{ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} أي حجة بيّنة، وهي المعجزات التي أعطي موسى {إلى فرعون ومَلَئِهِ} يعني قومه {فاستكبروا} يعني تعظموا وتكبروا عن الإِيمان {وكانوا قوما عالين} أي متكبرين قاهرين للخلق ظلماً {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا} هو استفهام والمراد الإِنكار {وقومهما} يعني بني إسرائيل {لنا عابدون} مطيعون لنا طاعة العبد لمولاه، وروي أنهم كانوا يعبدون فرعون {فكذّبوهما فكانوا من المهلكين} {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {لعلّهم يهتدون} أي لكي يهتدون، يعني قومه {وجعلنا ابن مريم وآمه آية} ثم عطف على ما تقدم بذكر عيسى (عليه السلام) وجعلهما آية ومعجزة لعيسى (عليه السلام) {وآويناهما إلى ربوة} أي أرض مرتفعة قيل: فلسطين، وقيل: دمشق، وقيل: أرض بيت المقدس فإنها كبد الأرض وأقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلاً عن كعب {ذات قرار ومعين} قيل: ذات استواء وسعة يستقر عليها، وقوله: {معين} ماء جاري ظاهراً {يأيها الرسل كلوا من الطيّبات} الخطاب عام للجميع، وقيل: هو خطاب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والطيبات قيل: الحلال، وقيل: كل ما يستطاب، وروي أن عيسى كان يأكل من غزل أمه {واعملوا صالحاً} هو أمرٌ بالطاعات {إني بما تعملون عليم} فمجازيكم بأعمالكم وفيه تحذير عن مخالفته....... بطاعته {وإن هذه أمتكم أمة واحدة} قيل: دينكم دين واحد، وقيل: خطاب للرسل وفيه حذف، أي وقلنا لهم ودينكم واحد فيما يلزمكم من التوحيد والعدل، وقيل: خطاب لهذه الأمة ان أمتكم أمة واحدة، يعني جميع الأمم في أنهم عبيد الله {وأنا ربكم} خالقكم {فاتقون} أي فاتقوا مخالفة أمري، ثم أخبر سبحانه عن الأمم فقال: {فتقطّعوا أمرهم بينهم} أي تفرقوا وتقطعوا إشارة إلى أشد الاختلاف وذلك أنهم اتبعوا علماء السوء ورؤساء القوم {زبراً}، قيل: كتباً، والمعنى تفرقوا فآمن كل فريق بكتاب وكفر بغيره كاليهود آمنوا بالتوراة وكفروا بالإِنجيل والفرقان، والنصارى آمنوا بالإِنجيل وكفروا بالتوراة والقرآن، وقيل: أحدثوا كتاباً يحتجون لمذهبهم {كل حزب بما لديهم فرحون} كل جماعة بما لديهم من دينهم فرحون مسرورون ومتعجبون {فذرهم} أي اتركهم وهذا وعيدٌ.... قيل: في كفرهم، وقيل: في عماهم، وقيل: في غفلتهم {في غمرتهم} أي وقت الموت والمعاينة، وقيل: إلى يوم القيامة، وقيل: يوم بدر {أيحسبون} يعني يظنون هؤلاء الكفار {أنما نمدهم} نعطيهم ونزيدهم {من مال وبنين} {نسارع لهم في الخيرات} يعني لما أعطوا نعيم الدنيا ظنوه ثواباً لأنهم أنكروا المعاد {بل لا يشعرون} لا يعلمون إن ذلك ليس بثواب وإنما هو ابتلاء، ولما بيَّن حال المؤمنين المسارعين في الخيرات فقال سبحانه: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} خائفون {والذين هم بآيات ربهم يؤمنون} يصدقون {والذين هم بربهم لا يشركون} أي يوحدون الله ويعبدونه {والذين يؤتون ما آتوا} أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والديون والودائع والأمانات {وقلوبهم وجلة} أي خائفة {إنهم إلى ربهم راجعون} إلى حكمه {أولئك يسارعون في الخيرات} في طاعة الله {وهم لها سابقون} يعني لما علم منهم الأعمال الصالحة حكم لهم بالسعادة، وقيل: إلى الخيرات سابقون، ولها بمعنى إليها، وقيل: من أجل الخيرات سابقون إلى الجنة.