التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
٣
-النصر

تفسير الأعقم

{ والفتح } قال جار الله: المعنى نصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على العرب أو على قريش وكان فتح مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان، ومعه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمسة عشر ليلة ثم خرج الى هوازن وغطفان، روي ذلك في الكشاف، وقال الحاكم: السبب في فتح مكة لما صالح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قريشاً بالحديبيَّة وكان رئيس القوم أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخلت بنو بكر في حلف قريش، وكان بينهما شرّ في الجاهلية حجر عنه الاسلام، ثم وقعت بين بني بكر وخزاعة فقال: فأعان قريش بنو بكر سراً وأصابوا منهم، ونقضوا عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج عمرو بن سالم الى المدينة ودخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في المسجد فأخبره بخبرهم وأنشد الأبيات التي منها:

لا هُمُ اني ناشدٌ محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
ان قريشاً اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وفيها وقتلونا ركعاً وسّجداً

وخرج بديل بن وَرقاء فأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما أصيب منهم، فوعده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) النصر، وعلمت قريش بالنقض وندموا وبعثوا أبا سفيان الى المدينة ليؤكدوا العهد، فدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتمس منه ذلك فلم يجبه، فجاء الى أبي بكر وعمر ليسألان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يجيباه وأتى علياً وسأله أن يكلم رسول الله فأبى، فقال: يا ابا الحسن فأشر علي فقال: ما أعلم شيئاً ولكنك سيّد بني كنانة فقم فأخبر بين الناس أن العهد ثابت، ففعل ورجع الى مكة فأخبرهم بالقصة، فقالوا له لعب بك علي ابن أبي طالب، وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالجهاد لحرب مكة وجهز الناس ودعا الله تعالى فعميت عليهم الأنباء وكتب حاطب ابن ابي بلتعة اليهم بالانذار وجاء الوحي الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبعث علياً والزبير وردّوا الكتاب، وخرج في شهر رمضان قاصداً مكة في سنة ثمان في عشرة آلاف، وخرج في تلك الليلة أبو سفيان وبديل ابن ورقاء والحكم بن حزام يتجسسون الأخبار، وخرج العباس على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلقيهم بالادراك فجاء بأبي سفيان في قصة طويلة، وأسلم بعد ما خوّف بالقتل، ودخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكة وكان الفتح وأجمع أهل البيت والفقهاء أنّ مكة فتحت عنوة إلاّ الشافعي فانه قال فتحت صلحاً، ففي فتح مكة نزل { إذا جاء نصر الله والفتح } ولما ظفر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهم قالت العرب: اذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليست لكم منه يدٌ فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً، "وحين دخلها وقف على باب الكعبة وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال: يا أهل مكة ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء" فأعتقهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فيئاً، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الاسلام { في دين الله } في ملة الإسلام { أفواجاً } جماعات { فسبح بحمد ربك } فكبر سبحان الله حامداً، وروي أنه كان يكبر قبل موته: "سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب اليك" { واستغفره } الأمر بالاستغفار تبع التسبيح، قال في الحاكم: استغفر من صغائر ذنوبك وقل: استغفره على جهة التسبيح وان لم يكن ثم ذنب قال الحاكم هذا الوجه { انه كان تواباً } أي كان في الأزمنة الماضية مثل خلق المكلفين تواباً عليهم إذا استغفروه، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.