التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ
٣
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
٦
أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ
٧
إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ
٨
أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ
٩
عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ
١٠
أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ
١١
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ
١٢
أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٣
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ
١٤
كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ
١٥
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ
١٦
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
١٧
سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ
١٨
كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب
١٩
-العلق

الميزان في تفسير القرآن

(بيان)
أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلقي القرآن بالوحي منه تعالى وهي أول سورة نزلت من القرآن، وسياق آياتها لا يأبى نزولها دفعة واحدة كما سنشير إليه، وهي مكية قطعاً.
قوله تعالى: { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإِنسان من علق } قال الراغب: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال: للحرف الواحد إذا تفوّه به: قراءة انتهى.
وعلى أي حال، يقال: قرأت الكتاب إذا جمعت ما فيه من الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في الذهن وإن لم تتلفظ بها، ويقال: قرأته إذا جمعت الحروف والكلمات بضم بعضها إلى بعض في التلفظ، ويقال قرأته عليه إذا جمعت بين حروفه وكلماته في سمعه ويطلق عليها بهذا المعنى التلاوة أيضاً قال تعالى:
{ رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة } [البينة: 2]. وظاهر إطلاق قوله: { اقرأ } المعنى الأول والمراد به الأمر بتلقي ما يوحيه إليه ملك الوحي من القرآن فالجملة أمر بقراءة الكتاب وهي من الكتاب كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه: اقرأ كتابي هذا واعمل به فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب وهو من الكتاب.
وهذا السياق يؤيد أولاً ما ورد أن الآيات أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وثانياً أن التقدير اقرأ القرآن أو ما في معناه، وليس المراد مطلق القراءة باستعمال { اقرأ } استعمال الفعل اللازم بالإِعراض عن المفعول، ولا المراد القراءة على الناس بحذف المتعلق وإن كان ذلك من أغراض النزول كما قال:
{ وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً } [الإسراء: 106]، ولا أن قوله: { باسم ربك } مفعول { اقرأ } والباء زائدة والتقدير اقرأ اسم ربك أي بسمل.
وقوله: { باسم ربك } متعلق بمقدّر نحو مفتتحاً ومبتدئاً أو باقرأ والباء للملابسة ولا ينافي ذلك كون البسملة المبتداة بها السورة جزء من السورة فهي من كلام الله افتتح سبحانه بها وأمر أن يقرأ مبتدئاً بها كما أمر أن يقرأ قوله: { اقرأ باسم } الخ ففيه تعليم بالعمل نظير الأمر بالاستثناء في قوله:
{ ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } [الكهف: 23] فافهم ذلك.
وفي قوله: { ربك الذي خلق } إشارة إلى قصر الربوبية في الله عز اسمه وهو توحيد الربوبية المقتضية لقصر العبادة فيه فإن المشركين كانوا يقولون: إن الله سبحانه ليس له إلا الخلق والإِيجاد وأما الربوبية وهي الملك والتدبير فلمقرّبي خلقه من الملائكة والجن والإِنس فدفعه الله بقوله: { ربك الذي خلق } الناص على أن الربوبية والخلق له وحده.
وقوله: { خلق الإِنسان من علق } المراد جنس الإِنسان المتناسل والعلق الدم المتجمد والمراد به ما يستحيل إليه النطفة في الرحم.
ففي الآية إشارة إلى التدبير الإِلهي الوارد على الإِنسان من حين كان علقة إلى حين يصير إنساناً تاماً كاملاً له من أعاجيب الصفات والأفعال ما تتحير فيه العقول فلم يتم الإِنسان إنساناً ولم يكمل إلا بتدبير متعاقب منه تعالى وهو بعينه خلق بعد خلق فهو تعالى رب مدبر لأمر الإِنسان بعين أنه خالق له فليس للإِنسان إلا أن يتخذه وحده رباً ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبية.
قوله تعالى: { اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علَّم الإِنسان ما لم يعلم } أمر بالقراءة ثانياً تأكيداً للأمر الأول على ما هو ظاهر سياق الإِطلاق.
وقيل: المراد به الأمر بالقراءة على الناس وهو التبليغ بخلاف الأمر الأول فالمراد به الأمر بالقراءة لنفسه، كما قيل: إن المراد بالأمرين جميعاً الأمر بالقراءة على الناس، والوجهان غير ظاهرين.
وقوله: { وربك الأكرم } أي الذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه فهو تعالى يعطي لا عن استحقاق وما من نعمة إلا وينتهي إيتاؤها إليه تعالى.
وقوله: { الذي علّم بالقلم } الباء للسببية أي علّم القراءة أو الكتابة والقراءة بواسطة القلم والجملة حالية أو استئنافية، والكلام مسوق لتقوية نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإزالة القلق والاضطراب عنها حيث أُمر بالقراءة وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ كأنه قيل: اقرأ كتاب ربك الذي يوحيه إليك ولا تخف والحال أن ربك الأكرم الذي علَّم الإِنسان القراءة بواسطة القلم الذي يخط به فهو قادر على أن يعلِّمك قراءة كتابه وأنت أمي وقد أمرك بالقراءة ولو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها.
ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للإِنسان ما لم يعلم فقال: { علَّم الإِنسان ما لم يعلم } وفيه مزيد تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه.
والمراد بالإِنسان الجنس كما هو ظاهر السياق وقيل: المراد به آدم عليه السلام، وقيل: إدريس عليه السلام لأنه أول من خط بالقلم، وقيل: كل نبي كان يكتب وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم.
قوله تعالى: { كلا إن الإِنسان ليطغى أن رآه استغنى } ردع عما يستفاد من الآيات السابقة أنه تعالى أنعم على الإِنسان بعظائم نعم مثل التعليم بالقلم وسائر ما علَّم والتعليم من طريق الوحي فعلى الإِنسان أن يشكره على ذلك لكنه يكفر بنعمته تعالى ويطغى.
وقوله: { إن الإِنسان ليطغى } أن يتعدى طوره، وهو إخبار بما في طبع الإِنسان ذلك كقوله:
{ إن الإِنسان لظلوم كفَّار } [إبراهيم: 34]. وقوله: { أن رآه استغنى } من الرأي دون الرؤية البصرية، وفاعل { رآه } ومفعوله الإِنسان. وجملة { أن رآه استغنى } في مقام التعليل أي ليطغى لأنه يعتقد نفسه مستغنياً عن ربه المنعم عليه فيكفر به، وذلك أنه يشتغل بنفسه والأسباب الظاهرية التي يتوصل بها إلى مقاصده فيغفل عن ربه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره وشكره على نعمه فينساه ويطغى.
قوله تعالى: { إن إلى ربك الرجعى } الرجعى هو الرجوع والظاهر من سياق الوعيد الآتي أنه وعيد وتهديد بالموت والبعث، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: الخطاب للإِنسان بطريق الالتفات للتشديد، والأول أظهر.
قوله تعالى: { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذَّب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى } بمنزلة ذكر بعض المصاديق للإِنسان الطاغي وهو كالتوطئة لوعيده بتصريح العقاب والنهي عن طاعته والأمر بعبادته تعالى، والمراد بالعبد الذي كان يصلِّي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يستفاد من آخر الآيات حيث ينهاه صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعة ذلك الناهي ويأمره بالسجود والاقتراب.
وسياق الآيات - على تقدير كون السورة أول ما نزل من القرآن ونزولها دفعة واحدة - يدل على صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول القرآن وفيه دلالة على نبوّته قبل رسالته بالقرآن.
وأما ما ذكره بعضهم أنه لم تكن الصلاة مفروضة في أول البعثة وإنما شرِّعت ليلة المعراج على ما في الأخبار وهو قوله تعالى:
{ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } [الإسراء: 78]. ففيه أن المسلّم من دلالتها أن الصلوات الخمس اليومية إنما فرضت بهيئتها الخاصة ركعتين ركعتين ليلة المعراج ولا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل وقد ورد في كثير من السور المكية ومنها النازلة قبل سورة الإِسراء كالمدثر والمزمّل وغيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة وإن لم يظهر فيها من كيفيتها إلا أنها كانت مشتملة على تلاوة شيء من القرآن والسجود.
وقد ورد في بعض الروايات صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع خديجة وعلي في أوائل البعثة وإن لم يذكر كيفية صلاتهم.
وبالجملة قوله: { أرأيت } بمعنى أخبرني، والاستفهام للتعجيب، والمفعول الأول لقوله: { أرأيت } الأول قوله: { الذي ينهى } ولأرأيت الثالث ضمير عائد إلى الموصول، ولأرأيت الثاني ضمير عائد إلى قوله: { عبداً } والمفعول الثاني لأرأيت في المواضع الثلاث قوله: { ألم يعلم بأن الله يرى }.
ومحصل معنى الآيات أخبرني عن الذي ينهى عبداً إذا صلَّى وعبد الله الناهي يعلم أن الله يرى ما يفعله كيف يكون حاله. أخبرني عن هذا الناهي إن كان ذاك العبد المصلِّي على الهدى أو أمر بالتقوى كيف يكون حال هذا الناهي وهو يعلم أن الله يرى. أخبرني عن هذا الناهي إن تلبَّس بالتكذيب للحق والتولي عن الإِيمان به ونهى العبد المصلِّي عن الصلاة وهو يعلم أن الله يرى؟ هل يستحق إلا العذاب؟
وقيل: المفعول الأول لأرأيت في جميع المواضع الثلاث هو الموصول أو الضمير العائد إليه تحرُّزاً عن التفكيك بين الضمائر.
والأولى على هذا أن يجعل معنى قوله: { أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } أخبرني عن هذا الناهي إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى وهو يعلم أن الله يرى ماذا كان يجب عليه أن يفعله ويأمر به؟ وكيف يكون حاله وقد نهى عن عبادة الله سبحانه؟
وهو مع ذلك معنى بعيد ولا بأس بالتفكيك بين الضمائر مع مساعدة السياق وإعانة القرائن.
وقوله: { ألم يعلم بأن الله يرى } المراد به العلم على طريق الاستلزام فإن لازم الإِعتقاد بأن الله خالق كل شيء هو الاعتقاد بأن له علماً بكل شيء وإن غفل عنه وقد كان الناهي وثنياً مشركاً والوثنية معترفون بأن الله هو خالق كل شيء وينزهونه عن صفات النقص فيرون أنه تعالى لا يجهل شيئاً ولا يعجز عن شيء وهكذا.
قوله تعالى: { كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة } قال في المجمع: والسفع الجذب الشديد يقال: سفعت بالشيء إذا قبضت عليه وجذبته جذباً شديداً. انتهى، وفي توصيف الناصية بالكذب والخطأ وهما وصفا صاحب الناصية مجاز.
وفي الكلام ردع وتهديد شديد، والمعنى ليس الأمر كما يقول ويريد أو ليس له ذلك. أُقسم لأن لم يكف عنه نهيه ولم ينصرف لنأخذنَّ بناصيته أخذ الذليل المهان ونجذبنه إلى العذاب تلك الناصية التي صاحبها كاذب فيما يقول خاطئ فيما يفعل، وقيل: المعنى لنسفعنَّ ناصيته بالنار ونسوِّدنها.
قوله تعالى: { فليدع ناديه سندع الزبانية } النادي المجلس وكأن المراد به أهل المجلس أي الجمع الذي يجتمع بهم، وقيل: الجليس، والزبانية الملائكة الموكلون بالنار، وقيل: الزبانية في كلامهم الشرط، والأمر تعجيزي أُشير به إلى شدة الأخذ والمعنى فليدع هذا الناهي جمعه لينجوه منها سندع الزبانية الغلاظ الشداد الذين لا ينفع معهم نصر ناصر.
قوله تعالى: { كلا لا تطعه واسجد واقترب } تكرار الردع للتأكيد، وقوله: { لا تطعه } أي لا تطعه في النهي عن الصلاة وهي القرينة على أن المراد بالسجود الصلاة، ولعل الصلاة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يأتي بها يومئذ كانت تسبيحه تعالى والسجود له وقيل: المراد به السجود لقراءة هذه السورة التي هي إحدى العزائم الأربع في القرآن.
والاقتراب التقرب إلى الله، وقيل: الاقتراب من ثواب الله تعالى.
(بحث روائي)
في الدر المنثور أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
" أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبَّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإِنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم } الآية.
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زمِّلوني زمِّلوني فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة: كلا ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق"
.
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرءاً قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة. يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى! يا ليتني أكون فيها جذعاً يا ليتني أكون فيها حياً إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي.
قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله: { يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبِّر وثيابك فطهر والرجز فاهجر } فحمي الوحي وتتابع.
وفيه أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن شداد قال: أتى جبريل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد اقرأ. قال: وما اقرأ فضمه ثم قال: يا محمد اقرأ. قال: وما اقرأ. قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق. حتى بلغ { ما لم يعلم }.
فجاء إلى خديجة فقال: يا خديجة ما أراه إلا قد عرض لي قالت: كلا والله ما كان ربك يفعل ذلك بك وما أتيت فاحشة قط فأتت خديجة ورقة فأخبرته الخبر قال: لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي وليلقين من أُمته شدة ولئن أدركته لأؤمنن به.
قال: ثم أبطأ عليه جبريل فقالت خديجة: ما أرى ربك إلا قد قلاك فأنزل الله { والضحى والليل إذا سجى * ما ودَّعك ربك وما قلى }.
أقول: وفي رواية أن الذي ألقاه جبريل سورة الحمد.
والقصة لا تخلو من شيء وأهون ما فيها من الإِشكال شك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كون ما شاهده وحياً إلهياً من ملك سماوي ألقى إليه كلام الله وتردده بل ظنه أنه من مس الشياطين بالجنون، وأشكل منه سكون نفسه في كونه نبوة إلى قول رجل نصراني مترهب وقد قال تعالى:
{ قل إني على بيِّنة من ربي } [الأنعام: 57]، وأي حجة بينة في قول ورقة؟ وقال تعالى: { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } فهل بصيرته صلى الله عليه وآله وسلم هي سكون نفسه إلى قول ورقة؟ وبصيرة من اتبعه سكون أنفسهم إلى سكون نفسه إلى ما لا حجة فيه قاطعة؟ وقال تعالى: { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } [النساء: 163]، فهل كان اعتمادهم في نبوتهم على مثل ما تقصه هذه القصة؟
والحق أن وحي النبوة والرسالة يلازم اليقين من النبي والرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وفي المجمع في قوله: { أرأيت الذي ينهى } الآية إن أبا جهل قال: هل يعفر محمد وجهه بين اظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ رقبته فقيل له: ها هو ذلك يصلِّي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقالوا: ما لك يا ابا الحكم؟ قال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهؤلاء اجنحة، وقال نبي الله: والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً فأنزل الله { أرأيت الذي ينهى } إلى آخر السورة. رواه مسلم في الصحيح.
وفي تفسير القمي في الآية: كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله ورسوله فقال الله: { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلَّى }.
أقول: مفاده لا يلائم ظهور سياق الآيات في كون المصلِّي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي المجمع في الحديث عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجداً"
]. وفي الكافي بإسناده إلى الوشَّاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: أقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد وذلك قوله: { واسجد واقترب }.
وفي المجمع روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العزائم الم التنزيل وحم السجدة والنجم إذا هوى واقرأ باسم ربك، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض.