التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
١٥
فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ
١٦
ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ
١٧
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ
١٨
فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
١٩
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٠
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ
٢١
-سبأ

تفسير الأعقم

{ لقد كان لسبأ } قيل: حي باليمن، وقيل: أرض باليمن، وقيل: كان رجل من العرب { في مسكنهم } بلدهم { آية جنتان } حجة على وحدانيته وقدرته { عن يمين وشمال } عن يمين البلد وشمالها { كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور } { فأعرضوا } عن أمر الله { فأرسلنا عليهم سيل العرم } السيل الماء الجاري الكثير، واختلفوا في العرم قيل: أن بلقيس الملكة سدت ما بين الجبلين بالصخر، فحقنت فيهما العيون والأمطار وتركت فيه حروقاً على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم، وقيل: العرم اسم الوادي، وقيل: الخرق بقيّة العرم الذي بين السد من أسفله فسال منه الماء فخرب الجنان، وقيل: هو صفة السيل يعني سيل شديد { وبدّلناهم بجنتيهم جنتين } سماهما جنتين توسعاً { ذواتى أكل خمط } قيل: هو كل شجرة ذي شوك، وقيل: الخمط الاراك لا أكل له، و{ وأثل } قيل: الاثل الخشب { وشيء من سدر قليل } قال قتادة: كان شجرهم خير شجر فصيره الله شر شجر لسوء أعمالهم { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } يعني هل يعاقب بمثل ذلك العقاب إلا الكفار { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها } قيل: هي الشام، وقيل: هي بيت المقدس { قرى ظاهرة } وقيل: كان بين اليمن والشام قرى متصلة يرى بعضها من بعض، وقيل: قرى صنعاء عن وهب { وقدّرنا فيها السير } أي قلنا لهم: { سيروا } وهي إباحة وليس بأمر { فيها } أي في القرى { ليالي وأياماً آمنين } يعني أي وقت شئتم ليلاً أو نهاراً، آمنين لا يخافون جوعاً ولا عطشاً ولا ظمأ من أحد ولا يحتاجون إلى زاد، وذلك أن القوم كانوا يسيرون فيها ليالي وآياماً آمنين لا يخافون وإن تطاولت مدة سفرهم فيها وامتدت أياماً وليالي، أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم فإنكم في كل حين وزمان لا تلقون فيها الأمان { فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا } وبعّدنا ربنا على الدعاء، بطروا النعمة وشموا من طيب العيش وكَلّوا العافية فطلبوا الكد والتعب، كما طلبت بنو إسرائيل البصل والثوم مكان المن والسلوى وقالوا: لو كان حسابنا كان أجدر أن نشتهيه، وتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد فجعل الله لهم الإِجابة { وظلموا أنفسهم } بالكفر والمعاصي { فجعلناهم أحاديث } يتحدث الناس بهم وتعجبوا من أحوالهم { ومزّقناهم كل ممزق } وفرقناهم تفريقاً، قيل: أهلكناهم بعذاب الاستئصال فتمزقت أجسادهم، وروي أنهم أهلكوا بالجوع والعطش { إن في ذلك } أي فيما تقدم { لآيات لكل صبَّار شكور } { ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه فاتبعوه } قيل: ظن ذلك عند اخبار الله والملائكة أنه يجعل فيها من يفسد فيها، وقيل: إنه حين وجد آدم ضعيف العزم قد أصغى إلى وسوسته قال: إن ذريته أضعف عزماً منه، فظن بهم اتباعهم وقال: لأضلنهم ولأغوينهم، فلما دعاهم أجابوه صدق ظنه فيهم، والضمير في عليهم واتبعوه اما لأهل سبأ أو لبني آدم { إلا فريقاً من المؤمنين } عملوا بما أمر الله { وما كان له عليهم من سلطان } من تسليط سيف ولكن دعاهم إلى ما وافق هداهم فأجابوه { الا لنعلم } بمعنى لكن التخلية بينكم وبينه ليظهر المعلوم ممن تبعه وممن لا يتبعه { من يؤمن بالآخرة } قيل: ليتميز من يؤمن بالآخرة ويرد دعوة إبليس، وقيل: العلم بمعنى الرويّة أي ليرى المؤمنين ويميزه ممن ليس بمؤمن { ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ } أي حافظ يحفظ عليهم ليجازيهم على أفعالهم.