التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤٠
يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٤١
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
-المائدة

تفسير الأعقم

{ ألم تعلم } خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد به غيره، وقيل: خطاب لكل مكلف على تقدير ألم تعلم أيها السامع أو أيها الإِنسان { أن الله له ملك السموات والأرض } خلقاً وملكاً { يعذب من يشاء } من يجب في الحكمة تعذيبه { ويغفر لمن يشاء } من التائبين { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } الآية نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين حاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني قريظة فأرسل اليهم واستشاروه فقال: لا تنزلوا على حكم سعد فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه يعني لا تُبَالِ بمشارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم في آثار الكيد للاعلام ومن موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم، يقال: أسرع الشيب فيه وأسرع فيه الفساد بمعنى وقع فيه سريعاً فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة، قوله تعالى: { ومن الذين هادوا } أي من اليهود قوم { سمَّاعُون للكذب } يعني قائلون لما تفتريه الأخبار من الكذب على الله تعالى وتحريف كتابه من قولك الملك يسمع كلام فلان ومنه سمع الله لمن حمده { سمَّاعُون لقوم آخرين لم يأتوك } يعني اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من شدة البغضاء والتبالغ في العداوة، وقيل: سماعون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل أن يكذبوا عليه بأن ينسخوا ما سمعوا عنه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، وقيل: سمَّاعون بني قريظة والقوم الآخرين قوم من اليهود يهود خيبر { يحرفون الكلم } يميلونه ويزيلونه { عن مواضعه } التي وضعه الله عليها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع، قوله تعالى: { يقولون أن أُوتيتم هذا فخذوه } قال جار الله: إن أُوتيتم هذا المُحَرَّف المُزال عن مواضعه فخذوه واعلموا أنه الحق واعملوا به { وإن لم تؤتوه } وأفتاكم محمد بخلافه { فاحذروا } يعني فإياكم وإياه فهو الضلال والباطل، "وروي أن شريفين من خيبر زنيا بشريفة وهم محصنان وحدّهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطاً منهم إلى بني قريظة يسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك وقالوا: إن أمركم بالجلد فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا، وأرسلوا الزانيين معهم فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به فقال له جبريل (عليه السلام): اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هل تعرفون شاباً أمرد أعور أبيض يسكن فدكاً يقال له ابن صوريا؟ قالوا: نعم هو أعلم يهودي على وجه الأرض، ورضوا به حكماً، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه هل تجدون الرجم على من أحصن؟ فقال: نعم فوثب عليه سفلة من اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، ثم سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله النبي الأمي الذي بشَّر به المرسلون، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالزانيين فرجما عند باب المسجد" { ومن يرد الله فتنته } تركه مفتوناً وخذلانه { فلن تملك له من الله شيئاً } فلن تستيطع له من لطف الله وتوفيقه شيئاً، قوله تعالى: { أن يطهر قلوبهم } يعني يمنحهم من الألطاف ما يطهر قلوبهم به لأنهم ليسوا من أهلها { أكَّالون للسحت } كما لا يحل كسبه، وعن الحسن: كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحد بالرشوة جعلها في كمه، فأراه إياها وتكلم بحاجته فسُمِع منه ولا ينظر إلى خصمه فيأكل الرشوة ويسمع الكذب وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" قوله تعالى: { فلن يضروك شيئاً } لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأبر والأهون عليهم كالجلد مكان الرجم، قوله: { بالقسط } أي بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم.