{وإن من شيء}، قيل: من المطر، وقيل: ما من شيء مما جعله معاشاً ورزقاً {إلا عندنا خزائنه} يعني وما من شيء ينتفع به العباد إلاَّ ونحن قادرون على اتخاذه خزائن الله مقدوراته، وقيل: لفظ الخزائن مستعارة، والمراد أن الخير كله من الله تعالى {وما ننزله} الماء من السماء {إلاَّ بقدر معلوم} بحسب المصلحة وعن ابن مسعود (رضي الله عنه): ليس بأرض بأمطر من أرض، ولا عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه في الأرض كيف يشاء عاماً ها هنا وعاماً ها هنا، وربما كان في البحر {وأرسلنا الرياح لواقح} والارسال الإِطلاق، وقيل: أخرجنا الرياح وهي أربع، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "الرياح الجنوب فهي من الجنة وهي اللواقح" يقال: لقحت الناقة إذا حملت، يعني الرياح لاقح إذا جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر، قال القاضي: والأقرب أن هذه الرياح يرسلها تعالى حوامل للماء لأن الرياح إذا تراكب واختلط بها غيرها صار سحاباً، وقيل: اللواقح هي الجنوب عن ابن عباس وأبي علي، وقيل: الحوامل السحاب جمع لاقحة والباني ذات لقح، وقيل: بمعنى ملقحة لأنها تلقح الأشجار وهي ضد العقيم وهي الشمال، ومن قرأها بالجمع فوجه ظاهر، ومن وحدها حملها على الجنس {فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه} يعني جعلناه سقاء لكم لزرعكم وأنعامكم لتحيى به البلاد وينمو به الزرع {وما أنتم له بخازنين} نفي لهم يعني ما أنتم له بحافظين، بل الله يحفظه ويرسله من السحاب، ثم يحفظه في الأرض، ثم يخرجه من العيون بقدر الحاجة {وانا لنحن نحيي ونميت} يعني نحيي الخلق ونميتهم {ونحن الوارثون} أي الباقون بعد هلاك الخلق كله، وقيل: للباقي والوارث استعارة من ورث الميت لأنه يبقى بعد فنائه، ومنه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعائه: "واجعله الوارث منَّا" {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} يعني علمنا من استقدم ولادة وموتاً، ومن تأخر من الأولين والآخرين، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج، ومن تقدم في الاسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر، وقيل: المستقدمين في صفوف الجماعات والمستأخرين عنها، قوله تعالى: {وإن ربك هو يحشرهم} أي هو القادر على حشرهم والعالم بحضورهم {إنه حكيم عليم} باهر الحكمة واسع العلم وقد أحاط بكل شيء {ولقد خلقنا الانسان} يعني آدم {من صلصال} الصلصال الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فخار {من حمأ} أي من طين متغير {مسنون}، قيل: مصور يعني الحمأ، وقيل: اسدن، وقيل: المسنون المصور من سنة الوجه، وقيل: المغير الرائحة {والجآنّ}، قيل: الجن، وقيل: هو ابليس، وقيل: الجن نسل ابليس عن أبي مسلم، وقيل: الجان أبو الجن، وآدم أبو الانس، وابليس أبو الشياطين، والشياطين يموتون بموت أبيهم وسمّوا جنّاً لاستتارهم عن العيون، وقوله: {من قبل} خلق آدم {من نار السموم} من نار جهنم، قيل: هذه السموم حراً من سبعين حراً من النار للذي خلق الله منها الجان، وقيل: خلق الجان من اللهب، وقيل: خلقه من نار ووصفه بالسموم {وإذ قال ربك للملائكة} الذين كانوا سكان الأرض، وقيل: هو عام، وقوله: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} كأنه إجابة وإضافه إلى نفسه، لأنه القادر وإنما هو تمثيل ليحصل ما يحيى به استثنى ابليس من الملائكة لأنه كان بينهم مأمور معهم بالسجود، وقيل: كان السجود لآدم تحية لا سجود عبادة والعبادة لله والتحية لآدم، وقيل: هو قبلة السجود، قال: {فاخرج منها}، قيل: من الجنة أو من السماء {فإنك رجيم} أي مرجوم أو ملعون، وقيل: مبعد من الخير {وإِنَّ عليك اللعنة إلى يوم الدين} أي يوم الجزاء والحساب ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد {قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون} فلم يجب ذلك ونظر إلى آخر أيام التكليف {قال رب بما أغويتني} الباء للقسم، والمعنى أقسم باغوائك إياي {لأزيننَّ لهم في الأرض} بالشهوات والأفعال القبيحة، وذلك أن إبليس أمر بالسجود وهو التواضع والخضوع لأمر الله، واختار الإِباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيّه ومن إرادته والرضى به، ونحو قوله: {بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض} وقوله: {فبعزتك لأُغوينَّهم} {قال هذا صراط}، قيل: طريق، وقيل: دين، وأراد بقوله: {عليّ} أي هذا طريق إليَّ أي إلى رحمتي وجنّتي، قوله تعالى: {وإنَّ جهنم لموعدهم} يعني موعد الغاوين {أجمعين} {لها سبعة أبواب}، قيل: أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين، وعن ابن عباس: أن جهنم لمن ادّعى الربوبية، ولظى لعبدة النار، والحطمة لعبدة الأصنام، وسقر لليهود، والسعير للنصارى، والجحيم للصابئين، والهاوية للموحدين، وقيل: هي سبعة منازل، وقيل: سبع موارد، وقيل: سبعة أبواب بعضها على بعض، وروي: أنها طباق بعضها فوق بعض، وعن علي (عليه السلام): "أولها جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم، والسابع الهاوية" {لكل باب منهم جزءٌ مقسوم}، قيل: نصيب معروف، وقيل: جزاء الله جهنم فقسمها بينهم {إن المتقين} من يتقي الشر والكبائر والفواحش {في جنات وعيون} {ادخلوها بسلام آمنين} من كل ما يكره {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} في الجنة والغل الحقد {لا يمسهم فيها نصب} النصب التعب، أي لا ينالهم فيها نصب، وقيل: حزن {نبّئ عبادي} أي أخبرهم {أني أنا الغفور الرحيم} لمن تاب وتقرب إلى بالطاعات واجتنب الكبائر.