التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٥٧
وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً
٥٨
وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً
٥٩
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً
٦٠
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً
٦١
-الكهف

تفسير الأعقم

{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } هذا استفهام والمراد التقرير، يعني ليس أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه، قيل: بالقرآن، وقيل: سائر حجج الله فأعرض عنها { ونسي ما قدمت يداه } من الذنوب { إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه } أغطية، وقوله: أن يفقهوه: يعلموه { وفي آذانهم وقرا } وهذا على وجه التشبيه أي أعرضوا عن الدين إعراض من جعل على قلبه أكنَّة وكان في أذنيه وقرا، وقيل: المراد بالأكنة والوقر الختم، علامة يجعلها على قلب الكافر لتميزه الملائكة { وان تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً } أي لا يقبلون الحق { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم } يعاقبهم { بما كسبوا } من الذنوب { لعجّل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } وهو القيامة إذا بعثوا { لن يجدوا من دونه موئلاً } يعني ملجأ، وقيل: منجا، ومتى قيل: وما معنى قوله: { وربك الغفور ذو الرحمة }؟ قالوا: غفوراً لذنب التائب، ذو الرحمة للمصرّ يمهل ولا يعاجل، وقيل: غفور يستر عليهم، ذو الرحمة منعم عليهم بالنعم، وقيل: غفور لا يؤاخذهم عاجلاً وبالرحمة يؤخرهم ليتوبوا ويقبل توبتهم { وتلك القرى } إشارة إلى القرى التي تنزل بهم العذاب { أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً } أي أجلاً وميقاتاً، والأجل: الوقت الذي وعدوا فيه بالإِهلاك، أي كما جعلنا لأولئك موعداً أأخذناهم اليه للمصلحة التي علمنا كذلك هؤلاء، ثم ذكر قصة موسى (عليه السلام) فقال سبحانه: { وإذ قال موسى لفتاه }، قيل: عبده، وقيل: يوشع بن نون لأنه كان يحدثه ويتبعه، وقيل: كان يأخذ منه العلم { لا أبرح حتى أبلغ } يعني لا أبرح أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر، (عليهما السلام) وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق، أو أسر زماناً طويلاً، والحقب: ثمانون سنة، تدل الآية على أن موسى (عليه السلام) سافر لمرض واختلفوا في سنّه، روي أنه لما ظهر موسى (عليه السلام) على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيباً فذكرهم الله وقال: إنه اصطفا نبيكم وكلّمه، فقالوا له: قد علمنا ذلك فأي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه حيث لم يردّ العلم إلى الله فأوحى إليه بل أعلم منك عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو الخضر (عليه السلام)، وروي أن موسى سأل ربه: أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علم نفسه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى وترده عن ردى، فقال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك، فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فاخبرني، فذهبا يمشيان حتى بلغا البحر فرقد موسى فاضطرب الحوت فوقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر، فأتيا الصخرة فإذا رجل متسجي بثوبه فسلم عليه، وقيل: رآه على طنفسة خضراء فسلم عليه، فقال: وعليك السلام يا نبي بني اسرائيل، فقال له موسى: وما أدراك أني نبي، قال: من ذلك عليَّ، وقيل: وصل إليه وهو يصلي فلما صلاَّ تحدثا، فقال: يا موسى أنا على علم علّمْنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم لا أعلمه أنا، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع فنقر في الماء، فقال الخضر: ما نقص علمي وعلمك مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر، وقيل: كانت سمكة مملوحة، وقيل: أن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل فنزلا على عين تسمى عين الحياة، فلما نام موسى أصاب السمكة روح الماء وبرده فعاشت، وروي أنهما أكلا منها، وروي أن يوشع توضأ من تلك العين فانفض الماء على الحوت فعاش، قيل: تركاه، وقيل: نسياه من النسيان، ومتى قيل: كيف نسياه والحوت مع يوشع؟ قالوا: كما يقال نسي القوم زادهم، وإنما نسي واحد، ويقال: نسي يوشع حمل الحوت، ونسي موسى أن يذكره { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } أي مسلكاً يذهب فيه، قيل: قاما عند الصخرة فاضطرب السمك وخرجت من المكتل وسقطت في البحر، فلما استيقظ موسى من نومه نسي صاحبه أن يخبره به.