التفاسير

< >
عرض

وَٱلضُّحَىٰ
١
وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
٢
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
قيل: انقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أياماً حتى قالوا: إن ربه ودَّعه فنزلت السورة فطيَّب الله بها نفسه، والسورة تحتمل المكية والمدنية.
قوله تعالى: { والضحى والليل إذا سجى } إقسام، والضحى - على ما في المفردات - انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به، وسجو الليل سكونه وهو غشيان ظلمته.
قوله تعالى: { ما ودَّعك ربك وما قلى } التوديع الترك، والقلى بكسر القاف البغض أو شدته، والآية جواب القسم، ومناسبة نور النهار وظلمة الليل لنزول الوحي وانقطاعه ظاهرة.
قوله تعالى: { وللآخرة خير لك من الأولى } في معنى الترقي بالنسبة إلى ما تفيده الآية السابقة من كونه صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه من موقف الكرامة والعناية الإِلهية كأنه قيل: أنت على ما كنت عليه من الفضل والرحمة مادمت حياً في الدنيا وحياتك الآخرة خير لك من حياتك الدنيا.
قوله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك فترضى } تقرير وتثبيت لقوله: { وللآخرة خير لك من الأولى } وقد اشتمل الوعد على عطاء مطلق يتبعه رضى مطلق.
وقيل: الآية ناظرة إلى الحياتين جميعاً دون الحياة الآخرة فقط.
قوله تعالى: { ألم يجدك يتيماً فآوى } الآية وما يتلوها من الآيتين إشارة إلى بعض نعمه تعالى العظام عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقد مات أبوه وهو في بطن أمه ثم ماتت أمه وهو ابن سنتين ثم مات جده الكفيل له وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه ورباه.
وقيل: المراد باليتيم الوحيد الذي لا نظير له في الناس كما يقال: درٌ يتيم، والمعنى ألم يجدك وحيداً بين الناس فآوى الناس إليك وجمعهم حولك.
قوله تعالى: { ووجدك ضالاً فهدى } المراد بالضلال عدم الهداية والمراد بكونه صلى الله عليه وآله وسلم ضالاً حاله في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى له صلى الله عليه وآله وسلم ولا لأحد من الخلق إلا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالة وإن كانت الهداية الإِلهية ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى:
{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان } [الشورى: 52]، ومن هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه: { فعلتها إذاً وأنا من الضالين } [الشعراء: 20] أي لم أهتد بهدي الرسالة بعد.
ويقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله:
{ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [البقرة: 282]، ويؤيده قوله: { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } [يوسف: 3]. وقيل المعنى: وجدك ضالاً بين الناس لا يعرفون حقك فهداهم إليك ودلهم عليك.
وقيل: إنه إشارة إلى ضلاله في طريق مكة حينما كانت تجيء به حليمة بنت أبي ذؤيب من البدو إلى جده عبد المطلب على ما روي.
وقيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في شعاب مكة صغيراً.
وقيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة.
وقيل: غير ذلك وهي وجوه ضعيفة ظاهرة الضعف.
قوله تعالى: { ووجدك عائلاً فأغنى } العائل الفقير الذي لا مال له وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم فقيراً لا مال له فأغناه الله بعد ما تزوج بخديجة بنت خويلد عليهما السلام فوهبت له مالها وكان لها مال كثير، وقيل المراد بالإِغناء استجابة دعوته.
قوله تعالى: { فأما اليتيم فلا تقهر } قال الراغب: القهر الغلبة والتذليل معاً ويستعمل في كل واحد منهما، انتهى.
قوله تعالى: { وأما السائل فلا تنهر } النهر هو الزجر والرد بغلظة.
قوله تعالى: { وأما بنعمة ربك فحدث } التحديث بالنعمة ذكرها قولاً وإظهارها فعلاً وذلك شكرها، وهذه الأوامر عامة للناس وإن كانت موجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والآيات الثلاث متفرعة على الآيات الثلاث التي تسبقها وتذكر نعمه تعالى عليه كأنه قيل: فقد وجدت ما يجده اليتيم من ذلة اليتيم وانكساره فلا تقهر اليتيم باستذلاله في نفسه أو ماله، ووجدت مرارة حاجة الضال إلى الهدى والعائل إلى الغنى فلا تزجر سائلاً يسألك رفع حاجته إلى هدى أو معاش، ووجدت ان ما عندك نعمة أنعمها عليك ربك بجوده وكرمه ورحمته فاشكر نعمته بالتحديث بها ولا تسترها.
(بحث روائي)
في تفسير القمي في قوله تعالى: { والضحى } قال: إذا ارتفعت الشمس { والليل إذا سجى } قال: إذا أظلم.
وفيه في قوله تعالى: { وما قلى } قال: لم يبغضك.
وفي الدر المنثور في قوله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك فترضى } أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا { ولسوف يعطيك ربك فترضى }"
]. وفيه أخرج العسكري في المواعظ وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من حلة الإِبل فلما نظر إليها قال: "يا فاطمة تعجَّلي فتجرّعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً فأنزل الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى }"
]. أقول: تحتمل الرواية نزول الآية وحدها بعد نزول بقية آيات السورة قبلها ثم الإِلحاق وتحتمل نزولها وحدها ثانياً.
وفيه أخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله حدثني عمي محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"أشفع لأمتي حتى يناديني ربي: أرضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت"
]. ثم أقبل عليّ فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق، إن أرجى آية في كتاب الله: { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } قلت: إنا لنقول ذلك، قال: فكلنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } الشفاعة.
وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن ابن الجهم عن الرضا عليه السلام في مجلس المأمون قال: قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { ألم يجدك يتيماً فآوى } يقول: ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس؟ { ووجدك ضالاً } يعني عند قومك { فهدى } أي هداهم إلى معرفتك؟ { ووجدك عائلاً فأغنى } يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً؟ فقال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله.
وفيه عن البرقي باسناده عن عمرو بن أبي نصر قال: حدثني رجل من أهل البصرة قال: رأيت الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عمر يطوفان بالبيت فسألت ابن عمر فقلت: قول الله تعالى: { وأمّا بنعمة ربك فحدِّث } قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه.
ثم إني قلت للحسين بن علي عليه السلام: قول الله تعالى: { وأما بنعمة ربك فحدّث } قال: أمره أن يحدِّث بما أنعم الله عليه من دينه.
وفي الدر المنثور عن البيهقي عن الحسن بن علي في قوله: { وأما بنعمة ربك فحدث } قال: إذا أصبت خيراً فحدث إخوانك.
وفيه أخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"من أبلى بلاء فذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوب زور"
].