التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٩٧
إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً
٩٨
فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
٩٩
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٠
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً
١٠١
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٠٢
فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً
١٠٣
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

تفسير الأعقم

{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآية نزلت في قوم من المنافقين كانوا يظهرون الشرك لقومهم والإِيمان للمسلمين، وقيل: نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإِسلام ولم يهاجروا ثم خرجوا إلى بدر لقتال المسلمين فلما رأوا قلَّة المسلمين قالوا: غرَّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر فبكتهم الملائكة بقولهم: { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا } أراد أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة وهذا دليل على ان الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيها من إظهار دينه وعلم أنه في بلد أقوم وأدوم على العبادة حقَّت عليه الهجرة { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } قال ابن عباس: كنت وأُمي من الذين { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً } وكنت غلاماً صغيراً { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة } الآية قيل: لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من خزاعة يقال له جندب بن ضمرة وكان مريضاً فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعلوا فمات في الطريق، وروي أنه لما خرج ومات وبلغ خبره المسلمين فقالوا: لو بلغ المدينة لكان أتم أجره، وقال المشركون: ما أدرك ما طلب فنزلت، وروي أن جندب بن ضمرة لما أدركه أخذ بيمينه على شماله ثم قال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، وقيل: نزلت في أكثم بن صيفي فلما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل ولده إليه فآمن به فلما رجع إلى أبيه وأخبره بخبره كما كرامة لقومه ودعاهم إليها ثم قال لهم: أطيعوني يكن لكم شرف الدنيا والآخرة، فقالوا: خرّف الشيخ فلما عصوه ركب راحلته وتوجه الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلحقه رجل من سفهاء قومه فذعر الناقة فسقط منها فانكسرت رقبته فنزلت، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)" من { يجد في الأرض مراغماً كثيراً } يعني طريقاً يراغم فيه أي يفارقهم فيه على رغمهم والرغم الهون فقد وقع أجره على الله فقد وقع ثوابه عليه { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية نزلت في صلاة الخوف، وقيل: في صلاة السفر عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلَّى بأصحابه الظهر ورأى المشركون ذلك فندموا لو كانوا واقعوهم وعزموا على الايقاع بالمسلمين أن اشتغلوا بصلاتهم، فاطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أسرارهم، وروي أن بعضهم قال لبعض: دعوهم فإن لهم صلاة أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم يعنون صلاة العصر فإذا رأيتموهم قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل بصلاة الخوف، وقيل: كان سبب اسلام خالد بن الوليد، وقيل: رفع الجناح في وضع الأسلحة نزل في عبد الرحمن بن عوف ومن خرج في تلك الوقعة، ثم بيّن تعالى صلاة الخوف فقال: { وإذا كنت فيهم } يا محمد { فأقمت لهم الصلاة } يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين { فلتقم طائفة منهم معك في الصلاة } وفيه حذف تقديره وطائفة تجاه العدو { وليأخذوا أسلحتهم } قيل: المأمور بأخذ السلاح الطائفة المأمورة بالصلاة معه تأخذ السيف والخنجر والدرع فتلبسته الطائفة التي تكون تجاه، وتقديره: { وليأخذوا } الطائفة الأخرى { أسلحتهم } ويكونوا بأزاء العدو واختلفوا إذا سجدت الطائفة الأولى وفرغوا من ركعة كيف يصنعون على أقوال: تسلم وتمضي إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى وتصلي بهم ركعة وتصلي بهم هذا مذهب من يرى صلاة الخوف ركعة والإِمام ركعتان مذهب جائز عن مجاهد، الثاني أن يتم الصلاة لكل طائفة فيصلي بهم ركعتين بكل طائفة مرة وهذا مروي عن الحسن، الثالث يصلي بالطائفة الأولى بركعة أخرى والإمام قائم حتى تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يجلس في التشهد إلى أن يتموا ركعة أخرى ثم يسلم وهذا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والشافعي، الرابع أن الطائفة الأولى يصلي بهم ركعة ويعودون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى فيكبرون ويصلي بهم الركعة الثانية ويسلم الإِمام ويعودون هم إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنهم لاحقون ويسلمون ويرجعون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الثانية ويقضون ركعة بغير قراءة لأنهم مسبوقون عن ابن مسعود وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وذكر ذلك في الحاكم { ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا } وهم الذين كانوا بإزاء العدو { فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } أي ثم ليكونوا حذرين من عدوكم { ودّ الذين كفروا } تمنى الكفار { لو تغفلون عن أسلحتكم } عن آلات الحرب { وأمتعتكم } ما بها بلاغكم { فيميلون عليكم ميلة واحدة } أي يحملون عليكم حملة واحدة { ولا جناح عليكم } أي لا حرج ولا إثم { إن كان بكم أذى من مطر } أو أنتم بازاء العدوّ { أو كنتم مرضى } أي بكم علَّة أو جراح وضعفتم عن حمل السلاح { أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } أي كونوا على حذر { فإذا قضيتم الصلاة } فإذا صليتم في حال الخوف والقتال فصلّوها { قياماً } مشايفين ومقارعين { وقعوداً } جاثمين على الركب مرامين { فإذا اطمأننتم } حين تضع الحرب أوزارها { فأقيموا الصلاة } فاقضوا ما صلَّيتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } محدوداً بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها { ولا تهنوا } ولا تضعفوا ولا تنافوا { في ابتغاء القوم } في طلب الكفار بالقتال والتعرض لهم ثم ألزمهم الحجة بقوله تعالى: { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون } أي ليس ما تكابدون من الألم مختصاً بكم إنما هو مشترك بينكم وبينهم يصيبكم كما يصيبهم وأنتم ترجون النصر من الله وإظهار الدين والثواب العظيم { وكان الله عليماً حكيماً } لا يكلفكم شيئاً ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما هو عالم به فيما يصلحكم ويحسن عاقبته بكم.