التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٤
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

تفسير الأعقم

{ ما أصاب من مصيبة في الأرض } القحط وقلة الزرع والضرع والنبات، والمصيبة في النفس الأمراض والعلل والموت { إلا في كتاب } في اللوح المحفوظ { من قبل أن نبرأها } يعني الأنفس والمصيبات { إن ذلك } أي تقدير ذلك وإثباته في كتاب { على الله يسير } وإن كان عسير على العباد، ثم علل ذلك وبيَّن الحكمة فقال: { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا } يعني أنكم إذا علمتم إن كل شيء مقدر مكتوبٌ عند الله قلّت إساءتكم على الفائت وفرحكم بالآتي، وقيل: لأن ما فات ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن تحزن عليه وما بالها كلفت الشكر في الحقوق الواجبة { والله لا يحب كل مختال فخور } أي يتكبر بما أوتي فخور على الناس { الذين يبخلون } بمنع الواجبات { ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول } أعرض عما دعا الله إليه { فإن الله هو الغني الحميد } في جميع أفعاله { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } بالحجج { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } وروي أن جبريل (عليه السلام) نزل بالميزان ودفعه إلى نوح (عليه السلام) وقال: مرْ قومكم أن يزنوا به، وقيل: هو الميزان الذي يوزن به، وقيل: المراد به العدل { وأنزلنا الحديد } قيل: نزل آدم (عليه السلام) ومعه خمسة أشياء من حديد الجنة: السندان والكلبتان والمنفعة والمطرقة والإِبرة، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الله تعالى أنزل من السماء أربع بركات من السماء إلى الأرض، أنزل الحديد والنار والماء والملح" ، وعن الحسن: { وأنزلنا الحديد } خلقناه { فيه بأس شديد } وهو القتال به { ومنافع للناس } في مصالح ومعائشهم وصناعتهم فما من صناعة إلا والحديد أو ما يعمل بالحديد له فيها { وليعلم الله من ينصره } أي ليظهر المعلوم ليعلم الله وجود النصرة منهم في الحال ويظهر المعلوم نصره، أي ينصر دينه وأولياءه { إن الله قوي عزيز } أي قادر لا يغالب { ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم } عطفاً على ما تقدم { وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم } أي من الذرية { مهتد } أي اتبع الحق { وكثير } من الذرية { فاسقون } { ثم قفينا على آثارهم } أي اتبعنا بالإِرسال على آثارهم، أي بآثار الأنبياء { برسلنا } وأرسلنا رسولاً بعد رسول { وقفينا بعيسى ابن مريم } أي أرسلناه بعدهم { وآتيناه الإِنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة } أي اتبعوا عيسى في دينه، والرأفة أشد الرحمة، ومتى قيل: لما أضاف الرأفة والرحمة إلى نفسه؟ قالوا: بالأمر والترتيب ووعد الثواب عليه، لأنه أمرهم بالترحّم فأطاعوه، وقيل: باللطف الذي قوّى دواعيهم فصارت قلوبهم بهذه الصفة، وقيل: بالاختيار والتعريف كما يقال: فلان عدله القاضي ورعاه { ابتدعوها } أحدثوها { ما كتبناها عليهم } أي ما فرضناها عليهم تلك الرهبانية برفض النساء واتخاذ الصوامع، وقيل: لحاقهم بالبراري والجبال، وقيل: الانقطاع والانفراد بالعبادة { إلا ابتغاء رضوان الله } قيل: معناه ما كتبناه عليهم البتة لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، وقيل: اتبعوا بتلك الرهبانية رضوان الله، وقيل: ما كتبناها عليهم ولكن لما دخلوا فيها أوجبنا ذلك ابتغاء رضوان الله، وقيل: الاستثناء منقطع، أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فبدلوا ولم يفعلوا ما أمروا به { فما رعوها حق رعايتها } فيه قولان: إذا حملت الأمَّة على أنه لم كتب الرهبانيَّة عليهم اتباع الله فما رعوا ما كتب عليهم من أمر الدين والملة فيكون كناية عن غير مذكور، وإذا حملت على أن الرهبانية طاعة فما رعوا تلك الرهبانية، يعني ما حفظوا ذلك، وقيل: فما رعوا حق رعايتها لكن كفروا بعيسى وتهودوا وتنصروا وشربوا الخمر وأكلوا الخنزير، وقيل: فما رعوها لتكذيبهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن من آمن بمحمد فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن فأولئك هم الهالكون، وقيل: اتخذوا الترهب والتزهد شوقاً ومكيدة ولم يتبعوا به رضى الله لمد هذه زماننا هذا { فآتينا الذين آمنوا منهم } يريد أهل الرأفة والرحمة { أجرهم } جزاء أعمالهم { وكثير منهم فاسقون } كافرون عاصون.