{ إن الذين كفروا } هم اليهود كفروا بعيسى والإِنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة { ثم ازدادوا كفراً } بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن وكفروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن كانوا مؤمنين به قبل بعثه، وقيل: نزلت في الذين ارتدوا ولحقوا بدار الحرب { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } يعني جعله فدية، قوله تعالى: { لن تنالوا البر } أي لن تبلغوا حقيقة البر وهو الثواب { حتى تنفقوا مما تحبون } أي حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها، قوله تعالى: { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل } الآية قيل: "نزلت لما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لليهود والنصارى: أنا علي دين إبراهيم قالوا: كيف وأنت تأكل لحم الإِبل وتشرب ألبانها؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): كان ذلك حلالاً لإبراهيم فنحن نحلّه فقالت اليهود: كل شيء أصبحت اليوم تحرمه فإنه كان محرماً على نوح وإِبراهيم وهلمَّ جرّا حتى انتهى الينا" ، فنزلت الآية: { إلا ما حرّم } والذي حرم { إسرائيل على نفسه } وهو يعقوب لحوم الإِبل، وقيل: العروق، وكان به عرق النساء، فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إلي، وإنما حرم ذلك على اليهود عقوبة لهم، قوله تعالى: { قل } يا محمد { فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } وروي أنهم لم يجسروا على إخراج التوراة من بعد ما لزمتهم الحجة القاطعة { فأولئك هم الظالمون } المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البيّنات، قوله تعالى: { قل صدق الله } تعريض لكذبهم { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً } وهي ملة الإِسلام التي عليها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن اتّبعه، قوله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس } صفة للبيت والواضع هو الله تعالى، جعله متعبداً للناس، "وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سُئِلَ عن أول مسجد وضع للناس؟ فقال: المسجد الحرام ثم بيت المقدس وسئل كم بينهما؟ فقال: أربعون سنة وأول من بناه إبراهيم (عليه السلام)، ثم بناه من العرب جرهُم، ثم هدم فبناه العمالقة، ثم هدم فبنته قريش" . وعن ابن عباس هو أول بيت حج بعد الطوفان، وقيل: هو أولَّ بيت ظهر على وجه الماء حين خلق الله السماء والأرض، خلقه قبل الأرض بألفي عام، وكان زبدة بيضاء على الماء، فدحيت الأرض تحته، وقيل: أول بيت بناه آدم (عليه السلام) { ببكة } بكة ومكة لغتان، وقيل: لأنها تبك أعناق الجبابرة، لم يقصدها جبار إلاّ قصمه الله تعالى { مباركاً } كثير الخير لما يحصل لمن حجه من الثواب، قوله تعالى: { مقام إبراهيم } قيل: إنه لما ارتفع بنيان الكعبة وضع إبراهيم رجله على هذا الحجر فغاصت فيه قدمه، وقيل: أنه جاء زائراً من الشام إلى مكة، فقالت له امرأة اسماعيل: إنزل حتى تغسل رأسك، فلم ينزل، فجاءته بهذه الحجر فوضعته على شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه، ثم حولته على شقه الأيسر فغسلت شقه الآخر، فبقي أثر قدمه عليه، قوله تعالى: { من دخله كان آمناً } قيل: من القتل، وقيل: من النار، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من مات في احد الحرمين بعث يوم القيامة آمناً" وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام" { من استطاع إليه سبيلاً } عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه فسَّر الاستطاعة بالزاد والراحلة وعليه أكثر العلماء { ومن كفر } أي لم يحج تغليظاً على تارك الحج، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من مات ولم يحج مات إن شاء يهودياً أو نصرانياً" ونحوه من التغليظ من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر بالله مجتهداً.