التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢٠
فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢١
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
٢٢
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
-القصص

تفسير الأعقم

قوله تعالى: { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى }، قيل: كان من شيعة موسى فسلك طريقاً قريباً فسبقهم إلى موسى وأخبره بالخبر وأنذره، وقيل: هو من آل فرعون، وقيل: اسمه شمعون، وقيل: كان ابن عم فرعون فأقبل يسعى سريعاً لينذره فـ { قال يا موسى إن الملأ } أي الأشراف من قوم فرعون { يأتمرون بك } يتشاورون في قتلك { فاخرج } من أرض مصر { إني لك من الناصحين } في هذا، ثم بيّن تعالى خروجه من مصر إلى مدين فقال سبحانه: { فخرج } موسى من المدينة { خائفاً } من قوم فرعون أن يأخذوه ويقتلوه بالقبطي { يترقب } ينتظر { قال رب نجني من القوم الظالمين } يعني من فرعون وقومه { ولما توجه تلقاء مدين } أي أقبل بوجهه على ناحية مدين قاصداً لها، وقيل: لما خرج من مصر لم يدرِ أين يذهب فأخذ في طريق عنده أنها توديه إلى مدين وهي مدينة شعيب { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } يعني وسط الطريق، وروي أن بين مصر ومدين مسيرة ثمان، وكان موسى (عليه السلام) لا يعرف إليها الطريق قيل: لما دعا الله سبحانه دله على الطريق حتى ورد ماء مدين، وقيل: جاءه ملك فانطلق به إلى مدين { ولما ورد ماء مدين } بئراً كانت { وجد عليها أمة من الناس يسقون } أي جماعة يسقون مواشيهم { ووجد من دونهم امرأتين تذودان } الناس عن مواشيهما، وقيل: يكفان الغنم أن تختلط بأغنام الناس، وقيل: يمنعان غنمهما عن الماء حتى يصدر الرعاء ويحلو لهما البئر ثم يسقيان وذلك لضعفهما، قال الحاكم: وهو الوجه { قال } لهما موسى { ما خطبكما } أي ما شأنكما لا تسقيان مع الناس؟ { قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير } أي هو لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه فإنا لا نختلط بالرجال، وقيل: لا نطيق السقي، فلما سمع موسى كلامهما رحمهما وسقى لهما غنمهما، وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقلبه إلا سبعة رجال، وقيل: عشرة: وقيل: أربعون، وقيل: مائة فقلبه وحده، وروي أنه سألهم دلو من الماء فأعطوه وقالوا: استق بها وكان لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبّها في الحوض ودعا بالبركة، وروي أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف مع ما كان به من النصب والجزع { ثم تولّى إلى الظل }، قيل: ظل شجرة { فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير }، قيل: أدركه جوع شديد، ويحتمل أن يريد أني محتاج إلى الدنيا لأجل ما أنزلت إليَّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين، وروي أنهما لما رجعا إلى أبيهما قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا وسقى لنا، قال لإِحداهما: إذهبي فادعيه لي، فتبعها موسى وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، وقوله تعالى: { تمشي على استحياء } من موسى، وروي أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق { فلما جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف } سلطان فرعون في أرضنا { نجوت من القوم الظالمين } وقد روي أنها لما قالت: { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } كره ذلك ولما قدم اليه الطعام امتنع وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهباً ولا نأخذ على المعروف ثمناً، حتى قال شعيب: هذا عادتنا مع كل من نزل بنا.