التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢١
وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
٢٢
وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ
٢٣
وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ
٢٤
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٢٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٦
وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ
٢٧
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٢٨
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
٢٩
فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
٣٠
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣١
قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ
٣٢
قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ
٣٣
قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٣٤
وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٣٥
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٣٦
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٣٧
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٣٨
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
٤١
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
٤٢
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
٤٣
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ
٤٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٤٥
ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ
٤٦
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ
٤٧
لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ
٤٨
نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٤٩
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ
٥٠
-الحجر

تفسير الأعقم

{ وإن من شيء }، قيل: من المطر، وقيل: ما من شيء مما جعله معاشاً ورزقاً { إلا عندنا خزائنه } يعني وما من شيء ينتفع به العباد إلاَّ ونحن قادرون على اتخاذه خزائن الله مقدوراته، وقيل: لفظ الخزائن مستعارة، والمراد أن الخير كله من الله تعالى { وما ننزله } الماء من السماء { إلاَّ بقدر معلوم } بحسب المصلحة وعن ابن مسعود (رضي الله عنه): ليس بأرض بأمطر من أرض، ولا عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه في الأرض كيف يشاء عاماً ها هنا وعاماً ها هنا، وربما كان في البحر { وأرسلنا الرياح لواقح } والارسال الإِطلاق، وقيل: أخرجنا الرياح وهي أربع، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "الرياح الجنوب فهي من الجنة وهي اللواقح" يقال: لقحت الناقة إذا حملت، يعني الرياح لاقح إذا جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر، قال القاضي: والأقرب أن هذه الرياح يرسلها تعالى حوامل للماء لأن الرياح إذا تراكب واختلط بها غيرها صار سحاباً، وقيل: اللواقح هي الجنوب عن ابن عباس وأبي علي، وقيل: الحوامل السحاب جمع لاقحة والباني ذات لقح، وقيل: بمعنى ملقحة لأنها تلقح الأشجار وهي ضد العقيم وهي الشمال، ومن قرأها بالجمع فوجه ظاهر، ومن وحدها حملها على الجنس { فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه } يعني جعلناه سقاء لكم لزرعكم وأنعامكم لتحيى به البلاد وينمو به الزرع { وما أنتم له بخازنين } نفي لهم يعني ما أنتم له بحافظين، بل الله يحفظه ويرسله من السحاب، ثم يحفظه في الأرض، ثم يخرجه من العيون بقدر الحاجة { وانا لنحن نحيي ونميت } يعني نحيي الخلق ونميتهم { ونحن الوارثون } أي الباقون بعد هلاك الخلق كله، وقيل: للباقي والوارث استعارة من ورث الميت لأنه يبقى بعد فنائه، ومنه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعائه: "واجعله الوارث منَّا" { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } يعني علمنا من استقدم ولادة وموتاً، ومن تأخر من الأولين والآخرين، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج، ومن تقدم في الاسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر، وقيل: المستقدمين في صفوف الجماعات والمستأخرين عنها، قوله تعالى: { وإن ربك هو يحشرهم } أي هو القادر على حشرهم والعالم بحضورهم { إنه حكيم عليم } باهر الحكمة واسع العلم وقد أحاط بكل شيء { ولقد خلقنا الانسان } يعني آدم { من صلصال } الصلصال الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فخار { من حمأ } أي من طين متغير { مسنون }، قيل: مصور يعني الحمأ، وقيل: اسدن، وقيل: المسنون المصور من سنة الوجه، وقيل: المغير الرائحة { والجآنّ }، قيل: الجن، وقيل: هو ابليس، وقيل: الجن نسل ابليس عن أبي مسلم، وقيل: الجان أبو الجن، وآدم أبو الانس، وابليس أبو الشياطين، والشياطين يموتون بموت أبيهم وسمّوا جنّاً لاستتارهم عن العيون، وقوله: { من قبل } خلق آدم { من نار السموم } من نار جهنم، قيل: هذه السموم حراً من سبعين حراً من النار للذي خلق الله منها الجان، وقيل: خلق الجان من اللهب، وقيل: خلقه من نار ووصفه بالسموم { وإذ قال ربك للملائكة } الذين كانوا سكان الأرض، وقيل: هو عام، وقوله: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } كأنه إجابة وإضافه إلى نفسه، لأنه القادر وإنما هو تمثيل ليحصل ما يحيى به استثنى ابليس من الملائكة لأنه كان بينهم مأمور معهم بالسجود، وقيل: كان السجود لآدم تحية لا سجود عبادة والعبادة لله والتحية لآدم، وقيل: هو قبلة السجود، قال: { فاخرج منها }، قيل: من الجنة أو من السماء { فإنك رجيم } أي مرجوم أو ملعون، وقيل: مبعد من الخير { وإِنَّ عليك اللعنة إلى يوم الدين } أي يوم الجزاء والحساب ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد { قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون } فلم يجب ذلك ونظر إلى آخر أيام التكليف { قال رب بما أغويتني } الباء للقسم، والمعنى أقسم باغوائك إياي { لأزيننَّ لهم في الأرض } بالشهوات والأفعال القبيحة، وذلك أن إبليس أمر بالسجود وهو التواضع والخضوع لأمر الله، واختار الإِباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيّه ومن إرادته والرضى به، ونحو قوله: { بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض } وقوله: { فبعزتك لأُغوينَّهم } { قال هذا صراط }، قيل: طريق، وقيل: دين، وأراد بقوله: { عليّ } أي هذا طريق إليَّ أي إلى رحمتي وجنّتي، قوله تعالى: { وإنَّ جهنم لموعدهم } يعني موعد الغاوين { أجمعين } { لها سبعة أبواب }، قيل: أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين، وعن ابن عباس: أن جهنم لمن ادّعى الربوبية، ولظى لعبدة النار، والحطمة لعبدة الأصنام، وسقر لليهود، والسعير للنصارى، والجحيم للصابئين، والهاوية للموحدين، وقيل: هي سبعة منازل، وقيل: سبع موارد، وقيل: سبعة أبواب بعضها على بعض، وروي: أنها طباق بعضها فوق بعض، وعن علي (عليه السلام): "أولها جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم، والسابع الهاوية" { لكل باب منهم جزءٌ مقسوم }، قيل: نصيب معروف، وقيل: جزاء الله جهنم فقسمها بينهم { إن المتقين } من يتقي الشر والكبائر والفواحش { في جنات وعيون } { ادخلوها بسلام آمنين } من كل ما يكره { ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ } في الجنة والغل الحقد { لا يمسهم فيها نصب } النصب التعب، أي لا ينالهم فيها نصب، وقيل: حزن { نبّئ عبادي } أي أخبرهم { أني أنا الغفور الرحيم } لمن تاب وتقرب إلى بالطاعات واجتنب الكبائر.