التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٩٠
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٩١
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٩٢
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٣
وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٩٤
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٩٥
مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٦
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٧
-النحل

تفسير الأعقم

{ إن الله يأمر بالعدل والإِحسان وإيتاء ذي القربى } أراد الإِحسان بالأموال والأخلاق الحسنة والإِرشاد والسعي الجميل، وقيل: العدل بالتوحيد، والإِحسان أداء الفرائض، وقيل: العدل في معاملة غيرك، والإِحسان إلى نفسك فلا تلقيها في العذاب، وإيتاء ذي القربى إعطاء ذي القربى حقهم بِصِلة رحمهم { وينهى عن الفحشاء } كل قبيح { والمنكر } ما ينكر الشرع { والبغي } الظلم والمكر، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ هذه الآية على الوليد فقال: يابن أخي أعد، فأعاد، فقال: إن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر وأن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر، فقال عثمان بن مظعون: فأخبرت أبا طالب فقال: يا معشر العرب اتبعوا ابن أخي ترشدوا وتفلحوا { وأوفوا بعهد الله } هي البيعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الاسلام، وقيل: هو الإِيمان، وقيل: هو ما يلزم فعله { ولا تنقضوا الأيمان } أي لا تحنثوا فيها لما في الحنث من هتك الحرمة { بعد توكيدها } بعد تشديدها { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } قيل: شهيداً على الوفاء بذلك { إن الله يعلم ما تفعلون } { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } أنقاضاً قيل: هي ريطة بنت سعيد وكانت خرقاء، اتخذت مغزلاً قدر ذراع، وصنارة قدر أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقض ما غزلن، يعني لا تكونوا في نقض الايمان كالمرأة التي اتخذت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته أنكاثاً { تتخذون أيمانكم } يعني ولا تنقضوا ايمانكم فتتخذونها { دخلاً بينكم } أي مفسدة ودغلاً { أن تكون أمة هي أربى من أمة } أي تكون جماعة أكثر من جماعة عدد فتحلفون معهم وتنقضون الأَيمان، وقيل: لا تنقضوا الأَيمان إذا رأيتم عدد الأعداء أكثر كما فعلته قريظة حالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونقضوا عهده { إنما يبلوكم الله به } أي يختبركم بالوفاء بالعهد، معناه يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بالعمل { وليبينن لكم يوم القيامة } أي يخبركم بحقيقة { ما كنتم فيه تختلفون } { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } حنيفية مسلمة على طريقة الالجاء والاضطرار، وهو قادر على ذلك، يعني فتصيرون على مذهب واحد لا تختلفون في شيء { ولكن يضل من يشاء }، قيل: يعاقب من يشاء، وقيل: يخذل من علم أنه يختار الكفر { ويهدي من يشاء } وهو أن يلطف بمن علم أنه يختار الايمان { ولتسألن عما كنتم تعملون } { ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم } يعني لا تتخذوا الإِيمان مكراً وخديعة وفساداً لأنهم يسكنون إلى ذلك { فتزل قدم بعد ثبوتها } فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين، فثبوت القدم عبارة عن الأمن وزوالها عن الهلاك، وقيل: هي كناية عن الإِحباط { وتذوقوا السوء } أي العذاب { بما صددتم } بصدكم وإعراضكم { ولا تشتروا بعهد الله }، قيل: عهده لما أمر به من التناصر والتعاون والعمل بطاعته، أي لا تأخذوا على ذلك شيئاً من دينكم، وقيل: لا تنقضوا عهودكم التي تعاهدون تبتغون بنقضها ثمناً قليلاً من مال وغيره { إنما عند الله هو خير لكم } يعني ما يعطيكم الله مما أعدّ لكم على الوفاء بالعهد خير لكم من حطام تجمعونه { إن كنتم تعلمون } أن الآخرة خيرٌ والله أعلم { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن }، قيل: العمل الصالح الطاعات والايمان { فلنحيينّه حياة طيبةً }، قيل: الرزق الحلال، وقيل: القناعة والرضا عن الله في العسر واليسر، وقيل: الجنة والثواب الدائم، وقيل: حياة طيبة في القبر، وعن ابن عباس: الحياة الطيبة الرزق، وقيل: الحياة الطيبة الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الله تعالى.