{وحرّمنا عليه المراضع} أي منعناه، وقيل: كره اليه ألبان النسوان، والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع {من قبل} قصصها أثره، فلما رأت أخت موسى ذلك {قالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم}، قوله تعالى: {وهم له ناصحون} يعني لموسى، قال هامان: إنها لتعرفه وتعرف أهله، فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون وهو يبكي، فطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال فرعون: ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ قالت: امرأة طيبة الريح وطيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد {فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} من تحقيق ذلك الوعد، ثم بيّن تعالى حديث موسى بعدما شبّ سنة خروجه من مصر فقال سبحانه: {ولما بلغ أشدّه}، قيل: كمال قوته في البدن والعقل، وقيل: الأشدّ ثلاثون سنة، وقيل: أربعون {واستوى آتيناه حكماً وعلماً} أعطيناه حكماً وعلماً قيل: النبوة والعلم، وقيل: فهماً وعقلاً، وقيل: هو علوم الشرائع {وكذلك نجزي المحسنين} {ودخل المدينة} يعني موسى دخل مدينة مصر، وقيل: أرض مصر {على حين غفلة من أهلها}، قيل: وقت القائلة، وقيل: يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلعبهم، وقيل: بين المغرب والعشاء {فوجد فيها رجلين يقتتلان}، قيل: كانت خصومتهما الدين وقيل: في أمر الدنيا {هذا من شيعته} ممن شايعه على دينه {وهذا من عدوه} كان كافراً {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} يعني الإِسرائيلي استغاث موسى على القبطي لأنه علم منزلته من بني إسرائيل ولم يعلم الناس إلاَّ من قبل الرضاعة فقال موسى للقبطي: خلي سبيله، فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبويك، فتنازعا {فوكزه موسى} أي دفع في صدره بجميع كفه، وقيل: الوكز بأطراف الأصابع {فقضى عليه} وروي أن موسى لم يتعمد لقتله ولكن قصد لتخليص المؤمن من يد الكافر، وروي أنه لم يُبح قتل الكافر حينئذ {قال هذا من عمل الشيطان} أي من اغوائه ووسوسته {إنه عدو} لبني آدم {مضل} الكافر بوسوسته {مبين} ظاهر العداوة {قال رب إني ظلمت نفسي}، قيل: كان ذلك صغيرة لزمه التوبة، وقيل: ظلمت نفسي في هذا القتل فإنهم يقتلوني {فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} {قال رب بما أنعمت علي} النعم ديناً ودنيا {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} أي معيناً {فأصبح في المدينة} في اليوم الثاني {خائفاً} من قتل القبطي {يترقب} ينتظر الأخبار {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} وذلك أنه لما فشى أمر القتل قيل لفرعون: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فقال: أتعرفون قاتله؟ ومن شهد عليه؟ وأمرهم أن يطلبوه، فصاح بموسى فـ {قال له موسى إنك لغوي مبين} ظاهر الغواية ولم يرد أنه غويّ في الدين وإنما أراد من خاصم آل فرعون مع كفرهم فإنه غوي، وقيل: بل قال للقبطي إنك لغوي مبين بطلبك وسخرك إياه ثم أراد موسى (عليه السلام) نصر الإِسرائيلي فقال سبحانه: {فلما أراد أن يبطش} أن يأخذ بشدة {بالذي هو عدوّ لهما} يعني القبطي فقال: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس ان تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض} بالقتل والظلم {وما تريد أن تكون من المصلحين} فانطلق إلى فرعون وأخبره به وأمر فرعون بقتل موسى.