التفاسير

< >
عرض

مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٧٩
وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٨٠
لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
١٨١
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
١٨٢
ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٨٣
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
١٨٤
-آل عمران

تفسير الأعقم

قوله تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه } من اختلاط المؤمن المخلص والمنافق { حتى يميز الخبيث من الطيب } حتى يعزل المنافق عن المخلص { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } وروي أن المشركين قالوا لأبي طالب: إن كان محمد صادقاً فيما يزعم يخبرنا من يؤمن منَّا ومن يكفر فإن وجدناه صادقاً آمنَّا به، فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب }، وقيل: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فنزلت، قال جار الله: المعنى ما كان الله ليؤتي أحداً منكم علم الغيب فلا تتوهموا عند إخبار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب اطلاع الله تعالى فيخبر عن إيمانها وكفرها ولكن الله يرسل الرسول فيوحي إليه ويخبره أن في الغيب كذا، وأن فلاناً في قلبه النفاق، وفلاناً في قلبه الإِيمان، فيعلم ذلك من إخبار الله لا من جهة إطلاعه، قوله تعالى: { ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } فيخبر ببعض المغيبات { فآمنوا بالله ورسله } بأن تقدروه حق قدره وتعظموه وحده مطلعاً على الغيوب، قوله تعالى: { ولا يحسبنَّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله }: نزلت في مانع الزكاة روي أنه يجعل ما بخل به من الزكاة حيَّة يطوقها في عنقه يوم القيامة، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مانع الزكاة: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له شجاع أقرع يفرّ منه وهو يتبعه" ثم تلا هذه الآية: { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } يطوق بشجاع أقرع، وعن النخعي: سيطوقون بِطوق من نار، قوله تعالى: { ولله ميراث السموات والأرض } أي وله ما فيهما مما يتوارثه أهلها من مال وغيره فما بالهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله، وقيل: نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا صفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قوله تعالى: { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } الآية نزلت في فنحاص اليهودي وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: { { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [البقرة: 245] قال فنحاص اليهودي: إن الله فقير يحتاج الى قرض فنزلت الآية، ومعنى { سمع الله قولهم } أنه لم يُخْف عليه وأنه أعدَّ له كناية من العقاب { سنكتب ما قالوا } في صحائف اعمالهم وهذا على جهة الوعيد { ونقول لهم } يوم القيامة { ذوقوا عذاب الحريق } كما أذقتم المسلمين الغصَص { ذلك } إشارةً إلى ما تقدَّم من عقابهم، وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال يقع بها، قوله تعالى: { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } الآية نزلت في جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب قالوا: يا محمد إن الله عهد إلينا في التوراة { ألاَّ نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجئنا به نُصدقك، فنزلت الآية، وعن الكلبي والسدي قال: أن الله تعالى: أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه نبي فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار، حتى يأتيكم المسيح ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان وقد ألزمهم الله تعالى أن أنبياءهم جاؤوهم بالبيّنات الكثيرة وبالذي قالوا القربان حتى أوجب عليهم التصديق، وجاؤوهم بالبيّنات أيضاً بهذه الآية التي اقترحوها { فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين }، قوله تعالى: { فإن كذَّبوك } تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { فقد كذِّب رسل من قبلك جاؤوا بالبينَّات } الكثيرة التي توجب الصدق { والزبر } وهي الصحائف { والكتاب المنير } للتوراة والإِنجيل والزبور.