{ ألم تر أن الله يزجي سحاباً } أي يسوقه إلى حيث يريد، ومنه البضاعة المزجاة أي يزجيها كل أحد لا يرضاها { ثم يؤلف بينه } أي يضم ويجمع بين قطع السحاب المتفرقة { ثم يجعله ركاماً } أي متراكماً { فترى الودق يخرج من خلاله } من وسطه { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } قيل: ذلك جبال في السماء من برد، وقيل: أراد بالسماء المعروفة فيها جبال البرد، وروي أنه ينزل البرد والمطر من السماء إلى السحاب، ثم ينزل إلى الأرض، وقيل: بل يخلق في السحاب حالاً بعد حال إن شاء المطر وإن شاء البر، قال جار الله: فإن قلت: متى رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسبيح من في السماء ودعاءهم، وتسبيح الطير ودعاءهم، وينزل المطر من جبال برد في السماء حتى قيل له: ألم تر؟ قلتُ له: علم من جهة الله اخبار الله بذلك على طريق الوحي { فيصيب به } البرد { من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } أي ضوء برقه، وقيل: لمعان برقه لشدة ضوئه { يقلب الله الليل والنهار } يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما، وقيل: بالطول والقصر بإدخال أحدهما في الآخر، وقيل: بالحر والبرد، وقيل: بالظلمة { إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } لذوي العقول لأنهم المكلفون الذين يمكنهم النظر { والله خلق كل دابة } أي كل حيوان { من ماء } من نطفة، وقيل: من ماء لأن أصل الخلق الماء، ثم قلب بعد الماء فجعلها ريحاً فخلق منه الملائكة وبعضه نار فخلق منه الجن، وبعضه إلى الطين فخلق منه آدم، وقيل: المراد كثرة الدواب لأن من الحيوانات من خلقه من التراب والرياح { فمنهم من يمشي على بطنه } كالحية والحوت والديدان، فإن قلت: لم سمي الزحف على البطن مشي؟ قلتُ: على سبيل الاستعارة كما يقال: فلان يمشي له أمرٌ { ومنهم من يمشي على رجلين } كالجن والإِنس والطيور { ومنهم من يمشي على أربع } كالأنعام والوحوش والسباع، وقيل: في قوله: { يخلق الله ما يشاء } تبينة على أن فيها أكثر من ذلك { إن الله على كل شيء قدير } قوله تعالى: { لقد أنزلنا آيات } دلالات، هو القرآن وسائر الأدلة { مبينات } واضحات { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }، وقيل: يهدي إلى طريق الجنة من يشاء وهم المؤمنون { ويقولون آمنا بالله وبالرسول } الآية نزلت في المنافقين وذلك أنهم يدَّعون بألسنتهم الايمان والطاعة { ثم يتولى فريق منهم } جماعة يعرضون على حكم الله وهم المنافقون { من بعد ذلك } أي من بعد أن أقروا بألسنتهم { وما أولئك بالمؤمنين } في الحقيقة { وإذا دعوا إلى الله } أي إلى كتابه وحكمه وشريعته ورسوله، أي وإلى رسوله { ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق } يعني إذا علموا أن الحق لهم أتوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { مذعنين } مطيعين منقادين { أفي قلوبهم مرض } شك ونفاق في نبوتك { أم ارتابوا } أي شكوا { أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله } أي يظلمهم ويجور عليهم، وقيل: يخافون أن يميل الرسول في الحكم { بل أولئك هم الظالمون } لأنفسهم حيث أعرضوا عن حكم الله وحكم رسوله، أو هم الظالمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث ظنوا أنه يحيف.