التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٤٩
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ
٥٠
قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ
٥٢
قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٥٣
وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ
٥٤
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ
٥٥
وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
٥٦
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
٥٧
وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
٥٨
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ
٥٩
إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦١
يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٦٢
أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ
٦٣
-التوبة

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
الآيات تعقّب القول في المنافقين وبيان حالهم وفيها ذكر أشياء من أقوالهم وأفعالهم، والبحث عمّا يكشف عنه من خبائث أوصافهم الباطنة واعتقاداتهم المبنية على الضلال.
قوله تعالى: { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا } الآية الفتنة ها هنا - على ما يهدي إليه السياق - إما الإِلقاء إلى ما يفتتن ويغر به، وإما الإِلقاء في الفتنة والبلية الشاملة.
والمراد على الأول: ائذن لي في القعود وعدم الخروج إلى الجهاد، ولا تلقني في الفتنة بتوصيف ما في هذه الغزوة من نفائس الغنائم ومشتهيات الأنفس فافتتن بها وأضطر إلى الخروج، وعلى الثاني ائذن لي ولا تلقني إلى ما في هذه الغزوة من المحنة والمصيبة والبليّة.
فأجاب الله عن قولهم بقوله: { ألا في الفتنة سقطوا } ومعناه أنهم يحترزون بحسب زعمهم عن فتنة مترقبة من قبل الخروج، وقد أخطأوا فإن الذي هم عليه من الكفر والنفاق وسوء السريرة، ومن آثاره هذا القول الذي تفوهوا به هو بعينه فتنة سقطوا فيها فقد فتنهم الشيطان بالغرور، ووقعوا في مهلكة الكفر والضلال وفتنته.
هذا حالهم في هذه النشأة الدنيوية وأما في الآخرة فإن جهنم لمحيطة بالكافرين على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا وسقوطهم فيها فقوله: { ألا في الفتنة سقطوا } وقوله: { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } كأنهما معاً يفيدان معنى واحداً وهو أن هؤلاء واقعون في الفتنة والتهلكة أبداً في الدنيا والآخرة.
ويمكن أن يفهم من قوله: { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } الإِحاطة بالفعل دون الإِحاطة الاستقبالية كما تهدي إليه الآيات الدالة على تجسم الأعمال.
قوله تعالى: { إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك سيئة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } المراد بالحسنة والسيئة بقرينة السياق ما تتعقبه الحروب والمغازي لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي، ومن سيئة القتل والجرح والهزيمة.
وقوله: { يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } كناية عن الاحتراز عن الشر قبل وقوعه كأن أمرهم كان خارجاً من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع.
فمعنى الآية أن هؤلاء المنافقين هواهم عليك: إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت أو أصبت بأي مصيبة أُخرى قالوا قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون.
وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين: قوله: { قل لن يصيبنا } الخ وقوله: { قل هل تربّصون } الخ.
قوله تعالى: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } محصّله أن ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدل عليه قوله: { هو مولانا } من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شيء من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الأمر وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر أو حسنة أو سيئة، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره والسعي لإِحياء أمره والجهاد في سبيله ولله المشيئة فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو سيئة فما على العبيد إلا ترك التدبير وامتثال الأمر وهو التوكل.
وبذلك يظهر: أن المراد بقوله: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ليس كلاماً مستأنفاً بل معطوف على ما قبله متمم له، والمعنى أن ولاية أمرنا لله ونحن مؤمنون به، ولازمه أن نتوكل عليه ونرجع الأمر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئاً من الحسنة والسيئة فلو أصابتنا حسنة كان المن له وإن أصابتنا سيئة كانت المشيئة والخيرة له، ولا لوم علينا ولا شماتة تتعلق بنا، ولا حزن ولا مساءة يطرء على قلوبنا.
وقد قال تعالى:
{ { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } [الحديد: 22-23]، وقال: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [التغابن: 11] وقال: { { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا } [محمد: 11] وقال: { { والله ولي المؤمنين } [آل عمران: 68]، وقال: { فالله هو الوليّ } [الشورى: 9]. والآيات - كما ترى - تتضمن أصول هذه الحقيقة التي تنبئ عنه الآية التي نتكلم فيها جواباً عن وهم المنافقين، وهي أن حقيقة الولاية لله سبحانه ليس إلى أحد من دونه من الأمر شيء فإذا آمن الإِنسان به وعرف مقام ربه علم ذلك وكان عليه أن يتوكل على ربه ويرجع إليه حقيقة المشيئة والخيرة فلا يفرح بحسنة اصابته، ولا يحزن لسيئة اصابته.
ومن الجهل أن يسوء الإِنسان ما أصابت عدوّه من حسنة أو يسرّه ما اصابته من سيئة فليس له من الأمر شيء، وهذا هو الجواب الأول عن مساءتهم بما أصاب المؤمنين من الحسنة وفرحهم بما أصابتهم من السيئة.
وظاهر كلام بعض المفسرين أن المولى في الآية بمعنى الناصر، وكذا ظاهر كلام بعضهم: أن قوله: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } جملة مستأنفة أمر الله فيها المؤمنين بالتوكل عليه، والسياق المشهود من الآيتين لا يساعد عليه.
قوله تعالى: { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم } الآية الحسنيان هما الحسنة والسيئة على ما يدل عليه الآية الأولى الحاكية أنهم يسوئهم ما أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسنة، وتسرهم ما أصابه من سيئة فيقولون قد أخذنا أمرنا من قبل فهم على حال تربص ينتظرون ما يقع به وبالمؤمنين من الحسنة أو السيئة.
والحسنة والسيئة كلتاهما حسنيان بحسب النظر الديني فإن في الحسنة حسنة الدنيا وعظيم الأجر عند الله، وفي السيئة التي هي الشهادة أو أي تعب وعناء أصابهم مرضاة الله وثواب خالد دائم.
ومعنى الآية أنا نحن وأنتم كل يتربص بصاحبه غير أنكم تتربصون بنا إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى وهما: الغلبة على العدو مع الغنيمة، والشهادة في سبيل الله، ونحن نتربص بكم أن يعذبكم { الله بعذاب من عنده } كالعذاب السماوي { أو } بعذاب يجري { بأيدينا } كأن يأمرنا بقتالكم وتطهير الأرض من قذارة وجودكم فنحن فائزون على أي حال، إن وقع شيء مما تربصتم سعدنا، وإن وقع ما تربصنا سعدنا { فتربصوا إنا معكم متربصون }، وهذا جواب ثان عن المنافقين.
وقد ذكر في الآية الأولى إصابة الحسنة والسيئة النبي صلى اله عليه وآله وسلم، وفي مقام الجواب في الآيتين الثانية والثالثة إصابتهما النبي والمؤمنين جميعاً لملازمتهم إياه ومشاركتهم إياه فيما أصابه من حسنة أو سيئة.
قوله تعالى: { قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوماً فاسقين } لفظ أمر في معنى الشرط. والترديد للتعميم ولفظ الأمر في هذه الموارد كناية عن عدم النهي وسد السبيل إيماء إلى أن الفعل لغو لا يترتب عليه أثر، وقوله: { لن يتقبل منكم } تعليل للأمر كما أن قوله تعالى: { إنكم كنتم قوماً فاسقين } تعليل لعدم القبول.
ومعنى الآية: لا نمنعكم عن الإِنفاق في حال من طوع أو كره فإنه لغو غير مقبول لأنكم فاسقون، ولا يقبل عمل الفاسقين، قال تعالى:
{ { إنما يتقبل الله من المتقين } [المائدة: 27] والتقبل أبلغ من القبول.
قوله تعالى: { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله } الخ الآية تعليل تفصيلي لعدم تقبل نفقاتهم، وبعبارة أُخرى بمنزلة الشرح لفسقهم، وقد عدت الكفر بالله تعالى ورسوله والكسل في إقامة الصلاة والكره في الإِنفاق أركاناً لنفاقهم.
قوله تعالى: { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها } إلى آخر الآية، الإِعجاب بالشيء السرور بما يشاهد فيه من جمال أو كمال أو نحوهما، والزهوق خروج الشيء بصعوبة وأصله الهلاك على ما قيل.
وقد نهى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الإِعجاب بأموال المنافقين وأولادهم أي بكثرتها على ما يعطيه السياق، وعلل ذلك بأن هذه الأموال والأولاد - وهي شاغلة للإِنسان لا محالة - ليست من النعمة التي تهتف لهم بالسعادة بل من النقمة التي تجرهم إلى الشقاء فإن الله وهو الذي خوّلهم إياها إنما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا، وتوفيهم وهم كافرون.
فإن الحياة التي يعدها الموجود الحي سعادة لنفسه وراحة لذاته إنما تكون سعادة فيها الراحة والبهجة إذا جرت على حقيقة مجراها وهو أن يتلبس الإِنسان بواقع آثارها من العلم النافع والعمل الصالح من غير أن يشتغل بغير ما فيه خيره ونفعه، فهذه هي الحياة التي لا موت فيها، والراحة التي لا تعب معها، واللذة التي لا ألم دونها، وهي الحياة في ولاية الله، قال تعالى:
{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [يونس: 62]. وأما من اشتغل بالدنيا وجذبته زيناتها من مال وبنين إلى نفسها وغرته الآمال والأماني الكاذبة التي تتراءى له منها واستهوته الشياطين فقد وقع في تناقضات القوى البدنية وتزاحمات اللذائذ المادية، وعذّب أشد العذاب بنفس ما يرى فيه سعادته ولذته فمن المشاهد المعاين أن الدنيا كلما زادت إقبالاً على الإِنسان، ومتعته بكثرة الأموال والأولاد أبعدته عن موقف العبودية وقربته إلى الهلاكة وعذاب الروح فلا يزال يتقلب بين هذه الأسباب الموافقة والمخالفة، والأوضاع والأحوال الملائمة والمزاحمة، فالذي يسميه هؤلاء المغفلون سعة العيش هو بالحقيقة ضنك كما قال تعالى: { { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } [طه: 124-126]. فغاية إعراض الإِنسان عن ذكر ربه، وانكبابه على الدنيا يبتغي به سعادة الحياة وراحة النفس ولذة الروح أن يعذّب بين أطباق هذه الفتن التي يراها نعماً، ويكفر بربه بالخروج عن زي العبودية كما قال: { إنما يريد الله ليعذبهم بها } { وتزهق أنفسهم وهم كافرون } وهو الإِملاء والاستدراج الذين يذكرهما في قوله: { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأُملي لهم إن كيدي متين } [الأعراف: 182-183]. قوله تعالى: { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم } إلى آخر الآيتين، الفرق انزعاج النفس من ضرر متوقع، والملجأ الموضع الذي يلتجأ إليه ويتحصن فيه، والمغار المحل الذي يغور فيه الإِنسان فيستره عن الأنظار، ويطلق على الغار وهو الثقب الذي يكون في الجبال، والمدخل من الافتعال الطريق الذي يتدسس بالدخول فيه، والجماح مضي المار مسرعاً على وجهه لا يصرفه عنه شيء، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } اللمز العيب، وإنما كانوا يعيبونه فيها إذا لم يعطهم منها لعدم استحقاقهم ذلك أو لأسباب أُخر كما يدل عليه ذيل الآية.
قوله تعالى: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله } إلى آخر الآية، { لو } للتمني وقوله: { رضوا ما آتاهم الله } كأن الرضى ضمن معنى الأخذ ولذا عدي بنفسه أي أخذوا ذلك راضين به أو رضوا آخذين ذلك، والإِيتاء الإِعطاء وحسبنا الله أي كفانا فيما نرغب إليه ونأمله.
وقوله: { سيؤتينا الله من فضله ورسوله } بيان لما يرغب إليه ويطمع فيه وليس اخباراً عما سيكون، وقوله: { إنا إلى الله راغبون } كالتعليل لقوله: { سيؤتينا الله } إلى آخر الآية.
والمعنى وكان مما يتمنى لهم أن يكونوا اخذوا ما أعطاهم الله ورسوله بأمر منه من مال الصدقات أو غيره، وقالوا كفانا الله سبحانه من سائر الأسباب ونحن راغبون في فضله ونطمع أن يؤتينا من فضله ويؤتينا رسوله.
وفي الآية ما لا يخفى من لطيف البيان حيث نسب الإِيتاء إلى الله وإلى رسوله وخص الكفاية والفضل والرغبة بالله على ما هو لازم دين التوحيد.
قوله تعالى: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } الآية، بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة وهي الزكوات بدليل قوله في آخر الآية: { فريضة من الله } وهي ثمانية. وارد على ظاهر ما يعطيه سياق الآية ولازمه أن يكون الفقير والمسكين موردين أحدهما غير الآخر.
وقد اختلفوا في الفقير والمسكين أنهما صنف واحد أو صنفان، ثم على الثاني في معناهما على أقوال كثيرة لا ينتهي أكثرها إلى حجة بيّنة، والذي يعطيه ظاهر لفظهما أن الفقير هو الذي اتصف بالعدم وفقدان ما يرفع حوائجه الحيوية من المال قبال الغني الذي اتصف بالغنى وهو الجدة واليسار.
وأما المسكين فهو الذي حلت به المسكنة والذلة مضافة إلى فقدان المال وذلك إنما يكون بأن يصل فقره إلى حد يستذله بذلك كمن لا يجد بداً من أن يبذل ماء وجهه ويسأل كل كريم ولئيم من شدة الفقر وكالأعمى والأعرج فالمسكين أسوء حالاً من الفقير.
والفقير والمسكين وإن كانا بحسب النسبة أعمّ وأخص فكل مسكين من جهة الحاجة المالية فقير ولا عكس غير ان العرف يراهما صنفين متقابلين لمكان مغايرة الوصفين في نفسهما فلا يرد أن ذكر الفقير على هذا المعنى مغن عن ذكر المسكين لمكان أعميّته وذلك أن المسكنة هي وصف الذلة كالزمانة والعرج والعمى وإن كان بعض مصاديقه نهاية الذلة من جهة فقد المال.
وأما العاملون عليها أي على الصدقات فهم الساعون لجمع الزكوات وجباتها.
وأما المؤلفة قلوبهم فهم الذين يؤلف قلوبهم بإعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدو أو يستعان بهم على حوائج الدين.
وأما قوله: { وفي الرقاب } فهو متعلق بمقدّر والتقدير: والمصرف في الرقاب أي في فكها كما في المكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرق الذي كان في شدّة.
وقوله: { والغارمين } أي وللصرف في الغارمين الذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة.
وقوله: { وفي سبيل الله } أي وللصرف في سبيل الله، وهو كل عمل عام يعود عائدته إلى الإِسلام والمسلمين وتحفظ به مصلحة الدين ومن أظهر مصاديقه الجهاد في سبيل الله، ويلحق به سائر الأعمال التي تعم نفعه وتشمل فائدته كإصلاح الطرق وبناء القناطر ونظائر ذلك.
وقوله: { وابن السبيل } أي وللصرف في ابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به وإن كان غنياً ذا يسار في بلده فيرفع حاجته بسهم من الزكاة.
وقد اختلف سياق العد فيما ذكر في الآية من الأصناف الثمانية فذكرت الأربعة الأول باللام: { للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم } ثم غيّر السياق في الأربعة الباقية فقيل: { وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } فإن ظاهر السياق الخاص بهذه الأربعة أن التقدير: وفي الرقاب وفي الغارمين وفي سبيل الله وفي ابن السبيل.
أما الأربعة الأول: { للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم } فاللام فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرف فإن الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الذين كانوا يطمعون في الصدقات وهم غير مستحقين لها وكانوا يلمزون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرمانهم منها فاجيبوا بالآية أن للصدقات مواضع خاصة تصرف فيها ولا تتعداها، والآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.
وأما كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقهاً؟ وكذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافاً بعناوينهم الصنفية لا ذوات شخصية؟ ونسبة سهم كل صنف إلى بقية السهام؟ فإنما هي مسائل فقهية خارجة عن غرضنا، وقد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافاً شديداً فليرجع إلى الفقه.
وأما الأربعة الباقية: { وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } فقد قيل في تغيير السياق فيها وفي تأخيرها عن الأربعة الأول وجوه:
منها: أن الترتيب لبيان الأحق فالأحق من الأصناف، فأحق الأصناف بها الفقراء ثم المساكين وهكذا على الترتيب، ولكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقية واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كل في موضعه الخاص، ولولا هذا الترتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثم تذكر موارد المصالح فيقال: للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل، ثم يُقال: وفي الرقاب وسبيل الله.
والحق أن دلالة الترتيب بما فيه من التقديم والتأخير على أهمية الملاك وقوة المصلحة في أجزاء الترتيب لا ريب فيه فإن كان مراده بالأحق فالأحق الأهم ملاكاً فالأهم فهو، ولو كان المراد التقدم والتأخر من حيث الإِعطاء والصرف وما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتة كما لا يخفى والذي أيده به من الوجه لا جدوى فيه.
ومنها: أن العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى { في } للإِيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن { في } للوعاء فنبّه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصباً، وذلك لما في فكّ الرقاب من الكتابة أو الرق والأسر، وفي فكّ الغارمين من الغرم والتخليص والإِنقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال.
وتكرير { في } في قوله: { وفي سبيل الله وابن السبيل } فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. كذا ذكره في الكشاف.
وفيه: أنه معارض بكون الأربعة الأول مدخولة للام الملك فإن المملوك أشد لزوماً واتصالاً بالنسبة إلى مالكه من المظروف بالنسبة إلى ظرفه، وهو ظاهر.
ومنها: أن الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم، وإنما يأخذونه ملكاً فكان دخول اللام لائقاً بهم، وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلق بهم.
فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتى يعبّر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم، وإنما هم محال لهذا الصرف والمصلحة المتعلقة به، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم، وأما سبيل الله فواضح ذلك فيه، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجاً في سبيل الله، وإنما أُفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيته مع أنه مجرَّد من الحرفين جميعاً وعطفه على المجرور باللام ممكن ولكنه على القريب منه أقرب.
وهذا الوجه لا يخلو عن وجه غير أن اجراءه في ابن السبيل لا يخلو عن تكلف، وما ذكر من دخوله في سبيل الله هو وجه مشترك بينه وبين غيره.
ولو قال قائل بكون الغارمين وابن السبيل معطوفين على المجرور باللام ثم ذكر الوجه الأول بالمعنى الذي ذكرناه وجهاً للترتيب والوجه الأخير وجهاً لاختصاص الرقاب وسبيل الله بدخول { في } لم يكن بعيداً عن الصواب.
وقوله في ذيل الآية: { فريضة من الله والله عليم حكيم } إشارة إلى كون الزكاة فريضة واجبة مشرَّعة على العلم والحكمة لا تقبل تغيير المغيّر، ولا يبعد أن يتعلق الفرض بتقسمها إلى الأصناف الثمانية كما ربما يؤيده السياق فإن الغرض في الآية إنما تعلّق ببيان مصارف الصدقات لا بفرض أصلها فالأنسب أن يكون قوله: { فريضة من الله } إشارة إلى أن تقسّمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض من الله لا يتعدى عنه على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هنا يظهر أن الآية لا تخلو من إشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافاً لما ذكره بعضهم: أن المؤلفة قلوبهم كانوا جماعة من الأشراف في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألَّف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إياهم، وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فقد ظهر الإِسلام على غيره، وارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات، وهو وجه فاسد وارتفاع الحاجة ممنوع.
قوله تعالى: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذن قل أُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم } الاذن جارحة السمع المعروفة، وقد أطلقوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم الاذن وسمُّوه بها إشارة إلى أنه يصغي لكل ما قيل له ويستمع إلى كل ما يذكر له فهو أُذن.
وقوله: { قل أُذن خير لكم } من الإِضافة الحقيقية أي سمّاع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحي وفيه خير لكم، ويسمع من المؤمنين النصيحة وفيها خير لكم ويمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي أُذن هي خير لكم لأنه لا يسمع إلا ما ينفعكم ولا يضركم.
والفرق بين الوجهين أن اللازم على الأول أن يكون مسموعه خيراً لهم كالوحي من الله والنصيحة من المؤمنين، واللازم على الثاني أن يكون استماعه استماع خير وإن لم يكن مسموعه خيراً كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيراً لهم لكنه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثم يحمل ذلك القول منه على الصحة فلا يهتك حرمته ولا يسيء الظن به ثم لا يرتب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الذي جاءه بالخبر.
ومن هنا يظهر أن الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقبه بقوله: { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } الآية.
وذلك أن الإِيمان هو التصديق، وقد ذكر متعلق الإِيمان في قوله: { يؤمن بالله } وأما قوله: { ويؤمن للمؤمنين } فلم يذكر متعلقه وإنما ذكر أن هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللام، والتصديق الذي يكون فيه نفع المؤمنين حتى في الخبر الذي يتضمن ما يضرهم إنما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبري دون الخبري أي فرض أن المخبر صادق بمعنى أنه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذباً لا يطابق الواقع.
وهذا كما في قوله تعالى:
{ { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } [المنافقون: 1] فالله سبحانه يكذِّب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه وهذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه: { { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } [الأحزاب: 22] فهم يصدّقون الله ورسوله في الخبر لا في الاعتقاد.
وبالجملة ظاهر قوله: { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } أنه يصدّق الله فيما أخبره به من الوحي، ويصدّق لنفع المؤمنين كل من ألقى إليه منهم خبراً بحمل فعله على الصحة وعدم رميه بالكذب وسوء النية من غير أن يرتب أثراً على كل ما يسمعه ويستمع إليه وإلا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين واختلَّ الأمر، وهذا المعنى كما ترى يؤيد الوجه الثاني المذكور.
وكأن المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين وعلى هذا كان المراد بالذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقاً فمعنى الكلام أنه يصدق ربه ويصدق كل فرد من أفراد مجتمعكم احتراماً لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقاً لأنه يهديهم إلى مستقيم الصراط.
وإن كان المراد من الذين آمنوا هم الذين آمنوا في أول البعثة قبل الفتح - كما تقدم سابقاً أن { الذين آمنوا } اسم تشريفي في القرآن للمؤمنين الأولين في الإِسلام - كان المراد بالمؤمنين في قوله: { ويؤمن للمؤمنين } المؤمنون منهم حقاً كما أُطلق بهذا المعنى في قوله:
{ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } [الأحزاب: 22]. وربما قيل: إن اللام في قوله: { ويؤمن للمؤمنين } للتعدية كما في قوله: { يؤمن بالله } فالإِيمان يتعدّى بالحرفين جميعاً كما في قوله: { { فآمن له لوط } [العنكبوت: 26] وقوله: { { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه } [يونس: 83] وقوله: { { أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } [الشعراء: 111]. وربما قيل: إن اللفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الإِيمان معنى الجنوح المتعدي باللام والمعنى يجنح للمؤمنين مؤمناً بهم أو يؤمن جانحاً لهم.
والوجهان وإن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعِّد ذلك لزوم التفكيك في قوله: { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } بين { يؤمن } الأول والثاني من غير نكتة ظاهرة إلا أن يحمل على التفنن في التعبير ومع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإن إيمانه بالمؤمنين لا يختص بالمخبرين خاصة حتى يصدق خبرهم ويؤاخذ آخرين إذا أُخبر بما يضرهم بل إيمان يعم جميع المؤمنين فيصدق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبري ويصدق المخبر عنه بحمل فعله على الصحة فافهم ذلك.
وعدّه تعالى نبيه في قوله: { ورحمة للذين آمنوا منكم } رحمة لقوم خاص في هذه الآية مع عدّه رحمة للناس كلهم في قوله عزّ وجلّ:
{ { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [الأنبياء: 107] إنما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها ها هنا الرحمة الفعلية وهناك الرحمة الشأنية.
وبعبارة أُخرى هو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لمن آمن به حقاً بمعنى أن الله سبحانه أنقذه به من الضلالة وختم له بالسعادة والكرامة، ورحمة للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم، من معاصريه وممن يأتي بعده بمعنى أن الله بعثه صلى الله عليه وآله وسلم بملة بيضاء وسنّة طيبة فحول المجتمع البشري وصرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة والهلاك، وأنار بمشعلته صراط الفطرة الإِلهية فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة، ومن خارج عن مسير الردى والهلكة ولما يركب متن الصراط الفطري، ومن قاصد للخروج والورود ولما يخرج وهذا حال المجتمع العام البشري بعد طلوع الإِسلام وبسطه معارفه بين الناس وإيصاله إلى سمع كل سامع وتأثيره في كل من السنن الاجتماعية بما في وسعه أن يتأثر به، وهذا مما لا يرتاب فيه باحث عن طبيعة المجتمع الإِنساني، وهذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة.
قوله تعالى: { يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين } قال في المجمع: "الفرق بين الأحق والأصلح أن الأحق قد يكون من غير صفات الفعل كقولك: زيد أحق بالمال، والأصلح لا يقع هذا الموقع لأنه من صفات الفعل وتقول: االله أحق بأن يطاع ولا تقول أصلح". انتهى.
والسبب الأصلي فيه أن الصلاحية والصلوح يحمل معنى الاستعداد والتهيؤ، والحق يحمل معنى الثبوت واللزوم، والله سبحانه لا يتصف بشيء من معنى الاستعداد والقبول المستلزم لتأثير الغير فيه وتأثره عنه.
وقد حول الله الخطاب في الآية عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى المؤمنين التفاتاً وكأن الوجه فيه التلويح لهم بما يشتمل عليه قوله: { والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين } من الحكم وهو أن من الواجب على كل مؤمن أن يرضي الله ورسوله، ولا يحاد الله ورسوله فإن فيه خزياً عظيماً نار جهنم خالداً فيها.
ومن أدب التوحيد في الآية ما في قوله: { أحق أن يرضوه } من إفراد الضمير ولم يقل: أحق أن يرضوهما صوناً لمقامه تعالى من أن يعدل به أحد فإن أمثال هذه الحقوق وكذا الأوصاف التي يشاركه تعالى غيره من حيث الإِطلاق والإِجراء، له تعالى بالذات ولنفسه ولغيره بالتبع أو بالعرض ومن جهته كوجوب الإِرضاء والتعظيم والطاعة وغيرها، وكالاتصاف بالعلم والحياة والإِحياء والإِماتة وغيرها.
وقد روعي نظير هذا الأدب في القرآن في موارد كثيرة فيما يشارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيره من الأُمة من الشؤون فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بينهم وأفرد بالذكر كما في قوله:
{ { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا } [التحريم: 8] وقوله: { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } } [الفتح: 26] وقوله: { { آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون } [البقرة: 285] وغير ذلك.
قوله تعالى: { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم } إلى آخر الآية قال في المجمع: المحادة مجاوزة الحد بالمشاقة، وهي والمخالفة والمجانبة والمعاداة نظائر، وأصله المنع والمحادة ما يلحق الإِنسان من النزق لأنه يمنعه من الواجب وقال: والخزي الهوان وما يستحيى منه. انتهى.
والاستفهام في الآية للتعجيب، والكلام مسوق لبيان كونه تعالى وكون رسوله أحق بالإِرضاء ومحصله أنهم يعلمون أن محادة الله ورسوله والمشاقة والمعاداة مع الله ورسوله والإِسخاط يوجب خلود النار، وإذا حرم إسخاط الله ورسوله وجب إرضاؤه وإرضاء رسوله على من كان مؤمناً بالله ورسوله.
(بحث روائي)
في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: { وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } الآية أما الحسنة فهي الغنيمة والعافية، وأما المصيبة فالبلاء والشدّة.
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار السوء، ويقولون: إن محمداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى: { إن تصبك حسنة تسؤهم } الآية.
وفي الكافي بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: قول الله عزّ وجلّ: { هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين } قال: إما موت في طاعة الإِمام أو إدراك ظهور إمام { ونحن نتربص بكم } مع ما نحن فيه من المشقة { أن يصيبكم الله بعذاب من عنده } قال: هو المسخ { أو بأيدينا } وهو القتل، قال الله عزّ وجلّ لنبيه: { فتربصوا إنا معكم متربصون }.
أقول: وهو من الجري دون التفسير.
في المحاسن بإسناده عن يوسف بن ثابت عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يضر مع الإِيمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل.
ثم قال: ألا ترى أن الله تبارك وتعالى قال: { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله }.
أقول: ورواه العيَّاشي والقمي عنه وكذا الكليني في الكافي عنه في حديث مفصل والرواية تبينها آيات وروايات أُخرى فالإِيمان ما دام باقياً لا يضرّه معصية بإيجاب خلود النار، والكفر ما دام كفراً لا ينفع معه حسنة.
وفي المجمع في قوله تعالى: { مدخلاً } الآية قال: سرباً عن أبي جعفر عليه السلام.
وفي الكافي بأسناده عن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية: { فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } قال: هم أكثر من ثلثي الناس.
أقول: ورواه العيَّاشي في تفسيره والحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن إسحاق عنه عليه السلام.
وفي الدر المنثور أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل. يا رسول الله فقال:
"ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل"
]. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعه فإن له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود احدى ثديه - أو قال: ثدييه - مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم: { ومنهم من يلمزك في الصدقات }" الآية.
قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي تفسير القمي في الآية: أنها نزلت لمّا جاءت الصدقات وجاء الأغنياء وظنوا أن الرسول يقسمها بينهم فلمَّا وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفقراء تغامزوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمزوه، وقالوا: نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي امره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئاً فأنزل الله: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنَّا إلى الله راغبون }.
ثم فسّر الله عزّ وجلّ الصدقات لمن هي وعلى من يجب؟ فقال: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } فأخرج الله من الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الأصناف الذين سمّاهم.
وبيّن الصادق عليه السلام من هم؟ فقال: الفقراء الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم، والدليل على أنهم لا يسألون قول الله تعالى في سورة البقرة: { للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً }.
والمساكين هم أهل الزمانة من العميان والعرجان والمجذومين وجميع أصناف الزمنى من الرجال والنساء والصبيان.
والعاملين عليها هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤديها إلى من يقسمها.
والمؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيباً في الصدقات كى يعرفوا ويرغبوا.
أقول: وقد وردت في تأييد هذا الذي أرسله من الرواية روايات كثيرة مسندة من طرق أهل البيت عليهم السلام. وفي بعض الروايات تعارض ما، وليرجع في تفصيل الروايات على كثرتها وتنقيح المطلب إلى جوامع الحديث وكتب الفقه.
وفي الدر المنثور أخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي بن أبي طالب من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة: الأقرع بن حابس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري وعيينة بن بدر الفزاري وزيد الخيل الطائي، فقالت قريش والأنصار: أتقسم بين صناديد أهل نجد وتدعنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنما أتألفهم"
]. وفي الدر المنثور أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير قال: المؤلفة قلوبهم من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومن بني أُمية أبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بني أسد حكيم بن حزام، ومن بني عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ومن بني جمح صفوان بن أُمية، ومن بني سهم عدي بن قيس، ومن ثقيف العلاء بن جارية أو حارثة، ومن بني فزارة عيينة بن حصن، ومن بني تميم الأقرع بن حابس، ومن بني نصر مالك بن عوف، ومن بني سليم العباس بن مرداس.
اعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين.
وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: المؤلفة قلوبهم: أبو سفيان بن حرب بن أُمية، وسهيل بن عمرو وهو من بني عامر بن لؤي، وهشام ابن عمرو أخوه: - أخو بني عامر بن لؤي - وصفوان بن أُمية بن خلف القرشي ثم الجمحي، والأقرع بن حابس التميمي أحد بني حازم وعيينة بن حصن الفزاري ومالك بن عوف وعلقمة بن علاثة.
بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي الرجل منهم مائة من الإِبل ورعاتها وأكثر من ذلك وأقل.
أقول: وهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأليفاً لقلوبهم، وليس المراد حصر المؤلفة قلوبهم وهم صنف من الأصناف الثمانية المذكور في الآية في هؤلاء الأشخاص بأعيانهم.
وفي تفسير العياشي عن ابن إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها، قال: يؤدى من مال الصدقة إن الله يقول في كتابه: { وفي الرقاب }.
وفيه عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عبد زنى؟ قال: يجلد نصف الحد، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: يضرب مثل ذلك، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: لا يزاد على نصف الحد. قال: قلت: فهل يجب عليه الرجم في شيء من فعله؟ قال: نعم يقتل في الثامنة إن فعل ذلك ثمان مرات.
قال: قلت: فما الفرق بينه وبين الحر وإنما فعلهما واحد؟ فقال له: إن الله رحمه أن يجمع عليه ربق الرقّ وحد الحر. قال: ثم قال: وعلى إمام المسلمين ان يدفع ثمنه إلى مولاه من سهم الرقاب.
وفيه عن الصباح بن سيابة قال: إيما مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد وعلى إسراف فعلى الإِمام أن يقضيه فإن لم يقض فعليه إثم ذلك إن الله يقول: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين } فهو من الغارمين وله سهم عند الإِمام فإن حبسه فإثمه عليه.
وفيه عن محمد بن القسريّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصدقة فقال: اقسمها فيمن قال الله، ولا يعطى من سهم الغارمين الذين يغرمون في مهور النساء ولا الذين ينادون نداء الجاهلية قال: قلت: وما نداء الجاهلية؟ قال: الرجل يقول: يا آل بني فلان فيقع بينهم القتل ولا يؤدى ذلك من سهم الغارمين، ولا الذين لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس.
وفيه عن الحسن بن محمد قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام إن رجلاً أوصى لي في السبيل قال: فقال لي: اصرف في الحج قال: قلت: إنه أوصى في السبيل! قال: اصرفه في الحج فإني لا أعلم سبيلاً من سبله أفضل من الحج.
أقول: والروايات في الباب أكثر من أن تحصى، وإنما أوردنا منها ما يجري مجرى الأنموذج.
وفي الدر المنثور في قوله تعالى: { ومنهم الذين يؤذون النبي } الآية، اخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال لهم: إنما محمد أُذن من حدّثه شيئاً صدّقه، فأنزل الله فيه: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذن } الآية.
وفي تفسير القمي في الآية قال: سبب نزولها أن عبد الله بن نبتل كان منافقاً وكان يقعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين فينمّ عليه فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن رجلاً من المنافقين ينمّ وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من هو؟ قال: الرجل الأسود الوجه الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران، وينطق بلسان شيطان.
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فحلف أنه لم يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد قبلت منك فلا تفعل فرجع إلى أصحابه فقال: إن محمداً أُذن. أخبره الله أني أنمُّ عليه وأنقل أخباره فقبله، وأخبرته إني لم أقل ولم أفعل فقبله!.
فأنزل الله على نبيه: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذن قل أُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } أي يصدِّق الله فيما يقول له، ويصدِّقكم فيما تعتذرون إليه ولا يصدِّقكم في الباطن، ويؤمن للمؤمنين يعني المقرّين بالإِيمان من غير اعتقاد.
أقول: وروي ما يقرب منه في نهج البيان عن الصادق عليه السلام.
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جُلاس بن سويد بن صامت وجحش بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم فنهى بعضهم بعضاً، وقالوا: إنا نخاف أن يبلغ محمداً فيقع بكم، وقال بعضهم: إن محمداً أُذن نحلف له فيصدِّقنا فنزل: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذن } الآية.
وفي تفسير العياشي عن حِماد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني أردت أن أستبضع فلاناً بضاعة إلى اليمن فأتيت إلى أبي جعفر عليه السلام فقلت: إني أُريد أن أستبضع فلاناً فقال لي: أما علمت أنه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنهم يقولون ذلك، فقال: صدّقهم إن الله عز وجل يقول: { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } فقال: يعني يصدِّق الله ويصدِّق للمؤمنين لأنه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين.