قوله تعالى: {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} حيَّة عظيمة، قاله جار الله: والذي قاله الحاكم: أنها انقلبت حيَّة ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة لفرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت، ويقول فرعون: أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا كما كانت، فقال فرعون: هل غيرها، فنزع يده قيل: أخرجها من جيبه، وقيل: من اللباس الذي عليه {فإذا هي بيضاء للناظرين}، قيل: كانت بيضاء نورها كالشمس في إشراقها، فلما رأى مرة على أشراف الناس الذي في المجلس {قال للملأ حوله إن هذا} يعني موسى {لساحرٌ عليم} بالسحر {يريد أن يخرجكم من أرضكم} ويأخذ ملككم، وقيل: يخرج بني إسرائيل قهراً وهم عبيدكم بسحره، قيل: يوقع العداوة بينكم فيحارب بعضكم بعضاً، وقيل: بحيلته {فماذا تأمرون} من المؤامرة وهي المشاورة {قالوا أرجه وأخاه} أرجه بالهمز والتخفيف وهما لغتان والمعنى إرجه ومناظرته لوقت اجتماع السحرة، وقيل: احبسه وأخاه {وابعث في المدائن حاشرين} خائفين {يأتوك بكل ساحر عليم}، قيل: اجتمع ثمانون ألفاً، وقيل: اثني عشر ألفاً، قوله تعالى: {فجمع السحرة لميقات} أي لوقت {معلوم} وهو يوم الزينة، وقيل: كان اجتماعهم بالاسكندرية {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} لننظر ما يفعله الفريقان ولمن تكون الغلبة {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} لموسى، قيل: أرادوا نتبع السحرة الذي جاء به فرعون، وقيل: أرادوا بالسحرة موسى وهارون ومن معهما، وإنما قالوه استهزاء {فلما جاء السحرة}، قالوا لفرعون: {أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين} فأجابهم فرعون {قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين} يعني زيادة تقريب، ثم بيّن تعالى ما جرى بينهم عند الوعيد فقال سبحانه: {قال لهم موسى} وفي الكلام حذف كأنه قال: فلما اجتمعوا قال لهم موسى: {ألقوا ما أنتم ملقون} {فألقوا حبالهم وعصيهم}، وقيل: صيروها بألوان والزئبق في وسطها يوهمون أنها حيّات وقد وكنوا على سحرهم الذي قدروا أنهم يغلبون به موسى {وقالوا بعزّة فرعون إنا لنحن الغالبون} فلما رأى موسى ذلك ألقى عصاه فصارت ثعبان وفتح فاه {فإذا هي تلقف ما يأفكون} {فألقي السحرة ساجدين} سجدوا خاضعين، ومتى قيل: ما الذي ألقاهم ساجدين؟ قيل: الحق الذي عرفوا فرأوا الحجة الذي بهرتهم {قالوا آمنا برب العالمين} {رب موسى وهارون} وأضافوا اليهما لأنهما دعوا إليه وأخلصا له العبادة والناس يعتقدون ربوبيّته، فعند ذلك قال فرعون: {آمنتم} له يعني لموسى، ويحتمل الله تعالى {قبل أن آذن لكم إنه} يعني موسى {لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون} تهديداً لهم {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى {ولأصلبنكم أجمعين} {قالوا لا ضير إنّا إلى ربنا منقلبون} {إنّا نطمع} نرجو {أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين} بآيات موسى.