التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣٤
وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٣٥
أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
١٣٦
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
١٣٨
-آل عمران

تفسير الأعقم

قوله تعالى: { الذين ينفقون في السرَّاء والضرَّاء } في حال الرخاء واليسر وحال الضيق والعسر { والكاظمين الغيظ } أي الحابسين له وأصل الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما من جرعة أكرم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "رأيت قصوراً مشرفة على الجنة قلت: لمن هذه؟ قالوا: للكاظمين الغيظ" وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من كتم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً" قوله تعالى: { والعافين عن الناس } إذا حيف عليهم أحد لم يؤاخذوه، وروي أنه ينادي منادي يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله، فلا يقوم إلا من عَفَى، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ هؤلاء في أُمَّتي قليل إلاّ من عصم الله وقد كانوا كثيراً في الأمم الماضية" قوله تعالى: { والله يحب المحسنين } إلى من أساء إليهم، وقيل: إلى الناس، وقيل: المحسنين، ومعنى محبة الله تعالى إكرامهم بالثواب، قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشةً } أراد الزنا والقُبلة، وقيل: الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة، قوله: { أو ظلموا أنفسهم } قال جار الله: إذا أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به، وقيل الفاحشة: الزنا وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوها، { ذكروا الله } ذكروا عقابه ووعيده ونهيه { فاستغفروا لذنوبهم } تابوا عنها لقبحها نادمين { ولم يصرّوا على ما فعلوا } ولم يقيموا على ما فعلوا ولم يقيموا على قبح قولهم غير مستغفرين، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" وروي لا صغيرة مع الإِصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى (عليه السلام): "ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل" وروي طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، قوله تعالى: { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات } قال الحسن البصري يقول الله تعالى يوم القيامة: "جُوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم" وعن رابعة البصريَّة أنها كانت تنشد هذا البيت:

ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس

قوله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن } يريد ما سنَّه الله في الأمم { المكذبين } من وقائعه، كقوله تعالى: { { أخذوا وقتلوا تقتيلا } [الأحزاب: 61] { { سنة الله في الذين خلوا من قبل } [الأحزاب: 38] قوله تعالى: { هذا بيان للناس } إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب، يعني حثَّهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم والإِعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم، قوله تعالى: { وهدى وموعظة للمتقين } يعني أنه مع كونه بياناً وتنبيهاً للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين.