التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ
٣٧
إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ
٣٨
أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ
٣٩
إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ
٤٠
وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
٤١
ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي
٤٢
ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
٤٣
فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
٤٤
-طه

تفسير الأعقم

{ ولقد منّنا عليك } نعماً متوالية، فقال سبحانه: { إذ أوحينا إلى أمِّك ما يوحى } الوحي إليها إما أن يكون على لسان نبي في وقتها كقوله: { { وإذ أوحيت إلى الحواريين } [المائدة: 111]، وقيل: كانت رؤيا في المنام أو تلهمها كقوله: { { وأوحى ربك إلى النحل } ، ثم فسَّر ذلك الوحي فقال: { أن اقذفيه في التابوت }، قيل: سمع فرعون ممن قرأ الكتب، وقيل: من الكهنة، وقيل: رأى رؤيا فعبّر له أن زوال ملكه على يدي رجل من بني إسرائيل، فأخذ في ذبح الأولاد وشدّ في ذلك، وروي أنه وكّل بكل حامل قبطية تحفظها، فلما ولدت أم موسى حفظته في التابوت وألقته في اليم، وروي أنها وضعت في التابوت عطباً محلوجاً فوضعته فيه، وقيل: أن الذي صنع التابوت مؤمن من آل فرعون اسمه حزقيل { فاقذفيه في اليمِّ } في البحر { فليلقه اليمّ بالساحل } يعني شاطئ البحر { يأخذه عدوّ لي وعدوّ له } كموسى وهو فرعون، وروي أنها وضعته في التابوت وجَصَّصته وقبرته ثم ألقته في اليم، وكان يسرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير، فبينما هو جالس على رأس بركته مع آسية إذ بالتابوت فأمر به فأخرج ففتح فإذا صبي أصبح الناس وجهاً، فأحبه عدوّ الله حُبَّاً شديداً لا يتمالك أن يصبر عنه { وألقيت عليك محبة } خالصة أو واقعة { منّي } في القلوب، فلذلك أحبك فرعون وكل من أبصرك، روي أنها كانت على وجهه مسحة جمال، وفي عينيه ملاحة ولا يكاد يصبر عنه من رآه { ولتصنع على عيني } أي لتغذى على محبتي وإرادتي، وهذا من فصيح الكلام { إذ تمشي أختك }، قيل: بعثتها أمها لتنظر حال التابوت، وكان الناس يدخلون ولا يمنعون { فتقول هل أدلّكم على من يكفله } لما امتنع من ثدي أحد قالت أخته واسمها مريم: هل أدلكم على امرأة ترضعه وتربيه؟ فقالوا: نعم، فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله: { فرجعناك إلى أمّك كي تقرّ عينها } الآية { وقتلت نفساً } وهو القبطي الذي استغاثه عليه الاسرائيلي، قتله وهو ابن اثني عشر سنة { فنجَّيناك من الغمِّ } لأنه اغتم بسبب القتل خوفاً من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون، فغفر الله له ذلك { وفتنَّاك فتوناً } اخترناك اختياراً { فلبثت سنين في أهل مدين } وذلك حين رعى لشعيب عشر سنين، وروي أن بين مدين ومصر ثمان مراحل { ثم جئت على قدر يا موسى } يعني موعد وهو القدر الذي قدره الله لكلامك ونبوتك { واصطنعتك } اخترتك للرسالة { لنفسي } رسولاً { اذهب أنت وأخوك بآياتي } بالعصا واليد، وقيل: التسع الآيات { ولا تنيا }، قيل: لا تضعفا ولا تبطئا { اذهبا إلى فرعون إنه طغى } جاوز الحد والعصيان { فقولا له قولاً ليِّناً } يعني ارفقا بالدعاء ولا تغلظا له، قيل: كان هارون بمصر فلما أوحى إلى موسى أن يأتي مصراً أوحى إلى هارون أن يلقى موسى، فلقاه على مرحلة واجتمعا وذهبا إلى فرعون { لعلّه يتذكر } والترجي لهما أي اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أو يطمع أن يثمر عمله ولا يخيب عمله، وأرسلهما إليه مع علمه بأنه لا يؤمن إلزاماً للحجة وقطعاً للمعذرة.