التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

تفسير فرات الكوفي

قال [حدثنا] أبو القاسم قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي معنعناً:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل فأعطاه الراية فردّها ثم دعا عمر فأعطاه الراية فردها ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية فرجع [ب: فردها] فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأمكنه من الراية فسيرهم معه وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه.
قال: فانطلق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالعسكر وهم معه حتى انتهى إلى القوم فلم يكن بينه وبينهم إلا جبل. قال: فأمرهم أن ينزلوا في أسفل الجبل فقال لهم: اركبوا دوابكم. فقال خالد بن الوليد: يا أبا بكر وأنت يا عمر ما ترون إلى هذا الغلام أين أنزلنا؟! أنزلنا في وادٍ كثير الحيات كثير الهام كثير السباع، نحن منه على إحدى ثلاث خصال إما سبع يأكلنا ويأكل دوابنا وإما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا وإما يعلم بنا عدونا فيقتلنا، قوموا بنا إليه. قال: فجاؤوا إلى علي وقالوا: يا علي أنزلتنا في وادٍ كثير السباع كثير الهام كثير الحيات نحن منه على إحدى ثلاث خصال: إما سبع يأكلنا ويأكل دوابنا أو حيات تعقرنا وتعقر دوابنا أو يعلم عدونا فيلينا [ب: فيأتينا] فيقتلنا. قال: فقال لهم علي: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوني؟ قالوا: بلى قال: فانزلوا.
[قال:] فرجعوا فأبت [ر: وأبت] تحملهم الأرض فاستفزهم خالد بن الوليد قال: قوموا بنا إليه. قال: فجاؤوا إليه فردوا عليه ذلك الكلام فقال: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: فارجعوا. [قال: فرجعوا] قال: فأبوا أن ينقادوا واستفزهم خالد [بن الوليد. أ] ثالثة فقالوا له مثل ذلك الكلام فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا [أمري. ر]؟ قالوا: بلى. قال: فانزلوا بارك الله فيكم ليس عليكم بأس. قال: فنزلوا وهم مرعوبين.
قال: وما زال علي [عليه السلام. ب] ليلته قائماً يصلي حتى إذا كان في السحر قال لهم: اركبوا بارك الله فيكم. قال: فركبوا واطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف [ر: فأشرف] عليهم قال لهم: انزعوا أكمة دوابكم قال: فشمت الخيل ريح الإناث قال: فصهلت يسمع [ب: فسمع] الخيل صهيل خيلهم [أ: خيولهم] فولوا هاربين. قال: فقتل مقاتلهم [ب: مقاتليهم] وسبى ذراريهم.
قال: فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله [أ، ب: النبي] صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد { والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً } [لآية. أ، ب] قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخالط القوم ورب الكعبة. قال: وجاءه البشارة.
فرات قال: حدثني الحسين بن سعيد وجعفر بن محمد الفزاري معنعناً:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرع بين أهل الصفّة فبعث منهم ثمانين رجلاً ومن غيرهم إلى بني سليم وولّى عليهم وانهزموا مرة بعد مرة فلبث بذلك أياماً يدعو عليهم. قال: ثم دعا بلالاً فقال له: ائتني ببردي النجراني وقبائي الخطية فأتاه بهما فدعا علياً وبعثه في جيش إليهم وقال: لقد وجهته كراراً غير فرارٍ.
قال: فسار علي وخرج معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشيعه فكأني أنظر إليه [ر: إليهم] عند مسجد الأحزاب وعليّ على فرس أشقر وهو يوصيه ثم ودعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانصرف.
قال: وسار علي فيمن معه متوجهاً نحو العراق وظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه حتى أتاهم الوادي ثم جعل يسير الليل ويكمن النهار فلما دنا من القوم أمر أصحابه فعلموا الخيل وأوقفهم وقال [أ، ب: فقال]: لا تبرحوا إذا نبذ بإمامهم فرام بعض أصحابه الخلاف وأبى بعض حتى إذا طلع الفجر أغار عليهم عليٌّ فمنحه الله أكتافهم وأظهره عليهم، فأنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الآية: { والعاديات ضبحاً }
[قال. أ]: فخرج النبي لصلاة الفجر وهو يقول: ضج والله جمع القوم ثم صلى بالمسلمين فقرأ: { والعاديات ضبحاً } قال: فقتل منهم ماءة وعشرين رجلاً وكان رئيس القوم الحارث بن بشر وسبى منهم ماءة وعشرين ناهداً. وعلى سيدي السلام!.
فرات قال: حدثني علي بن محمد بن علي بن عمر الزهري معنعناً:
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: بينما نحن أجمع ما كنا حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه كان في منبر في الحار [خ: بالجار] إذ أقبل أعرابي بدوي يتخطّا صفوف المهاجرين والأنصار حتى جثى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: السلام عليك [يا رسول الله. ر] فداك أبي وأمي يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك السلام من أنت يا أعرابي؟ قال: رجلٌ من بني لجيم يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما وراك يا أخا لجيم؟ قال: يا رسول الله خلفت خثعماً وقد تهيؤا وعبؤا كتائبهم وخلفت الرايات تخفق فوق رؤوسهم يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسماءة من رجال خثعم يتألون باللات والعزى أن لا يرجعوا حتى يردوا المدينة فيقتلونك ومن معك يا رسول الله.
قال: فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أبكى جميع أصحابه ثم قال: معاشر الناس سمعتم مقالة الأعرابي؟ قالوا: كل قد سمعنا يا رسول الله. قال: فمن منكم يخرج إلى هؤلاء القوم قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا لعلّ الله يفتح على يديه وأضمن له على الله الجنة؟ قال: فوالله ما قال أحدنا [ب: أنا] يا رسول الله.
قال: فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قدميه وهو يقول: معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الأعرابي؟ قالوا: كل قد سمعنا يا رسول الله. قال: فمن منكم يخرج إليهم قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا لعلّ الله أن يفتح على يديه وأضمن له على الله اثنى عشر قصراً في الجنة؟ قال: فوالله ما قال أحدنا [ب: أنا] يا رسول الله.
قال: فبينما النبي [صلى الله عليه وآله وسلم. أ] واقف إذ أقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فلمّا نظر إلى النبي [وهو. أ] واقف ودموعه تنحدر كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن رمى [أ: يرمى] بنفسه عن بعيره إلى الأرض ثم أقبل يسعى نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح بردائه الدموع عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: ما الذي ابكاك لا أبكى الله عينيك يا حبيب الله هل نزل في أمتك شيء من السماء؟ قال: يا علي ما نزل فيهم إلا خير ولكن هذا الأعرابي حدثني عن رجال خثعم بأنهم قد عبؤا كتائبهم وخفقت الرايات فوق رؤوسهم، يكذبون قولي ويزعمون بأنهم لا يعرفون ربي يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسماءة من رجال خثعم يتألون باللات والعزى لا يرجعون حتى يردوا المدينة فيقتلوني ومن معي وأني قلت لأصحابي: من منكم يخرج إلى هؤلاء القوم من قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا لعل الله أن يفتح على يديه وأضمن له على الله أثنى عشر قصراً في الجنة.
فقال علي عليه السلام: فداك أبي وأمي يا رسول الله صف لي هذه القصور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي بناء هذه القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة ملاطها المسك الأذفر والعنبر، حصباؤها [ب: حصاها] الدر والياقوت ترابها الزعفران وكثيبها الكافور، في صحن كل قصر من هذه القصور أربعة أنهار نهرٌ من عسل ونهر من خمرٍ ونهرٌ من لبن ونهرٌ من ماء، محفوف بالأشجار، والمرجان على حافتي [أ، ب، ر: حاوى] كل نهرٍ من هذه الأنهار، وخلق فيها خيمة من درة بيضاء لاقطع فيها ولا فصل قال لها كوني فكانت، يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، في كل خيمة سرير مفضض بالياقوت الأحمر، قوائمه من الزبرجد الأخضر، على كل سرير حوراء من الحور العين، على كل حوراء سبعون حلة خضراء وسبعون حلة صفراء، يرى مخ ساقها خلف عظامها وجلدها وحليها وحللها كما ترى الخمرة! الصافية في الزجاجة البيضاء، مكللة بالجوهر، لكل حوراء سبعون ذوابة كل ذوابة بيد وصيف، وبيد كل وصيف مجمر [خ: مجمرة] تبخر تلك [ر: بتلك] الذوابة، يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار ولكن بقدرة الجبار.
قال: فقال علي [عليه السلام. ر]: فداك أبي وأمي يا رسول الله أنا لهم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عليّ هذا لك وأنت له، انجد إلى القوم. فجهزه رسول الله [أ: النبي] صلى الله عليه وآله وسلم في خمسين وماءة رجل من الأنصار والمهاجرين فقام ابن عباس! رضي الله عنه وقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله تجهز ابن عمي في خمسين وماءة رجل من العرب إلى خمسماءة رجل وفيهم الحارث بن مكيدة يعد بخمسماءة فارس؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: امط عني يا ابن عباس فوالذي بعثني بالحق لو كانوا على عدد الثرى وعلي وحده لأعطى الله علياً عليهم النصرة حتى يأتينا بسبيهم أجمعين. فجهزه النبي وهو يقول: إذهب يا حبيبي حفظ الله من تحتك ومن فوقك وعن يمينك وعن شمالك والله خليفتي عليك.
فسار علي بمن معه حتى نزلوا بوادٍ خلف المدينة بثلاثة أميال يقال له: وادي ذي خشب. قال: فوردوا الوادي ليلاً فضلّوا الطريق قال: فرفع علي رأسه إلى السماء وهو يقول:
يا مهدي كل ضال ويا منقذ كل غريق ويا مفرج كل مغموم، لا تقوّ علينا ظالماً ولا تظفر بنا عدونا واهدنا إلى سبيل الرشاد.
قال: فإذا الخيل تقدح بحوافرها من الحجارة النار حتى عرفوا الطريق فسلكوه فأنزل الله [تعالى. ر] على نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { والعاديات ضبحاً } يعني الخيل { فالموريات قدحاً } قال: قدحت الخيل بحوافرها من الحجارة النار { فالمغيرات صبحاً } قال: صبحهم علي مع طلوع الفجر وكان لا يسبقه أحد إلى الأذان فلما سمع المشركون الأذان قال بعضهم لبعض: ينبغي أن يكون راعٍ في رؤوس هذه الجبال يذكر الله. فلما أن قال: أشهد أنّ محمداً رسول الله قال بعضهم لبعض: ينبغي أن يكون الراعي من أصحاب الساحر الكذاب وكان علي [عليه السلام. ر] لا يقاتل حتى تطلع الشمس وتنزل ملائكة النهار.
قال: فلما أن ترجّل النهار التفت علي إلى صاحب راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ارفعها. فلما أن رفعها ورآها المشركون عرفوها وقال بعضهم لبعض: هذا عدوكم الذي جئتم تطلبونه، هذا محمد وأصحابه. قال: قال: فخرج غلام من المشركين من أشدهم بأساً وأكثرهم كفراً فنادى أصحاب النبي [صلى الله عليه وآله وسلم. أ، ب]: يا أصحاب الساحر الكذاب أيكم محمد فليبرز إلي فخرج إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: ثكلتك أمك وأنت الساحر الكذاب، محمد جاء بالحقّ من عند الحق. قال له: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب أخو رسول الله وابن عمه وزوج ابنته. قال: لك هذه المنزلة من محمد؟ قال له علي: نعم. قال: فأنت ومحمد شرع واحد ما كنت أبالي لقيتك أو لقيت محمداً [قال. ب] ثم شدّ على علي وهو يقول:

لاقيت ليثاً يا علي ضيغماً قرماً كريماً في الوغى مشرماً
ليثاً شديداً من رجال خثعما ينصر ديناً معلماً ومحكما
من يلقني يلق غلاماً طال ما كاد القروم فأتته سلما

فأجابه علي عليه السلام وهو يقول:

لاقيت قرماً هاشمياً ضيغما ليثاً شديداً في الوغى غشمشما
أنا علي سأبين خثعما بكل خطي يرى النقع دما
وكل صارم ضروب قمما

[قال. ب]: ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فاختلف بينهما ضربتان فضربه علي [عليه السلام. أ] ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي: هل من مبارز؟ فبرز أخٌ للمقتول وهو يقول:

أقسم باللات والعزى قسم إنى لدى الحرب صبور ما ارم
من يلقني أذقه أنواع الألم

فأجابه علي عليه السلام وهو يقول:

بالله ربي انني لأقسم قسم حق ليس فيه مأثم
انكم من شرنا لن تسلموا

وحمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي: هل من مبارز؟ فبرز له الحارث بن مكيدة وكان صاحب الجمع وهو يعد بخمسماءة فارس وهو الذي أنزل الله تعالى فيه: { إنّ الإنسان لربّه لكنود } قال: كفور { وإنه على ذلك لشهيد } قال: شهيد عليه بالكفر { وإنه لحب الخير لشديد } قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يعني باتباعه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فبرز الحارث وهو يحرض على الله ورسوله وهو يقول:

لأنصرنّ اللاّت نصراً حقّاً بكلّ عضب وازال الحلقا!
بكلّ صارم يرى منعقاً!

فأجابه علي عليه السلام وهو يقول:

أذود كم بالله عن محمد بقلب سيف قاطع مهند
أرجو بذاك الفوز يوماً أرد على إلهي والشفيع أحمد

ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة قتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي: هل من مبارز؟ فبرز إليه ابن عم له [ر: ابن عمه] يقال له: عمرو بن الفتاك وهو يقول:

إني عمرو، وأبي الفتاك ونصل سيف بيدي هتاك
يقطع رأساً لم يزل كذاك!

فأجابه علي عليه السلام وهو يقول:

فهاكها مترعة دهاقاً كاس دهاق مزجت زعاقا
إني أنا المرء الذي إن لاقى أقد هاماً وأجذ ساقاً

ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي: هل من مبارز؟ فلم يبرز إليه أحد فشد أمير المؤمنين عليه السلام حتى توسط جمعهم فذلك قول الله: { فوسطن به جمعاً } فقتل علي مقاتلهم [أ: مقاتليهم] وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم وأقبل بسبيهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك النبي فخرج وجميع أصحابه حتى استقبل علياً على ثلاثة أميال من المدينة وأقبل النبي [صلى الله عليه وآله وسلم. أ، ب] يمسح الغبار عن وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بردائه ويقبل بين عينيه ويبكي وهو يقول: "الحمد لله يا علي الذي شد بك أزري وقوى بك ظهري يا علي إنني [أ: فإنني] سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران [صلوات الله وسلامه عليه] أن يشرك هارون في أمره وقد سألت ربي أن يشد بك أزري.
ثم التفت إلى أصحابه وهو يقول: معاشر أصحابي لا تلوموني في حب [أ: حبي] علي بن أبي طالب فإنما حبي علياً من أمر الله والله أمرني أن أحب علياً وأدنيه، يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحبّ الله ومن أحب الله أحبه الله وكان حقيقاً [ب: حقاً] على الله أن يسكن محبيه الجنة، يا علي من أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله ولعنه، وكان حقيقاً [ب: حقاً] على الله أن يوقفه يوم القيامة موقف البغضاء ولا يقبل منه صرف ولا عدل ولا إجارة"
.
[فرات قال: حدثني] عبد الله بن بحر بن طيفور معنعناً:
عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله [تبارك و.أ] تعالى: { والعاديات ضبحاً } قال: هذه السورة في أهل وادي اليابس. قيل: يا ابن رسول الله وما كان حالهم وقصتهم؟ قال: إن أهل وادي اليابس اجتمعوا اثنى عشر ألف فارس وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل أحدٌ أحداً ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على خلقٍ واحد ويقتلون محمداً وعلياً، فنزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بقصتهم وما تعاهدوا عليه وتواثقوا [ر، ق: وتوافقوا] وأمره أن يبعث أبا بكر إليهم [ر: عليهم] في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فحمد الله [تعالى. ر] وأثنى عليه ثم قال:
"يا معشر المهاجرين والأنصار إن جبرئيل عليه السلام أخبرني أن أهل الوادي! اليابس [في. ب] اثنى عشر ألف فارس قد استعدوا وتعاهدوا وتواثقوا [ر: وتوافقوا] أن لا يغدر رجل بصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني أو يقتلون أخي علي [بن أبي طالب] وأمرني أن أسير إليهم أبا بكر في أربعة آلاف فارس، فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا إليهم على اسم الله وبركته يوم الإثنين إن شاء الله" .
فأخذ المسلمون عدتهم وتهيأ وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بأمر وكان فيما أمره به: أن إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام فإن تابعوه وإلا واقعهم فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم وأخرب ديارهم. فمضى أبو بكر ومن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيئة يسير بهم سيراً رفيقاً حتى انتهوا إلى أهل الوادي اليابس فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزول أبي بكر وأصحابه قريباً منهم خرج إليهم من وادي اليابس ماءتا رجل مدججين في السلاح فلمّا صادفوهم قالوا لهم: من أين أقبلتم وأين تريدون ليخرج إلينا صاحبكم حتى نكلمه فخرج إليهم أبو بكر ونفر من المسلمين فقال لهم أبو بكر: أنا صاحب رسول الله [ص. ب] فقالوا: ما أقدمك علينا؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أعرض عليكم الإسلام [و. ب] أن تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون ولكم ما لهم وعليكم ما عليهم وإلا فالحرب بيننا وبينكم. قالوا له: أما واللات والعزى لولا رحمٌ بيننا وبينك و قرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك حتى يكون [ب: تكون] حديثاً لمن يأتي بعدكم ارجع أنت [وأصحابك. أ، ب] ومن معك وارغبوا في العافية فإنا نريد صاحبكم [بعينه. أ، ب] وأخاه علي بن أبي طالب.
فقال أبو بكر لأصحابه: يا قوم [إن القوم. ب] أكثر منا أضعافاً وأعدّ منكم عدّة وقد نأت داركم [ر: دياركم] عن إخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحال القوم. فقالوا له جميعاً خالفت يا أبا بكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أمرت به فاتق الله وواقع القوم ولا تخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: إني أعلم مالا تعلمون والشاهد يرى مالا يرى [ب: يراه] الغائب. فانصرف الناس وانصرفوا أجمعين.
فأخبر جبرئيل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما قال (ب: بمقالة) القوم وما رد عليهم أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا بكر خالفت [أمري. ب] ولم تفعل ما أمرتك [به. ب] وكنت لي عاصياً فيما أمرتك. فقام النبي (ص) [وصعد المنبر] فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معاشر [ب: معشر] المسلمين إني أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس وأن يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إلى الله وإليّ فإن أجابوا وإلا واقعهم وأنه سار إليهم فخرج إليه منهم ماءتا رجل فلما سمع كلامهم وما استقبلوه به انفتح سحره [ب، ق: انتفخ صدره] ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع أمري وإن جبرئيل عليه السلام أمرني عن الله [تبارك و. أ. تعالى. أ، ب] أن أبعث عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس فسِرْ يا عمر باسم الله ولا تعمل ما عمل أبو بكر أخوك فإنه قد عصى الله وعصاني. وأمره بما أمر به أبا بكر.
فخرج عمر والمهاجرون والأنصار الذين كانوا مع أبي بكر يقصد بهم في مسيره [ر: سيره] حتى شارف القوم [فكان قريباً. أ، ر] حيث يراهم ويرونه حتى خرج إليهم ماءتا رجل من [أهل. ب] وادي اليابس فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر فانصرف عنهم وانصرف الناس معه وكاد أن يطير قلبه لما رأى من نجدة القوم وجمعهم ورجع.
فنزل جبرئيل عليه السلام [على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره. ب] بما صنع عمر وأنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه فصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فحمد الله [تعالى. ر] وأثنى عليه وأخبر [هم. ب] بما صنع عمر وما كان منه وأنه قد انصرف بالمسلمين معه مخالفاً لأمري عاصياً لقولي فقام [ق: فقدم] إليه عمر.
وأخبره [بمثل ما أخبره به صاحبه. ب] فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عمر قد عصيت الله في عرشه وعصيتني وخالفت أمري وعملت برأيك ألا قبح الله رأيك وإن جبرئيل عليه السلام أمرني عن الله أن أبعث علي بن أبي طالب عليه السلام في هؤلاء المسلمين وأخبرني أن الله تعالى يفتح عليه وعلى أصحابه. ثم نزل فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأوصاه بما أوصى به أبا بكر وعمر وأصحابه أربعة آلاف فارس وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج علي عليه السلام ومعه المهاجرون والأنصار فسار بهم [سيراً غير. ب] سير أبي بكر وعمر وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا أن يتقطعوا من التعب وتحفى دوابهم فقال لهم: لا تخافوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بأمرٍ وأنا منته إلى أمره، وأخبرني أن الله تبارك وتعالى سيفتح عليّ وعليكم، ابشروا فإنكم غادون إلى خير. فطابت أنفسهم وسكنت قلوبهم فساروا كل ذلك في السير والتعب الشديد حتى باتوا قريباً منهم حيث يراهم ويرونه وأمر أصحابه أن ينزلوا وسمع أهل الوادي اليابس بقدوم علي بن أبي طالب عليه السلام فخرج منهم إليه ماءتا فارس شاكين في السلاح فلما رآهم علي عليه السلام خرج [ر، أ: فخرج] إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟ قال: أنا أمير المؤمنين! علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه ورسوله إليكم أن ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً [عبده ورسوله] [ر: رسول الله] ولكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من الخير والشر.
فقالوا: إياك أردنا وأنت طلبتنا قد سمعنا مقالتك وما أردت [خ، ر: عرضت]، وهذا الأمر [خ، ر: أمر] لا يوافقنا وتباً لك ولأصحابك وخذ حذرك واستعد للحرب ولكنّا قاتلوك وقاتلوا أصحابك، والموعد فيما بيننا وبينكم غداً سحراً [ب: ضحوة] و قد أعذرنا فيما بيننا وبينكم.
فقال لهم علي عليه السلام: ويلكم تهددوني بكثرتكم وجمعكم؟!! وأنا أستعين بالله وملائكته وبالمسلمين عليكم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فانصرفوا إلى مراكزهم [ر: مراكزكم] وانصرف علي إلى مركزه.
فلما جنه الليل أمر علي أصحابه أن يحسو دوابهم ويقضمونها [ويحبسونها. أ، ر] ويسرجونها، فلما أسفر عمود الصبح صلى بالناس بغلس فمر [خ: ثم غار] عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى توطأتهم الخيل فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم وأخرب ديارهم وأقبل بالأسارى والأموال معه.
ونزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي [ب: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] بما فتح الله على [يدي. أ] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجماعة المسلمين فصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله تعالى على المسلمين وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلان.
فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستقبل علياً وجميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على [ثلاثة. أ، ب] أميال من المدينة فلما رآه علي مقبلاً نزل عن دابته ونزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى التزمه وقبل النبي [صلى الله عليه وآله وسلم. ب] بين عينيه ونزل جماعة المسلمين إلى علي حيث نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله تعالى من أهل الوادي [ب: وادي] اليابس.
ثم قال جعفر بن محمد عليهما السلام: فما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن يكون خيبر فإنها مثل خيبر وأنزل الله تعالى في ذلك اليوم: { والعاديات ضبحاً } يعني بالعاديات الخيل تعدو بالرجال والضبح ضبحاً [خ: ضبحتها. ق: صيحتها] في أعنتها ولجمها، { فالموريات قدحاً } قال: قدحت الخيل، { فالمغيرات صبحاً } أخبرك أنها أغارت عليها صبحاً، { فأثرن به نقعاً } يعني بالخيل أثرن بالوادي نقعاً، { فوسطن به جمعاً }: جمع القوم، { إنّ الإنسان لربّه لكنود } قال: لكفور { وإنه على ذلك لشهيد } قال: يعنيهما جميعاً قد شهدا جمع وادي [أ: الوادي] اليابس وتمنيا الحياة، { وإنه لحب الخير لشديد } يعني أمير المؤمنين عليه السلام، { أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إنّ ربهم بهم يومئذٍ لخبير } قال: نزلت هاتان الآيتان فيهما خاصة كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به فأخبر الله تعالى خبرهما. فهذه قصة أهل وادي [ر: الوادى] اليابس وتفسير السورة.