التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
١٥
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
١٦
فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٧
أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ
١٨
أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٩
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
-السجدة

تفسير الأعقم

{ إنما يؤمن بآياتنا } أي بالقرآن وسائر الحجج { الذين إذا ذكروا بها } أي وعظوا سجدوا تواضعاً لله وخشوعاً وشكروا على ما رزقهم من الإِسلام { وسبّحوا بحمد ربهم } ونزهوا الله من نسبة القبائح اليه وأثنوا عليه حامدين له { وهم لا يستكبرون } كما من يصرّ مستكبراً كأن لم يسمعها ومثله قوله: { { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً } [الإسراء: 107] { ويقولون سبحان ربنا } { تتجافى جنوبهم } ترتفع وتتنحى { عن المضاجع } عن الفرش وموضع النوم { يدعون ربهم } داعين ربهم عابدين له لأجل خوفهم من سخطه ولجمعهم في رحمته وهم المتهجدون، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسيرها: "قيام العبد من الليل" وعن الحسن: أنه التهجد، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء منادي ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادي: ليقوم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقوموا وهم قليل، ثم يرجع فينادي ليقوم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعاً إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس."
وعن أنس: كان أناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء فنزلت، وقيل: هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها { فلا تعلم نفس ما أُخْفِيَ لهم من قرة أعين } والمعنى لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب إذا أجزى الله أولئك وأخفاه من جميع خلائقه لا يعلمهم إلا هو مما تقرّ به عيونهم { جزاء بما كانوا يعملون }، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أقرأوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }" { أفمن كان مؤمناً } نزلت في علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) { كمن كان فاسقاً } نزلت في الوليد بن عقبة، جرى بينهما كلام فقال له: اسكت فإنك فاسق فنزلت، { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً } نوع من الجنان، قال الله تعالى: { { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى } [النجم: 13-15] سميت بذلك لما روي عن ابن عباس قال: تأوي إليها أرواح الشهداء، وقيل: هي عن يمين العرش { وأما الذين فسقوا } خرجوا من الطاعة { فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها } كلما كادوا يخرجوا لأنها ترفعهم بلهبها ضربوا بمقامع حتى يهووا فيها، وقيل: كلما قصدوا أن يخرجوا منعوا من ذلك { وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر }، قيل: مصائب الدنيا ومحنها، وقيل: القتل يوم بدر، وقيل: العذاب في القبر، وقيل: الأخدود { لعلهم يرجعون } أي يتوبون عن الكفر ولعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه، فإن قيل: كيف يصح قوله: { لعلهم يرجعون }؟ قالوا: معناه وعدهم بها وأخبرهم دون العذاب الأكبر وهو يوم القيامة { ومن أظلم } أي لا أظلم أعظم { ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون } بإحلال العذاب بهم.