند العرب.
وتعطيل العشار تركها مهملة لا راعي لها ولا حافظ يحفظها وكأن في الجملة إشارة على نحو الكناية إلى أن نفائس الأموال التي يتنافس فيها الانسان تبقى اليوم ولا صاحب لها يتملكها ويتصرف فيها لأنهم مشغولون بأنفسهم عن كل شيء كما قال:
{ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } [عبس: 37]. قوله تعالى: { وإذا الوحوش حشرت } الوحوش جمع وحش وهو من الحيوان ما لا يتأنَّس بالإِنسان كالسباع وغيرها.
وظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أن الوحوش محشورة كالإِنسان، ويؤيده قوله تعالى:
{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أُمم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } [الأنعام: 38]. وأما تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ولا فيما يعتمد عليه من الاخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام: { أُمم أمثالكم }، وقوله: { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } بعض ما يتضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبر، وربما قيل: إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها.
قوله تعالى: { وإذا البحار سجِّرت } فسِّر التسجير بإضرام النار وفسر بالملأ والمعنى على الأول وإذا البحار أُضرمت ناراً، وعلى الثاني وإذا البحار ملئت.
قوله تعالى: { وإذا النفوس زوّجت } أما نفوس السعداء فبنساء الجنة قال تعالى:
{ لهم فيها أزواج مطهّرة } [النساء: 57]، وقال: { وزوجناهم بحور عين } [الطور: 20] وأما نفوس الأشقياء فبقرناء الشياطين قال تعالى: { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون } [الصافات: 22]، وقال: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيِّض له شيطاناً فهو له قرين } [الزخرف: 36]. قوله تعالى: { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت } الموؤودة البنت التي تدفن حية وكانت العرب تئد البنات خوفاً من لحوق العار بهم من أجلهن كما يشير إليه قوله تعالى: { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب } [النحل: 58-59]. والمسؤول بالحقيقة عن قتل الموؤودة أبوها الوائد لها لينتصف منه وينتقم لكن عد المسؤول في الآية هي الموؤودة نفسها فسئلت عن سبب قتلها لنوع من التعريض والتوبيخ لقاتلها وتوطئة لأن تسأل الله الانتصاف لها من قاتلها حتى يسأل عن قتلها فيؤخذ لها منه، فالكلام نظير قوله تعالى في عيسى عليه السلام: { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [المائدة: 116]. وقيل: إسناد المسؤولية إلى الموؤودة من المجاز العقلي والمراد كونها مسؤولاً عنها نظير قوله تعالى: { إن العهد كان مسؤولاً } [الإسراء: 34]. قوله تعالى: { وإذا الصحف نشرت } أي للحساب، والصحف كتب الأعمال.
قوله تعالى: { وإذا السماء كشطت } في المجمع الكشط القلع عن شدة التزاق فينطبق على طيها كما في قوله:
{ والسماوات مطويّات بيمينه } [الزمر: 67]، وقوله: { ويوم تشقّق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً } [الفرقان: 25]، وغير ذلك من الآيات المفصحة عن هذا المعنى.
قوله تعالى: { وإذا الجحيم سعِّرت } التسعير تهييج النار حتى تتأجج.
قوله تعالى: { وإذا الجنة أُزلفت } الإِزلاف التقريب والمراد تقريبها من أهلها للدخول.
قوله تعالى: { علمت نفس ما أحضرت } جواب إذا، والمراد بالنفس الجنس والمراد بما أحضرت عملها الذي عملته يقال: أحضرت الشيء أي وجدته حاضراً كما يقال: أحمدته أي وجدته محموداً.
فالآية في معنى قوله تعالى:
{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } [آل عمران: 30].
(بحث روائي)
في تفسير القمي: { إذا الشمس كوِّرت } قال: تصير سوداء مظلمة { وإذا النجوم انكدرت } قال: يذهب ضوؤها { وإذا الجبال سيِّرت } قال: تسير كما قال { تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب }. قوله: { وإذا العشار عطلت } قال الإِبل تتعطل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها، قوله: { وإذا البحار سجرت } قال: تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيراناً { وإذا النفوس زوجت } قال: من الحور العين.
وفيه في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: { وإذا النفوس زوِّجت } قال: أما أهل الجنة فزوَّجوا الخيرات الحسان، وأما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين والمنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم.
أقول: الظاهر أن قوله: يعني "الخ" من كلام الراوي.
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن أبي مريم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله:
"{ إذا الشمس كوّرت } قال: كورت في جهنم { وإذا النجوم انكدرت } قال: انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى ابن مريم وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها" ]. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: { وإذا الصحف نشرت } قال: صحف الأعمال قوله: { وإذا السماء كشطت } قال: أُبطلت.
وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
"{ وإذا النفوس زوِّجت } قال: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان الجنة والنار"
].