التفاسير

< >
عرض

وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ
٦٠
لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٦١
-النور

تفسير الأعقم

{ والقواعد من النساء } يعني التي قعدت من الحيض والولد لكبر { أن يضعن ثيابهن } واختلفوا في هذه الثياب فقيل: الرداء، وقيل: الخمار والله أعلم { غير متبرجات بزينة } يعني أن يردن بموضع الحليات إظهار زينتهنّ { وأن يستعففن } يطلبن العفّة بلبس الجلابيب { خير لهنّ والله سميع عليم }، لما تقدم الاستئذان والدخول عقبه ببيان المؤاكلة فقال سبحانه: { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } قيل: لما نزل قوله: { { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [البقرة: 188] تحرج المسلمون من مؤاكلة الزمنى والعمي والمرضى والأعرج، وقالوا: الأعمى لا يبصر، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، وقيل: نزلت في الأكل من بيوت الغزاة إذا خلفوهم في منازلهم، وكانوا يخلفون الزمنى والعمي فيدفعون المفاتيح اليهم، وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غازياً وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً، فسأله فقال: تحرجت أن آكل طعامك بغير أمرك فنزلت الآية، وفي جميع ما تقدم قولان: أحدهما رفع الحرج في المؤاكلة يعني لا حرج في مؤاكلة هؤلاء، وقيل: لا ضيق عليكم في مؤاكلة الغزاة إذا خلفتم فيها بإذنهم، وقيل: لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد، والوجه الأول لأنه لم يذكر الجهاد هنا { ولا على أنفسكم } قيل: يتصل بما قبله، وقيل: كان الرجل إذا وجد في بيته شيئاً لم يعلم من أين اكتسبه تحرج عن أكله فأباح له ذلك، ثم رخص الأكل من بيوت عدة من الأقارب إلى قوله: { خالاتكم }، وقيل: أباح الأكل من بيوت هؤلاء من غير إذن، وقيل: ما جرت من العادة في أن يكون مثله مباحاً، وكذلك عطف عليه الصديق والآية تدل على أن الآية في الأكل من بيوت هؤلاء، وإنما المراد به مع الإِذن، وفي الحديث: "لا يحل مال امرءٍ مسلم إلا بطيبة من نفسه" ، وقول من يقول: هو حكم ثابت فبعيد لأن مال الغير لا يحل { أو ما ملكتم مفاتحه } وهو أموال الرجال إذا كان لهم عليها وكيل يحفظها له فله أن يأكل من تمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته، وملك المفاتيح كونها في يده وحفظه، وقيل: بيوت المماليك لأن مال العبد لمولاه { أو صديقكم } قال جار الله: فإن قلت: ما معنى: { أو صديقكم }؟ قلتُ: معناه أو بيوت أصدقائكم، والصديق يكون واحداً وجمعاً، قيل: كان للرجل أن يدخل بيت صديقه ويأكل من طعامه من غير إذن، وقيل: هو الصديق في الدين وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كسبُه، فيأخذ منه ما شاء، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها مسروراً بذلك، ويحكى عن الحسن أنه دخل داره فإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالاً من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون منها، فتهللت أسارير وجهه وضحك وقال: هكذا وجدناهم، يريد كبراء الصحابة { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً } أي مجتمعين ومتفرقين، والآية نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظراً نهاره إلى الليل، فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة، وقيل: في قوم من الأنصار كان إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم، وقيل: تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض { فإذا دخلتم بيوتاً } من هذه البيوت لتأكلوا فابدأوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة { تحية من عند الله } أي ثابتة مشروعة، ووصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير، وعن أنس قال: "خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا قال لي لشيء تركته: لِمَ تركته؟ وكنت واقفاً على رأسه أصب الماء على يده، فرفع رأسه وقال: ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها؟ قلت: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: متى لقيت من أمتي أحداً فسلّم عليه يطل عمرك، وإذا دخلت بيتك فسلّم على أهل بيتك يكثر خير بيتك، وصلّ صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين" ، وقال: "إن لم يكن في البيت أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته" ، وعن ابن عباس: إذا دخلت المسجد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقيل: إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أنفسكم وعيالكم.