{أهم خير} يعني مشركو مكة خير أعز وأمنع وأكثر مالاً وعدداً {أم قوم تُبّع} الحميري كان مؤمناً وقومه كافرون، ولذلك ذم الله قومه ولم يذمه، وهو الذي سار بالجيوش أو خير الخيرة وبنى سمرقند، وقيل: هدمها، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم" وعنه: "ما أدري كان تبعاً نبياً أو غير نبي" ، وهو الذي كسى البيت، وقيل: لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون، وإنما ذكر تبعاً لأنهم عرفوا أخباره لانتشاره وقرب زمانه ومكانه منهم، وكان في مكة والمدينة والطائف، وأجرى أنهاراً، وأبر ناراً، وفتح بلاداً {والذين من قبلهم} من الأمم الماضية {أهلكناهم} لما كفروا {إنهم كانوا} قوماً {مجرمين} مذنبين {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} غائبين، يعني لم يكن الجزاء مع التخلية في الدنيا لكان ذلك عبثاً {ما خلقناهما إلاَّ بالحق} قيل: إلا بغرض صحيح وهو أن يُطيعوه فيستحقوا الثواب، وقيل: إلا لداعي الحكمة {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن الغرض الذي لأجله خلقنا الانسان {إن يوم الفصل} يوم القيامة وفيه يفصل بين الخلق أمورهم {ميقاتهم أجمعين} يعني وقتهم الذي أمهلهم إليه {يوم لا يغني مولى عن مولىً شيئاً} أي لا يدفع صديق عن صديق، ولا ابن عم عن ابن عم، ولا ولي عن وليه من العذاب الذي نزل به {ولا هم ينصرون} أي ولا ينصرهم أحد {إلا من رحم الله} من المؤمنين، أي أنعم عليهم فإنه يشفع، وقيل: لا يشفع أحدٌ إلا من رحم الله وأذن له بالشفاعة {إنه هو العزيز} القادر الذي لا يمتنع عليه شيء {الرحيم} بعباده، قيل: نزل قوله: {إن شجرة الزقوم} {طعام الأثيم} في أبي جهل وكان يقول: ما بين لابتيها أعز وأكرم مني، فيقال له يوم القيامة توبيخاً: ذق إنك أنت العزيز الكريم كما زعمت، وروي أن أبا جهل دعا بتمر وزبد وقال: زقموا فإن هذا الذي يخوفكم به محمد {إن شجرة الزقوم} {طعام الأثيم} وهو الفاجر، وهي شجرة تأخذهم بحلوقهم وتحرق أجوافهم {كالمهل} وهو ما أذيب بالنار {يغلي في البطون} {كغلي الحميم} الماء الحار {خذوه}، يقال: {خذوه فاعتلوه} بشره وعنف وجروه إلى {الجحيم}، وقيل: ادفعوه {إلى سواء الجحيم} أي وسط النار {ثم صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم} الماء الحار يقال له حميم {ذق إنك أنت العزيز الكريم} الذي دعيت بالعزة والكرم، وقيل: العزيز في قومك الكريم فيهم، وقيل: هو على النقيض كأنه قال: أنت الذليل المهين، إلا أنه قيل: ذلك على وجه الاستخفاف به {إن هذا ما كنتم به تمترون} أي يقال لهم: إن هذا ما كنتم به تشكون، ثم عطف الوعيد بذكر ما أعدّ للمتقين فقال سبحانه وتعالى: {إن المتقين} الذي اتقوا معاصي الله {في مقام} في موضع إقامة {أمين} قيل: أمنوا العذاب وأمنوا زوال النعمة {في جناتٍ} بساتين فيها أشجار {وعيون} أنهار جارية {يلبسون من سندس واستبرق} نوعان من الحرير، وقيل: السندس الحرير والاستبرق الديباج الغليظ {متقابلين} أي يقابل بعضهم بعضاً {كذلك} قيل: كذلك فعلنا بهم، وقيل: كذلك على تلك الحالة {وزوجناهم بحور عينٍ} وهي النساء النقيات البياض، وقيل: الحور البيض والعين واسعة العين، وقيل: يحتار فيهن الطرف لبياضهن {يدعون فيها بكل فاكهة} اسهرا لها {آمنين} من نفادها، وقيل: آمنين من الموت {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} إلا بمعنى سوى، وقيل: بمعنى لكن الموتة الأولى وإنما استثنى لأنهم به أخبر بذلك في الدنيا فيصح الاستثناء فيه عن القاضي {ووقاهم عذاب الجحيم} {فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم} الظفر العظيم، ومتى قيل: إذا كان مستحقاً فكيف يكون فضلاً؟ قالوا: سبب الاستحقاق هو التكليف والتمكين وهو تفضل منه، وقيل: لأنه خلق وأنعم فاستحق أن يعبد ويشكر وإذا جازى على الفعل كان فضلاً، وقيل: لأنه أعطى المستحق وزاد، أعطى على القليل كثيراً {فإنما يسّرناه بلسانك} أي مهلناه، وقيل: جعلناه بالعربية ليسهل عليك {لعلَّهم يتذكرون} ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد {فارتقب إنهم مرتقبون} أي ارتقب للمجازاة وإنهم مرتقبون، وقيل: انتظر بهم عذاب الله فإنهم ينتظرون بك الدوائر.