التفاسير

< >
عرض

فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً
٢٤
وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً
٢٥
فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً
٢٦
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً
٢٧
يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً
٢٨
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً
٢٩
قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً
٣٠
وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً
٣١
وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً
٣٢
وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً
٣٣
ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ
٣٤
مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٣٥
-مريم

تفسير الأعقم

{ فحملته } أي حملت بعيسى، قيل: أن جبريل نفخ في جيب ردعها فوصلت النفخة إلى بطنها فحملته، وقيل: في فيها فوصلت النفخة إلى بطنها { فانتبذت } أي انفردت { به مكاناً قصياً } بعيداً من قومها، قيل: لما أحست بالولادة انفردت عن الناس من أهلها وكتمت أمرها خوفاً أن يذموها، وقيل: أخبرت أخاها هارون وكان زاهداً، واختلفوا في مدة حملها قيل: ستة أشهر، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل: حملته في ساعة، وصوّر في ساعة، ووضعته في ساعة، حين زالت الشمس من يومها، وعن ابن عباس كان مدة هذا الحمل ساعة واحدة كما حملته مدّته، وقيل: حمتله وهي بنت ثلاث عشرة سنة، وقيل: بنت عشر، وقيل: أنها حاضت حيضتين { فأجاءها المخاض } أي ألجأها الطلق، وقيل: الحمل { إلى جذع النخلة }، قيل: كان جذع نخلة يابسة في الصحراء، وقيل: كانت نخلة معروفة، وقيل: أنبت الله جذعاً فتعلقت به عند وجع الولادة، فلما ولدت مريم (عليها السلام) { قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً } متروكاً، إنما تمنّت ذلك خوف الفضيحة، وطعن الناس { فناداها من تحتها }، قيل: جبريل (عليه السلام)، قيل: كان يقبل الولد، وقيل: هو عيسى وهي قراءة عاصم وأبي عمرو، وقيل: تحتها أسفل من مكانها كقوله: { { تجري من تحتها الأنهار } [البقرة: 25]، وقيل: كان أسفل منها تحت الأكمة وصاح بها { ألاَّ تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً }، قيل: نهراً تشربين منه وتطهرين من النفاس، وقيل: السري عيسى، قال الحسن: كان والله عبداً سريَّاً أي رفيقاً شريفاً { وهزِّي إليك بجذع النخلة } نفسها، وقيل: الجذع الغصن { تساقط }، قال: الزمخشري فيه تسع قراءات { رطباً جنياً } { فكلي واشربي وقرِّي عيناً } وطيّبي نفساً ولا تغتمّي وارفضي عنكِ ما أحزنك، وقيل: قرّي عيناً أبشري بهذا الولد الصالح { فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً } يعني من سألك عن حالك { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } عن الطعام والشراب والكلام، لأنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم، ومتى قيل: ما وجه أمرها بالصمت؟ قالوا: ليكفيها الكلام ولدها يما يبرّئها { فلن أكلِّم اليوم إنسياً }، قيل: كانت تكلِّم الملائكة ولا تكلِّم الإِنس { فأتت به قومها }، قيل: جاءت بالولد الى غار فمكث أربعين ليلة حتى طهرت من النفاس، ثم أتت قومها، وقيل: نهضت من جذع { فأتت به قومها } وهم أهل بيت صالحون فتباكوا و{ قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريَّاً } أمراً عظيماً ونسبوها إلى الفجور، وقيل: همّوا برجمها حتى تكلم عيسى { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ } وما كان هارون، قيل: رجل صالح من بني إسرائيل، وقيل: كان لها أخ صالح يسمى هارون، وقيل: هارون أخو موسى نسب إليه، أو صالح في زمانها شبهوها به، ذكر أن هارون الصالح تبع جنازته أربعون ألفاً كلهم يسمى هارون تبركاً باسمه، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنما عنوا هارون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت من أعقابه في طبقة الأخوة وبينها وبينه ألف سنة وأكثر" وقيل: هارون كان رجلاً فاسقاً، قوله تعالى: { فأشارت إليه } أي هو الذي يجيبكم، وعن السدي ولما أشارت غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا أشد علينا من زناها، وروي أنه كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته { وقال إني عبد الله آتاني الكتاب } هو الإِنجيل، { وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت } وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "نفاعاً حيث ما كنت" ، قيل: معلماً للخير، قيل: كلّمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان، وقيل: إنه استمر على الكلام والله أعلم { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيَّاً } يعني اقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وقيل: الزكاة التطهير { وبَرّاً بوالدتي } أي باراً بها { ولم يجعلني جبَّاراً شقيَّاً } أي تواضعت حتى لم أكن من الجبابرة { والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيَّاً }، قيل: سلام الله عليه في هذه الأحوال، وقيل: السلامة في هذه الأحوال { ذلك } ما تقدم من الصف قصة { عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } يشكون يعني اليهود والنصارى، وتزعم اليهود أنه ساحر كذَّاب، وتزعم النصارى أنه ابن الله، وقيل: هو شك النصارى واختلافهم فبعضهم قال: هو الله، وبعضهم قال: هو ابن الله وروحه ثم أكذبهم الله تعالى فقال: { ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون }، قيل: إنه مثل أنه يفعل الأشياء من غير امتناع.