التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
٧٤
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٧٥
وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
٧٧
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ
٧٨
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
٧٩
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ
٨٠
وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
٨١
وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
٨٢
-الأنبياء

تفسير الأعقم

{ ولوطاً آتيناه حكماً }، قيل: الفصل بالحق، وقيل: النبوة، وقيل: إصابة الحق { وعلماً } أي علماً بالدين وما يحتاج إليه { ونجّيناه من القرية } هي سدوم وهي { التي كانت تعمل الخبائث } يعني أهلها { إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } خارجين عن طاعة الله، قيل: كانوا يأتون الذكور في أدبارهم ويتضارطون في أيديتهم، وقيل: الكفر وسائر القبائح { وأدخلناه في رحمتنا }، قيل: الرحمة، النجاة، وقيل: النبوة { إنه من الصالحين } ثم عطف قصة داوود ونوح على ما تقدم فقال سبحانه: { ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له } في دعائه { فنجيناه وأهله } يعني من آمن به { من الكرب العظيم } من العذاب والغرق الذي نزل بقومه { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } أي نصرناه على القوم، وقيل: متعناه بالنصر منهم حتى لم يصلوه بسوء، ثم عطف قصة داوود على قصة نوح فقال سبحانه: { وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث }، قيل: كان زرعاً وقع فيه الغنم ليلاً، وقيل: كان كرماً قيل: شرعاً في الحكم من غير قطع { إذ نفشت فيه غنم القوم } أي رعته فأفسدته { وكنا لحكمهم شاهدين } لا يغيب عنَّا { ففهّمناها سليمان } أي فتحنا له طريق الحكومة، وقيل: فهم سليمان قيمة ما أفسدت الغنم، ويقال: كيف كان قصة الحرث وما الذي حكما به؟ قالوا: إنهما اختصما إليه صاحب الحرث وصاحب الغنم الذي أفسدت الحرث فحكم داوود بالغنم لصاحب الحرث، فقال سليمان وهو ابن اثني عشر سنة غير هذا أرفق بالفريقين، فعزم عليه ليحكمن فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بها بألبانها وأولادها وأصوافها، والحرث إلى أرباب الشاء يقومون عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد ثم يترادان، فقال: القضاء ما قضيت وأمضى الحكم، فإن قيل حكما بوحي أم باجتهاد؟ قيل: جميعاً بالوحي، وقيل: اجتهدا جميعاً فجاء اجتهاد سليمان أشدّ بالصواب، وفي قوله: { ففهّمناها سليمان } دليل على أن الصواب كان مع سليمان، وفي قوله: { وكلا آتينا حكماً وعلماً } دليل على أنهما كانا جميعاً على الصواب { وسخّرنا مع داوود الجبال يسبحن } فإن قيل: لم قدم الجبال على الطير؟ قيل: تسبيحها وتسخيرها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإِعجاز لأنها جماد { والطير } حيوان ناطق، روي أنه كان يمر بالجبال مسبحاً وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار، قال جار الله: فإن قلت: كيف تنطق الجبال وتسبح؟ قلتُ: لأن الله يخلق فيها الكلام كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى، وجواب آخر وهو أن يسبح من رآها تسير بسير الله فكما حملت على التسبيح وصفت { وكنا فاعلين } أي قاصرين على أن نفعل هذا { وعلّمناه صنعة لبوس لكم } يعني الدروع، وروي أن أول من صنع الدروع داوود، والله تعالى جعل الحديد في يده كالعجين كما قال: { { وألنا له الحديد } [سبأ: 10]، قيل: أن داوود سأل ملكاً ماذا يقول له أهل السماء، قال: يقولون: نعم العبد لو أكل من كسب يده، فسأل الله أن يعلمه كسباً فعلَّمه صنعة الدروع { لتحصنكم من بأسكم } لتحرزكم وتمنعكم من بأسكم، أي من حربكم، قرئ بالنون والياء فالنون لله عزَّ وجلّ والياء لداوود والملتزمين { فهل أنتم شاكرون } على هذه النعم؟ ثم عطف قصة سليمان (عليه السلام) على ما تقدم من القصص فقال سبحانه: { ولسليمان الريح عاصفة } شديدة الهبوب، وقيل: كيف الجمع بين قوله عاصفة ورخاء في موضع آخر؟ قالوا: أراد أن سخّر له الريح فكان يجري كيف شاء إن ما سهلاً وإن ما شديداً كالراكب فرسه في يده لجامه يصرفه كيف شاء مرة سيراً ومرة ركضاً { تجري بأمره } بأمر سليمان { إلى الأرض التي باركنا فيها }، قيل: أرض الشام بارك فيها الخصب لأنها مكان الأنبياء وكانت الريح تسير به إلى الغداة سير شهر وفي الرواح كذلك، وكان يسكن ببعلبك وبيتاً له ببيت المقدس فيحتاج إلى الخروج إليها أو إلى غيرها، وعن وهب: كان سليمان يخرج إلى مجلسه فيعكف له الطير ويقومن له الانس والجن حتى يجلس على سريره، ويجتمع معه جنوده وما يحتاج إليه من الآلات ثم تحمله الرياح إلى حيث أراد { وكنَّا بكل شيء عالمين } فنفعل ما فعلنا لما رأينا من المصلحة { ومن الشياطين من يغوصون له } أي سخرنا من الشياطين من يغوصون له تحت الماء في البحار فيخرجون الجواهر واللآلئ { ويعملون عملاً دون ذلك } مثل بناء المدائن والقصور واختراع الصنائع العجيبة كما { { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } [سبأ: 13] { وكنَّا لهم حافظين } والله حافظهم أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيّروا أو يؤخذ منهم فساد فيما هم فيه.